23 ديسمبر، 2024 3:05 م

جائزة نوبل والادب الروسي

جائزة نوبل والادب الروسي

جائزة نوبل للادب هي حلم كل الادباء الكبار في العالم حتى بالنسبه لهؤلاء  الذين رفضوها ,اذ انها تعني – قبل كل شئ – مجد ذلك الاديب والاعتراف العالمي به , اضافة الى الجوانب المادية والمعنوية الاخرى لها, وتخضع هذه الجائزة بالطبع لضوابط سياسية وفكرية متشابكة مثل اي جائزة اخرى في العالم .تأسست جائزة نوبل عام 1901 في السويد وهي تمنح للادباء الاحياء في العالم, والادب الروسي آنذاك كان زاخرا بالاسماء الكبرى , التي كان يمكن لها ان تحصل على هذه الجائزة بكل جدارة وبكامل الاستحقاق , واول هذه الكوكبة من الادباء كان ليف نيقولايفتش تولستوي ( 1828 – 1910) طبعا , والذي كتب عنه احد المفكرين الروس في مذكراتهجملته المشهورة – ( يوجد عندنا في روسيا قيصران , نيقولا الثاني وليف تولستوي. من منهما الاقوى ؟ لا يستطيع نيقولا الثاني ان يفعل شيئا مع تولستوي, لا يستطيع هزٌ عرشه, في حين ان تولستوي, بلا شك , يهزٌ عرش نيقولا الثاني وعائلته).لقد ظهرت آنذاك بعض الاخبار التي اشارت الى امكانية منح تولستوي جائزة نوبل , ولو تم منح تلك الجائزة له فعلا لكان ذلك شرف كبير لتلك الجائزة اولا ولتولستوي ثانيا وليس العكس , ولكن ذلك لم يتحقق , وتوجد بعض الوثائق التي تشير الى ان تولستوي قد حاول عدم منحه تلك الجائزة , وانه طلب من بعض معارفه التوسط لعدم ترشيحه لنيلها, لانه كان في تلك الفترة يرى ان الثروة تعتبر شرٌا وانه يجب التخلص منها لانها تجلب التعاسة ليس الا, على الرغم من ان زوجته كانت تتهمه باصطناع هذه الافكار من اجل مجده واسطورية شخصيته. وفي كل الاحوال, فان الوقائع تشير الى ان تولستوي كان مرشحا لنيل تلك الجائزة فعلا , ولكنه لم ينلها. هناك اسم آخر في الادب الروسي كان يمكن ان يحصل على هذه الجائزة وهو مكسيم غوركي (68 18- 1936), لما له من مكانة كبيرة ومتميزة آنذاك في تاريخ الادب الروسي ومسيرته, ولكنه لم يرشح لها اصلا. وعندما حدثت ثورة اكتوبر عام 1917 وتم بنجاح اعلان دولة الاتحاد السوفيتي, وتبلور موقف الدول الغربية عموما تجاه هذه الدولة الجديدة ببنيتها وافكارها, اصبحت جائزة نوبل للادب بعيدة جدا عن الادباء الروس, الذين لم يقفواخارج تلك الاحداث العاصفة في بلادهم ,  اذ كانوا بين مؤيد بشدة للدولة الجديدة ومعارض متشدد لها. وهكذا استمر الحال طوال عشرينيات القرن العشرين, وعندما اصبح من الواضح استقرار الدولة الجديدة , اعلنت لجنة نوبل منحها الجائزة لاول اديب روسي في تاريخها عام 1933 وهو الاديب الروسي الكبيرايفان الكسييفتش بونين ( 1870-1953)  , اللاجئ في فرنسا آنذاك , والذي رفض الدولة السوفيتية جملة وتفصيلا . ان قرار لجنة نوبل كان دقيقا جدا , اذ انه اصطاد عصفورين بحجر واحد كما يقال , فبونين – اديب روسي عملاق , وهو آخر العنقود في قائمة الاسماء الكبرى بمسيرة الادب الروسي منذ القرن التاسع عشر,والذي عاصر تولستوي وتشيخوف وغوركي , وهو في الوقت نفسه معارض متشدد للنظام السوفيتي برمته,وتتحدث بعض المصادر الى ان حصوله على هذه الجائزة لم يكن بمعزل ابدا عن موقفه السياسيوالفكري تجاه الدولة السوفيتية آنذاك وموقعها في مسيرة الاحداث العالمية اضافة الى مكانته الادبية التي اشرنا اليها في اعلاه بالطبع ,ومن المهم هنا الاشارة الى ان الخطاب الذي القاه بونين عند استلامه الجائزة عام 1933 كان خاليا من ذكر دولة الاتحاد السوفيتي التي تم تاسيسها عام  1917 وليس ذلك من باب الصدفة بتاتا, ومن الطريف ايضا ان نذكر هنا ان قائمة الادباء الحاصلين على جائزة نوبل للادب المنشورة في موسوعة ويكيبيديا تشير امام اسم بونين الى انه من ( روسيا ) وليس من ( الاتحاد السوفيتي ) وتضع علم روسيا القيصرية وليس علم الاتحاد السوفيتي امام اسمه , بينما وضعت امام الاسماء الاخرى من الادباء الروس الذين حصلوا على تلك الجائزة فيما بعد اسم الاتحاد السوفيتي وعلمه الرسمي
, وهم كل من باسترناك وشولوخوف وسولجينيتسن.
لقد حاز بوريس ليونيدوفيتش باسترناك (1890-1960) على تلك الجائزة عام 1958بعد الضجة التي احدثها نشر روايته المعروفة – ( دكتور زيفاغو ) في الغرب. ان باسترناك اسم كبير في مسيرة الادب الروسي وتاريخه, وكان معروفا في الاوساط الادبية الروسية حتى قبل ثورة اكتوبر 1917 وكان زميلا للادباء الروس اللامعين في عشرينات القرن العشرين, تلك الفترة التي يسمونها – ( العصر الفضي للادب الروسي), عندما برزت اسماء جديدة وكبيرة في هذا الادب وتياراته واتجاهاته الفكرية المتنوعة, ولكن مع كل ذلك, فان اعطاء الجائزة لباسترناك لم يكن ممكنا دون الاعتبارات السياسية والفكرية بلا ادنى شك, ومعروفة ردود فعل الاوساط الرسمية السوفيتية آنذاك تجاه منح جائزة نوبل له, وكيف اضطر باسترناك تحت ذلك الضغط الرسمي من دولته ان يرفض تلك الجائزة نتيجة لذلك, وكيف تم استغلال الغرب لهذه القضية سياسيا وكان الضحية بالطبع الاديب الكبير باسترناك ليس الا, الذي توفي بعد سنتين من كل تلك الحوادث , ومن الطريف ان نذكر هنا ان هذه الاحداث انعكست عراقيا ايضا بعد فترة, اذ احتج السفير السوفيتي في بغداد اواسط الستينات لدى الحكومة العراقية لانها سمحت بعرض فيلم ( دكتور زيفاغو ) في سينمات بغداد, وقد تناقلت الصحف ووكالات الانباء في حينها هذا الخبر السياسي, ومن المعروف ان السينما الامريكية انتجت هذا الفيلم وقام بتمثيل دور زيفاغو الممثل المصري عمر الشريف, وحاز هذا الفيلم على نجاح منقطع النظير في كل انحاء العالم , اذ ان قصة زيفاغو ومسيرته ومصير حبه كانت ممتعة وشفافة فعلا بغض النظر عن السياسة والاعيبها القذرة , اما الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي فقد هاجم في حينها باسترناك وروايته بقصيدة نشرها آنذاك وتضمنها ديوانه الموسوم – ( كلمات لا تموت ) وتوعد فيها تحويل جمجمة زيفاغو الى منفضة للسجائر !! وهو الموقف الذي يعبٌر احسن تعبير عن المصطلح المشهور- ( ملكيون اكثر من الملك ).
