في السبعينات وقبل أن يترجم لنا سعدي يوسف كتابه المهم ( هل ينبغي أحراق كافكا ) ، صرنا نتابع ما يجري في داخل فلسطين ليس فقط من خلال قصائد درويش وتوفيق زياد وقصص كنفاني بل من خلال ما يصلنا من النادر عن الادب اليهودي وخصوصا بعد حرب اكتوبر حيث تغير شكل المعادلة وذهب عن أرواحنا بعض من انكسارات حرب 5 حزيران . المعلمون في الاهوار امتلكوا اكثر من معلمي المدينة في التمتع بحرية قراءة الكتب ( الماركسية والاسلامية والوجودية وحتى روايات الجنس كالتي في روايات اسكندر رياشي ورفيق علايلي ، واخيرا وصلت الى مكتبة مدرسة البواسل في عمق اهوار الجبايش رواية ( غبار ) ليائيل ديان ابنة رئيس وزير الدفاع الاسرائيلي موشي ديان وقد نشرت كاملة في مجلة الموقف الادبي السورية بترجمة هاني الراهب .
وأتذكر كيف كانت تلك الرواية مثار نقاشنا ، فبعض المعلمون كرهوها لمجرد أن كاتبتها هي ابنة موشي ديان من الحقَ بنا حزن حزيران وقام بتهجير المزيد من عرب فلسطين ، ومنا من اعجب بصياغة الرؤيا الذاتية لما تفكر فيه الروح اليهودية المجهولة بالنسبة لنا وخصوصا بعد تهجير معظم اليهود العراقيين في خمسينيات القرن العشرين .
والذين لم يحبوا الرواية وكاتبتها ، وتنكيلا بمن يكيلون المديح الى البنية الروائية وجرأة الطرح في الرواية قاموا بأطلاق اسم موشي دايان على جاموسة بعين واحدة يمتلكها ( مرهون ) ، ذلك الرجل الذي غرقت له اربع جواميس في غفوة قيلولة وأتت العاصفة فلم ينجوا سوى هذه الجاموسة التي ثقبت عينها قصبة قوية فأصيبت بالعور ، وعادة المعدان ان لا يربوا اي حيوان معاق فيقومون بذبحة لكن ( مرهون ) لم يعد يملك غير هذه الجاموسة فلم يقدم على ذبحها وكان يعاني كثيرا في الحصول على فحل لها وقت اللقاح املا منه لتنجب ، فكانوا يقولون له :لا فائدة يا مرهون ، الاعور ينجب اعور.
فيرد عليهم : الله خلق آدم كاملا ، وبعد ذلك اصيب جسده بالعلل. وتكريما لحكمة الرجل ، ساعدته بنقل جاموسته الى قرية قريبة من اجل تلقيحها.
كانت جاموسة موشي ديان تمر وحدها كل يوم ، وكان الرعاة يتحاشون السير قربها بدوابهم ، ولأنها وحيدة فهي لا تحتاج لمن يقودها ، لقد عرف موشي دايان طريقه اليومي دون يحتاج الى مؤخرة تضرب قفاه.
بعضنا لم يرض بهذه التسمية لكنه لم يجاهر بهذا لأننا كنا نعيش فورة نشوة تهديم خط بارليف ، والدعوة الى اعادة مبادرات طوابع العمل الفدائي ، والمعلمون القوميون في مدرستنا اتوا بشريط نشيد عبد الوهاب الاسطوري ( وطني حبيبي الشعب الاكبر ) ليشغلوه كل يوم في دقائق الاصطفاف ، غالبا ما يصادف مرورها فلا تكترث لصوت كمنجات عبد الوهاب الجميلة . ربما هي تلبست الاسم وشعرت انها من فقدت خط بارليف.
وحين يسكنني هكذا شعور ، أضحك ، وانظر بأشفاق الى هذا الحيوان الذي الصقوا به اسماً لا يوده ولا يريده ، لأتذكر هذا المقطع من رواية يائيل دايان مع اشفاق الى ذكرى تلك الجاموسة التي يقال انها انتحرت بعد فترة من حملها هذا : فهذه ياردينا في رواية غبار تقول :
( أعطيت دافيد قرصا من أرضي السوداء ولمسته أصابعه العطشى . لقد عرف أن هذه الأرض أم، فداعبها وذاقها،وللأرض السوداء مذاق مقدس)