(( الى محمد علوان جبر ورياض عباس العصمي …جبر هذا الذي ضربوا به المثل وقالوا ( جبر من بطن امه للقبر ) هو من سمى مدينة الثورة افتراضا ، مدينة الفقراء والشظايا ))
أساطير البالطو وحرب البلقان
لااعرف أن كان اصل مفردة البالطو والتي تعني المعطف الطويل هي تركية ، لكن الباشا نوري سعيد وقد كان ضابطا متطوعا في الجيش التركي في حرب البلقان .اصر ليعود الى بغداد ببالطوه المثقوب من شظية مدفع نمساوي ، معتبرا انه من ذكرى الحرب ، ويقال انه اراد ان يرتديه في اول يوم توزير له كوزير خارجية في الحكومة الملكية العراقية .لكنهم نصحوه .بقولهم :باشا ، الفقراء وحدهم من تكون معاطفهم مثقوبة.
جادر فاتحة في قطاع 55
اقام المعلم المتقاعد جبر ماهود فاضل الساعدي اول أيام مأتم ولده ارشد الذي قتل دفاعا عن اسوار نينوى .
لموت الحرب مع جبر قصص تبدا من رحم الام الى دمعة النعش. حكايات متسلسلة مثل سبحته الكهرب ، الفرق ان خرزها مئة وواحد خرزه ، وهو فقد في الحرب من عائلته الكبيرة من الاعمام والأخوال وفخذ العشيرة 101 شهيدا . ابتداه من اخيه الاكبر موزان الذي استشهد في فلسطين في معركة جنين ومرورا بأن عمه موحان الذي لم يزل قبره في مقبرة بضواحي مدينة القنيطرة السورية ، وحتى ولده الكبير اسعد الذي استشهد فوق جبل كردمند ولحقه ابنه الثاني ورد في معارك حفر الباطن والآن اصغرهم ارشد حيث يقف الان تحت الجادر المنصوب في الشارع العام بقطاع 55 مرتديا البالطو الذي عاش معه كل سنوات تعليم منذ ان تعيين كمعلم عام 1960 في مدرسة النور باحدى قرى اهوار قضاء المشرح .ثم هاجر الى مدينة الثورة قطاع 55 معلما في احدى مدارسها.
يتذكر انهم كانوا يسمونه المعلم ابو البالطو ،والذي توسل اليه كثيرا الحراس الليليين في القطاع ليشتروه منه لانه قماشه من الجوخ الصوفي السميك ..
فيجيبهم :انه لهذا البالطو تاريخا عجيبا ولو كان في بريطانيا لاشتروه بثمن غال . انه بالطو الباشا نوري سعيد المثقوب بشظية حرب وقد اخذه والدي من بيته حفاظا عليه عندما كان حارسا في بيته كجندي مكلف يوم سحلو الباشا .واظن ان الباشا راضيا ليكون ابي امينا على بالطوه …
هو ذاته البالطو الذي عاش مع ثقب شظيته مع مفارقة ان اولادي الثلاثة جميعا استشهدو بشظية مدفع ..
اليوم الرابع من المأتم
انتهى ماتم أرشد ، وعاد حبر الى بيته يتلقى التعازي من الذين لم تسمح لهم ظروفهم حضور مأتم الايام الثلاثة .. وكان يرتدي البالطو ذاته ، وقد اوصى ولده الرابع ( احمد ) الناجي الوحيد من محرقة الحروب انه يوم يموت يتمنى ان يدفنوا بالطوه معه…
اليوم الخامس وفي فجر هادئ اخذ الله امانته وتوفي المعلم المتقاعد جبر ماهود الساعدي بنوبة قلبية مفاجئة .فسرها الطبيب الخفر في مستشفى الثورة العام انه نتاج كآبة شديدة…
حين ارادوا ان يواروه التراب في قبره الابدي قرب قبور ابناءه الثلاثة .رفض الدفان ان يضع بالطوه قربه ،وقال ان هذا لايصلح ..
لكن ولده اصر لانها وصية ابيه..
رضخ الدفان للامر وانزل البالطو قرب الرجل المسجى وفجأة انتبه الى ان شيئا ثقيلا في جيب البالطو تحسسه الدفان وقال للابن :ربما ابوك نسي ربع دينار حديد في جيبه كان يضعه للرزق .
مد يده للجيب ليخرج قطعة الحديد ، فوجدها عبارة عن قطعة حديد صدئة لشظية مدفع …!
تلك الشظية ابقاها جبر في جيب البالطو منذ ان ورثه عن ابيه ، ولا احد يعلم ان كانت هذه الشظية هي من حرب البلقان ام من حروب اخرى