23 ديسمبر، 2024 8:27 ص

أول الكلام:
منحت لجنة نوبل النرويجية لعام 2018 جائزة السلام لشخص العراقية نادية مراد وللطبيب الكونغولي دينيس موكويغي..والفارق بين الشخصين كبير، فنادية مراد ضحية استعبدت وبيعت كجارية وعُذبت واغتصبت مرات، كبقية بنات جنسها من النساء الايزيديات اللاتي يصل عددهن الى خمسة آلاف.. بفعل هجمة بربرية للإسلام السياسي التكفيري المتطرف الذي طال ضحايا من جميع المعتقدات والاثنيات من لم يعتقد اعتقادهم، لأنهم يعتقدون أنهم رسل الله ومختاروه الذين يحملون رسالته الالهية لبني البشر فهم المؤمنون وغيرهم كفار ومشركون يستحقون أن يقتلوا وتسبى نساؤهم وأطفالهم..الخ مما هو معروف ومشهود من ممارسات مارستها داعش في الموصل وتوابعها العراقية والرقة ودير الزور وغيرهما في سوريا..
أما الطبيب الكونغولي دينيس فهو بذاته لم يكن ضحية بل طبيباً دواى وعالج آلافاً من النساء ضحايا الحروب الأثنية والسياسية في الكونغو ممن عانين من اغتصابات جماعية وقام بعمليات لإزالة ما خلفته هذه الانتهاكات الجسدية وقد خبر معالجتها وعلّم زملاءه وتفاني في تخفيف آلاف النساء اللواتي عانين من آلام جسدية ونفسية..بلا مقابل.. فشتان بين الحالتين بين ضحية فرد وبين منقذ آلاف الضحايا!
***
حقق المهندس الكيميائي السويدي ألفرد نوبل (21 أكتوبر – 10 ديسمبر 1889) ثروة طائلة من اختراعه الديناميت، وتحضيره مواد كيميائية تاجر بها بمعمله الموجود في منظقة غروندال (الوادي الأخضر) حيث كان لي هناك متجر غير بعيد عنه، تحول معمله في المنطقة الساحرة حيث الغابات الخضر وبحيرة تريكانت الى معرض عن نوبل ومقهى صيفي..ولمن لا يعرف فإن شركة نوبل تنامت ثروتها بعد مماته وأصبحت معملا لإنتاج السلاح بالتداخل مع أختها شركة بوفوش ذات الفضائح!
أوصى أن يخصص جزءاً من ثروته لتوزيع خمس جوائزسنوية في: الطب، والكيمياء والفيزياء والآداب والسلام.. ثم استحدثت جائزة نوبل للاقتصاد عام 1968 من مالية البنك المركزي السويدي.. تمنح الجوائز الأكاديمية السويدية، عاد جائزة السلام تمنحها لجنة نوبل النرويجية ولا ننسى أن السويد والنرويج كانتا دولة موحدة! ويُقام كل عام يوم العاشر من ديسمبر احتفال كبير يتم فيه توزيع الجوائز على مستحقيها من قبل ملك السويد، والتاريخ يقام يوم وفاة الراحل نوبل!!
منذ مطلع علم 1901 شُرع بمنح الجوائز.. ولو نصفح عن الجوائز الأخرى لنتوقف مع جاائزة نوبل للسلام فنقول لقد منحت لشخصيات سعت للسلام وعملت على تخفيف كوارث الحروب أو انقاذ البشرية والسعي لمجهود السلام وابعاد شبح الحرب.. لهذا وزعت للسياسيين والإنسانيين دعاة السلام ورؤساء دول وكانت لعام 1973 وقفاً عل القارة العجوز (أوربا) وعلى العالم الجديد وملكته غير المتوجة أمريكا..
في عام 1973 منحت الجائزة مناصفة بين الوزير الأمريكي هنري كسنجر وبين المناضل الفيتنامي لي دوك ثو الذي رفضها بإباء وشموخ وحسناً فعل فلم يُرد أن تتساوى أمريكا المحتلة المجرمة التي استخدمت سياسة الأرض المحروقة والتي استخدم الأسلحة الفتّاكة كالنابالم وبين بلاده فيتنام التي عانت الويلات والكوارث.. فلا تساوياً بين المعتدي والمعتدى عليه أي بين الجلاد والضحية..
