8 سبتمبر، 2024 2:56 ص
Search
Close this search box.

جان جينيه العرائش والجبايش

جان جينيه العرائش والجبايش

العرائش مدينة مغربية تقع في جهة طنجة تطوان، على بعد حوالي 85 كم من طنجة و105 كم من تطوان شمال غرب البلاد. وهي تقع على ساحل المحيط الأطلسي، على الضفة اليسرى من واد لوكوس فيما مدينة الجبايش من اهم مدن الاهوار العراقية  تقع شرق مدينة الناصرية وتقع على هور الحمار وقرب نهر الفرات ، والجبايش جمع كلمة جبيشة التي هي جزيرة صناعية تسبح على صفحة ماء الهور تم التحضير لها بعناية وتكونت من طبقات الطمي والقصب والبردي التي تتم تكديسها فوق بعضها حتى تصبح مثلها كمثل جزيرة عائمة يمكن أن تبنى عليها ديار القصب أو الصرايف.

بين العرائش والجبايش تشدني رغبة لأزور قبر جان جينيه في المدينة المغاربية التي تحتضن المحيط يوم كان هذا الرائي الفرنسي المسكون باللصوصية الجميلة وعدمية التشرد يسكننا بدهشة مسرحياته في قراءاتنا حين سألنا مرة امين المكتبة العامة في الجبايش أن كان يقبلُ منا كتاب يحتوي على مسرحيات جان جينيه ، فرد علينا :من لا يعرفه الناس هنا لا مكان له بين الرفوف.

والأن بعيدا عن تلك المدينة المائية التي ترتمي في حضن صرائف الحلم السومري ، أمشي على ساحل الأطلسي فقط من اجل توقيع متعة النظر الى شاهدة قبر جان جينيه القابع هنا في ابد الزرقة وارتعاش نوارس بيض تؤدي التحية له كل يوم لينام بهدوء في المدينة الجميلة بناء على وصيته.

أمسك نظرتي وأتذكر حماس المعلم الذي كانت اباحية جينيه في الاعلان عن نفسه تعجبه كثيرا والذي تذكرته وانا اجلس على ذات الاريكة التي يجلس عليها جينيه في طنجة يوم اختار المدينة لتكون مثوى الحلم والسهر الليلي ورفضه لدعوة بومبيدو لحضور حفل افتتاح الكاليري الشهير الذي حمل اسم الرئيس الفرنسي.

اضحك ، وأجدها معجزة أن تجلب صلعة جان جينيه الى ليل القراءة في قرية من قرى الأهوار ولهذا امسكَ مديح اجفاني لأمزج صورتين في حلم الرغبة أن يجيء معي أمام قبر جان جينيه كل المعلمين الذين كانوا يعشقون لغته الصارمة والتي ترتدي رداء الراهب والقديس ولص الميناء وأكتب :

للمكان رائيته ، هو يشاهدنا قبل أن نشاهده ، نختبئ فيه منذ طفولتنا ، ونلوذ بصدره كما العصافير في زخ المطر ، كما القصب في هبوب العاصفة ، ليس سوى الهور مأوى لأحلام طوله الفارع .

المكان سرنا المخبئ في رسائل الحب ودفاتر الإنشاء واشهر صيام أمهاتنا المكان شوقنا المخبئ في دبابيس الدشاديش كلما نعود أليه قلبنا يخفق ، دمعنا يهطل ورعشتنا تستمر ولا يوقفها سوى شعور الصبايا إن نهودهنَ بدأت تثمر كما المشمش في ربيع الذكرى الذي يوقفها فقط سعال آبائنا  أنها أمكنة تشدنا من رقابنا كما مشانق الورد عطرها في المنافي شهقة غريق ونعومة أيامها ونزهة البحر حيث لا أستطيع أن أحصيَ كل تلك النوافذ ..

النوافذ التي نطل منها إليك أيها الفيلسوف الماهر جان جينيه يا مهد ذكورتي البدائية وصلواتي تحت أجفان الصوفي بوذا تلك الأمكنة دهشة فمن الخيال إلى الخيال تقودنا كما يقود قيصر خيوله إلى الحرب…

طوبى للمكان القديم الجبايش …فبين أمكنته رائحة سريالية أبي وهو يوزع دموعه بين النجوم ..وكأنها هبات الأغنياء إلى فقراء بلاد الطير والقصب وبساطيل معونة الشتاء…

أحدث المقالات