الاديب الروسي الذي حاز على جائزة نوبل بعد  باسترناك هو ميخائيل الكساندروفيتش شولوخوف ( 1905-1984) وذلك في عام 1965, وهي المرة الوحيدة التي رحبت الدولة السوفيتية بها ترحيبا حارا واعتبرتها اعترافا بالادب الروسي السوفيتي, لان شولوخوف هو افضل من كان يمثل هذا الادب من وجهة نظر الدولة السوفيتية, وشولوخوف – كما هو معروف – مؤلف الروايتين الشهيرتين – ( الدون الهادئ) و( الارض البكر حرثناها ),اضافة الى قصته الطويلة ( مصير انسان ) ونتاجاته الاخرى , وترتبط باسم شولوخوف كل المفاهيم النظرية الصارمة للادب والفن في الاتحاد السوفيتي وصولا الى مفهوم ( الحزبية )وضرورتها. ويرى البعض ان منح هذه الجائزة له يرتبط بالموقف السياسي الدولي عموما, اذ لاحت آنذاك رياح التعايش السلمي بين المعسكرين الاشتراكي والغربي, وان لجنة نوبل ارادت التأكيد على ذلك , وبنفس الوقت ارادت تقديم ( حلاوة الصلح) للاتحاد السوفيتي بعد الضجة حول باسترناك, ولكن هذه الاراء سياسية بحتة وبعيدة جدا عن الواقع الادبي, وفي كل الاحوال لم تدم طويلا , اذ تم منح الجائزة بعد 5 سنوات لا غير, اي في عام 1970 الى الكساندر ايسايفتش سولجينيتسن ( 1918- 2008), مؤلف الروايات عن معسكرات الاعتقالات الستالينية السوفيتية ابتداءا من قصته الطويلة المشهورة – ( يوم واحد من حياة ايفان دينيسوفيتش) التي نشرت في مجلة ( نوفي مير) ( العالم الجديد ) السوفيتية الشهرية بمبادرة من رئيس تحريرها الشاعر السوفيتي تفاردوفسكي وبتأيد مباشر من الزعيم السوفيتي آنذاك نيكيتا خروشوف , الذي اعتبرها مساندة له في حملته ضد ستالين والستالينية , وجاء جواب سولجينيتسن الى لجنة نوبل رأسا بالموافقة على قبول الجائزة , حاولت السلطات السوفيتية منعه وعرقلته ولكنه رفض كل ذلك بقوة , وهكذا قررت الدولة الروسية طرده من اتحاد الادباء السوفيت واسقاط الجنسية السوفيتية عنه ونفيه خارج الاتحاد السوفيتي , وهذا ما تم فعلا ( الوثائق الروسية الحديثة تكلمت عن اراء بعض القادة آنذاك بضرورة سجنه الا ان الوضع الدولي لم يكن يساعد على تنفيذ ذلك), وهكذا خرج سولجينيتسن من الاتحاد السوفيتي واصدر كل نتاجاته الاخرى , وصولا الى روايته العملاقة ( العجلة الحمراء ) والتي تعتبر اكبر رواية في تاريخ الاداب في العالم لحد الان, وعاد الى بلده روسيا مرة اخرى معززا ومكرما   واستقبلته روسيا حكومة وشعبا احسن استقبال , وساهم في مراسيم دفنه رئيس روسيا الاتحادية وقادتها عام   2008.
الاسم الاخير في سلسلة الادباء الروس الفائزين بجائزة نوبل هو الشاعر يوسف الكساندروفيتش برودسكي (40 19 – 1996) والذي هاجر من الاتحاد السوفيتي عام  1971, واستقر في الولايات الامريكية المتحدة  وحصل على جنسيتها عام 1977, ويعتبرونه ضمن الادباء الاميركان الفائزين بجائزة نوبل سنة 1987رغم انه ولد وترعرع في مدينة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا) وكتب اشعاره بالروسية, وبرز باعتباره معارضا للنهج الرسمي السوفيتي  في الادب والفن.