27 ديسمبر، 2024 6:18 ص

جاهلية جديدة بغطاء اسلامي

جاهلية جديدة بغطاء اسلامي

هناك تيارا اسلاميا يعتقد باننا من دون حضارتنا العربية الاسلامية في جاهلية ، وبها نقود العالم . ومن دونها سنعود الى الجاهلية الاولى . وبهذه الحضارة سنتخلص من جاهليتنا الجديدة .

وقد نسي من يتبنى هذا الاعتقاد ان الحضارة العربية الاسلامية قد شاخت وذبلت نتيجة ركود الفكر وجمود العقل في اواخر ايامها . واننا لايمكن ان نبني حضارة جديدة من حيث ماانتهت لاننا في هذه الحالة سنعود الى نفس صيغتها القديمة التي شاخت . ولذلك نحن بحاجة الى تجديدها باخذ مشعلها من الحضارة الانسانية الحالية ، والبناء عليها من القيم العليا التي ولدت هذه الحضارة .

ان الجاهلية الجديدة ناتجة عن استحضار الجاهلية الاولى ، في الثبات على تقاليد الاباء والاجداد ورفض التجديد ، نتيجة الجهل ، وسيادة الفكر القبلي ، ووأد المرأة .

كما تفعل بعض الانظمة والحركات العربية والاسلامية الآن . فانظر الى افغانستان التي وأدت المرأة اجتماعيا وثقافيا ، ومنعت النساء من التعليم والثقافة . وانظر الى داعش الذي حطم الاثار بدعوى كونها تماثيل . او دعوات بعض الوعاض بتحطيم الاهرامات في مصر . وهم نسوا او تناسوا ان هذه الاثار كانت موجودة عند الفتوحات الاسلامية ولم يتعرض لها المسلمون الاوائل لانهم كانوا رسل حضارة انسانية لا بدع وفتاوي متخلفة جاهلة .
هذه هي الجاهلية الجديدة التي اتخذت الاسلام غطاء لها ، نسخة مكررة من الجاهلية الاولى ، ولكنهم مازالوا في غيهم يعمهون .

ومن الجاهلية الجديدة الدعوة للقضاء على مايسمونه الطابور الخامس ، ويقصدون به مواطنيهم ، بحجة انهم خط الدفاع الاول عن العدو . .
وهذا ماكان سائدا في الجاهلية الاولى فقد كانت القبائل تقاتل بعضها بعضا ، في حالة من الفوضوى يرثى لها . وما اشبه اليوم بالبارحة ، حيث نقتل بعضنا بعضا ، متجاهلين اعداءنا . ولا نعلم متى سنقضي على (الطابور الخامس) للتفرغ للعدو .
ان نظرية تصفية المواطنين (الكفار) بدأت في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي ، حتى تكبد الشعب الجزائري مئات ألآلاف من الضحايا . وهذا ماشاهدناه في سوريا ، وفي دولة الخرافة “داعش” في العراق التي شملت جرائمهم كل فئات المجتمع ولم يفرق ” المجاهدون المسلمون ” بين الشباب والشيوخ أو النساء في كرنفالات القتل والتعذيب ، تحت اصوات التهليل والتكبير . وهم يستندون على الفتاوى التي تبيح لهم مالايباح .

ومازال إصدار الفتاوى مستمرا حتى وصل عددها عام 2018 الى مايقرب من مليون فتوى !
وهذا يعكس حالة الجهل والجمود الفكري عند العرب والمسلمين ، وحاجتهم الى الوصاية والهيمنة على الفكر والسلوك . دون اعمال الفكر .
فالحق بين والباطل بين .

وقد وصلت الفتاوي المتهافته الى حد تحريم ملامسة بعض أنواع الفواكه والخضروات من قبل النساء بدعوى اثارتهن جنسيا !

وهكذا تواترت الفتاوى الدينية التي تقلل من قيمة المرأة وتختزلها في الجانب الجنسي ، ووصفها بالعورة .

اضافة الى تحريم الفنون بكل أشكالها من الموسيقى والمسرح والنحت وباقي الفنون التشكيلية .

وهم كذلك يؤكدون تمسكهم بمفاهيم انكار الآخر ، وانعدام التعايش مع فئات عديدة من المجتمع ، من خلال التعنت بافكارهم المتخلفة والدفاع عنها باستماتة .

ان التحديات التي تواجه العرب والمسلمين في العصر الراهن تكمن في الجهالة والتجهيل . واتخاذ الدين وسيلة للسيطرة على العقول والسطو على حرية الفكر .
وقد جعل المتطرفون من الأرهاب وسيلة لتحقيق أغراضهم في اشاعة الخوف الذي ولد رد فعل سئ لكل ماهو اسلامي لدى شعوب الارض كافة .

ويبدو ان مبادئ الأسلام الحقة التي تستند على القيم العليا مثل التعاطف والتراحم والتسامح قد نسيت .

وبعد هذا كله اما آن الآوان لمراجعة انفسنا وسلوكنا وثقافاتنا التي تكرس التفرقة وتشيع روح الكراهية للاخرين . لنتخلى عن الصدأ الذي طرأ على الإسلام الحقيقي نتيجة فتاوي التحريم والتحليل على مدى عقود طويلة ، وندعوا الى التجديد والتحديث في كل مايتعلق بفهم الشريعة وتفسيرها الخاطئ .

ان تكفير الآخرين ، والاحجام عن التماهي مع الحضارة بدعوى التشبه بالغرب ، تعد من اكبر العقبات امام اي اصلاح او تحديث .
وتجعل مجتمعاتنا العربية والاسلامية تغوص في مستنقع الجهل والتخلف ، وتحبط اي محاولة للتقدم والتجديد ، وتقف حجر عثرة امام الانفتاح على شعوب العالم المتحضر .

ان الجاهلية الجديدة تكمن في كل ما يفعله الاسلاميون الجدد بمجتمعاتهم من تخريب وتحريض على القتل والذبح ووأد النساء اجتماعيا . استجابة لتفسيرات عقيمة وفتاوي خاطئة .
وهي بذلك تعيد نفس طباع الجاهلية الاولى ، وتتسم بصفاتها في الجمود والتخلف ، والاستسلام للواقع المزري .
ولذلك فاننا بحاجة الى ثورة اخرى في وجه الجاهلية الجديدة . كما جاء الاسلام ثورة على واقع الجاهلية الاولى .
وبعكسه فان توجهاتنا وافكارنا المتخلفة ستكون عائقا امام تقدمنا اسوة بشعوب الارض . وسنذهب الى الانقراض والابادة اذا لم نستجب لمتغيرات الحياة الجديدة وهذه من سنن الحياة .