غير بعيد عن البنك المركزي، وفي سياق مقارنة خسارة تلف المبلغ الغرقان “الزهيد” مع النهب العلني المنظم المزعوم، ومن داخل شبكة مزاد العملة العنكبوتية ايضاً، كشفت اللجنة المالية في البرلمان، أوائل عام 2016، ان داعش تلقى تحويلات مالية بحوالي سبعة مليارات دولار، دولار وليس دينار، رغم الإجراءات الصارمة التي يعتمدها العالم أجمع في محاصرة التنظيم والسعي المتين لتجفيف منابع تمويله، وذلك من خلال تحويلات مصرفية الى مناطق نفوذه في الموصل وكركوك، قامت بها بعض شركات التحويل المالي المتعاملة مع مزاد العملة وحققت ارباحاً طائلة من خلال المهربين والمتلاعبين في اسواق العملة، اي ان تلك الشركات لم تتوانى في تحويل الأموال الى داعش الذي يقتلهم ويقتل اهلهم وبني جلدتهم ويدمر بلدهم، فقط مقابل جني الأرباح.
اؤكد هنا ان هذه المعلومات معلنة من خلال اللجنتين، المالية والقانونية في البرلمان وليست كلام جرائد او بوستات شبكات التواصل الإجتماعي ويمكن الوصول اليها بسهولة من خلال غوغل.
تقول د. ماجدة التميمي، عضو اللجنة المالية في الدورة السابقة الفائزة بإنتخابات الجورة الحالية بأعلى الأصوات النسوية، ان 57% من ايرادات النفط تنصب في مزاد العملة دون رقابة ودون وجود خطة استيرادية محكمة وبالتالي لا يعود منها بالنفع على البلد سوى 5 الى 10% بينما يستفاد السماسرة وتجار العملة من الفرق في سعر الصرف ويجنون منها أرباحا طائلة.
اذا عكسنا تصريح السيدة التميمي الى ارقام لوجدنا ان المياه الآسنة لمزاد العملة بللت واتلفت وبلعت 513 مليار دولار من ايرادات النفط التي تجاوزت ترليون دولار كحد ادنى منذ 2006.
فأين المتباكون على الدنانير المبتلة من فساد مزاد العملة المعلن الذي قصم ولا زال يقصم ظهر الإقتصاد العراقي، ولا يكتفي بتبديد الثروة الوطنية وتراجع الخدمات وتخلف البلد على كافة الأصعدة وانما يغذي الإرهاب العالمي والميليشياوي ويعمق التخندق الحزبي والسياسي والطائفي وكلها امراض مستعصية تفتك بالنسيج الإجتماعي والسلم الأهلي وتوسيع الشروخ بين ابناء الشعب وتهدد وحدته ومستقبله.
ورغم ان فداحة فساد مزاد العملة المعلن يغني عن السعي لأجراء المزيد من المقارنات فإن بعض حالات الفساد المعلن تبقى مثيرة لغرائبيتها وضررها الفائق. وقد كنت عقدت العزم على الحديث عن الكهرباء وعقودها الوهمية ووزارة التجارة وبطاقتها التموينية البائسة وعقود وزارة الدفاع التي اخبر بها بوتين مرة واعلن بعضها وزير الدفاع السابق من تحت قبة البرلمان، على سبيل المثال لا الحصر ، الا ان خبرا صغيرا بتصريح لمسؤول لم يكشف عن هويته حول المسرحية الهزيلة للحمايات الشخصية للسادة نواب الشعب جذبني بعيدا عنها وذكرني بكوميديا لا يمكن تجاهلها.
كل نائب في البرلمان، حسبما نقل اليوم عن مسؤول لم يكشف هويته، لديه تخصيص حماية يتألف من 16 فردا، براتب قدره مليون واربعمئة الف دينار لكل واحد منهم، فيكون المبلغ الإجمالي الشهري اثتين وعشرين مليوناً وأربعمئة الف دينار شهريا، أما سنويا فمئتان وثمان وستون مليونا وثمانمئة الف دينار لكل عضو في البرلمان المتكون 329 عضواً. اي ان تخصيصات الحماية الشخصية للبرلمان تصل الى ما يقرب من 88 مليارا ونصف المليار ديناراً فقط، لا غير في السنة الواحدة.
المشكلة ليس هنا، الحماية الشخصية، في مثل الوضع الذي نحن فيه مبررة ومنطقية ولا ينكرها الا جاحد. غير ان الحماية الشخصية هذه تعاني من عيبين يقدحان في الذمة والنزاهة ويدللان على الهدر والإستغلال والجشع.
الأول ان النائب يستلم الحماية كفلوس وليس افراد، والثاني حسب كلام نفس المسؤول، ان اقصى ما يلتزم به النائب هو تعيين ثلاثة او اربعة اشخاص، وهو اجراء يفتقر الى اي منظور قانوني او تنظيمي ويذكِّر بتشكيلات افواج الدفاع الوطني او الفرسان او بالأدق: الجحوش، التي كان النظام السابق يوكل تشكيلها للأغوات الكورد المتعاونين معه في محاربة الحركة الثورية الكوردية. كانت الدولة توافق للأغا على تشكيل فوج واحد او عدة افواج، بأعداد ورواتب معينة دون اية رقابة او تدقيق. كانت العملية مصدراً للغلاء الفاحش لان الآغا في أحسن الأحوال كان يكتفي بنصف العدد وبنصف الراتب، او انه ربما اقدم على حجب الرواتب بأكملها في شهر معين عندما يروق له ان يقوم بعمل ما لنفسه او لأحد اولاده.
النائب الآن يتبع نفس السياق. يكتفي بأقل عدد ممكن وبالراتب الذي يحدده. يقول نفس المسؤول انه عادة حوالي خمسمئة الف دينار. الا اننا لأغرض تبسيط الحساب وعدم المبالغة في التقدير، نفترض ان النائب كمعدل يعين ثمانية افراد بالراتب المحدد رسميا، اي نصف المبلغ ونصف العدد، فيكون البرلمان يبلل ويتلف ويبلع بطريقة المياه الآسنة للبنك المركزي ما يقرب من خمسة واربعين مليار دينار سنويا ويقتل الفين وستمئة واثتين وثلاثين فرصة عمل للعراقيين. علما ان حادثة البنك يتيمة ولا يتوقع تكرارها بينما مياه البرلمان الآسنة.