في السبعينيات حدث تحول جغرافي لا سياسي في منح جوائز نوبل وما زلنا مع جائزة السلام، حيث بدأت تمُنح لدول خارج حدودها لتنطلق الى الاتحاد الوفييتي والى الشرق الأوسط/ آسيا والى أمريكا اللاتينية، حيث دشنت دولة إسرائيل علاقة قوية بالأكاديمية السويدية باعتبارها دولة علم وتنشد السلام، وكان انحياز الأكاديمية منح الجوائز الأدبية وجائزة السلام واضحاً، وقد حصل انقسام أكثر من مرة وخرجت الأكاديمية المرموقة والروائية المحترمة ششتين ايكمان من الأكاديمية وانحيازاتها..
وأصبح السلام وفق الأكاديمية السويدية هو التطبيع مع إسرائيل ومن يسعى ويحث للتطبيع مع اسرائيل.. حتى تراكض بعض الأدباء العرب للتطبيع مع إسرائيل بعد منح جائزة نوبل لنجيب محفوظ وأحسب أن الأمر معروف ولا أدل من بيان كوبنهاغن للداعين للتطبيع!!
ومراجعة منح جوائز نوبل للسلام قد يفيد وينفع:
عام 1975 منحت الجائزة للعالم السوفيتي أنريه ساخاروف لنقده السياسة السوفيتية لبلاده وتباكيه على حقةق الإنسان والتضييق على الحريات في الاتحاد السوفييتي.. وساخاروف للعلم يهودي روسي ومؤيد لإسرائيل..
عام 1978 منحت مناصفة بين الرئيس المصري المستسلم وبين مناحيم بيغن اليميني الصهيوني مؤسس حزب الليكود، وقبلها مؤسس المنظمة العسكرية الارهابية إرغون التي نفذت مذبحة دير ياسين، والتي اعتالت بغدر الوسيط السويدي فالك برنادوت عام 1948 لأن قراراته لمشروع السلام لم تعجبها واعتبرته منحازاً للعرب!!
1983 منحت للبولوني ليخ فاونسا رئيس منظمة تضامن تثميناً لدوره في زعزعة النظام الاشتراكي وإسقاطه..
1990 مُنحت للرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف لأنه ساهم بشكل هام في اسقاط الاتحاد السوفييتي، لتعم الفوضى (الخلاقة) ولتنتشر المافيات والمخدرات والبغاء..
1994 منحت لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وللسياسيين الاسرائيليين إسحاق رابين وشمعون بيريز ، والأخيران لهم تاريخ معروف في منظمة الهاكانا الإرهابية، وبيريز آخر ما نفذه مجزرة قانا في جنوب لبنان حين كان رئيساً للوزراء…
وعام 2005 منحت للمصري الدكتور محمد البرادعي..ومعروف ما كُشف عن البرادعي خلال عمله وكيلاً للطاقة الذرية وانحيازه لإيران وتقاريرة التي تبرىء ساحتها رغم وجود أجهزة لمنظومة عملاقة من أجهزة تكريز اليورانيوم في حيازتها، بينما واصل تشكيكه بالعراق وقيادته للجان التفتيش حيث نفى ما يؤكد وجود أسلحة دمار لكنه أكد وجود أسلحة بيولوجية في العراق..
لا أحد ينكر أن المنظمة منحت الجائزة لمن يستحقها لمنظمات إنسانية مثل العفو الدولية ، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة أطباء بلا حدود، وكذلك لشخصيات هامة مثل: مارتن لوثر كنغ، والراهبة تيريزا ونلسون مانديلا.. وآخرون.
أن تمنح جائزة جولية لامرأة عراقية أمر يدعو للفخر، وحسنا عمل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وهما يهنئان المواطنة العراقية نادية مراد، ولكن الأحسن هو في مهمتهما المنتظرة بإرجاع المهحرين ولم شعثهم وأصلاح مناطقهم وتوفير فرص العمل للعاطلين منهم.. وكذلك محاولة النهوض بالعراق الواحد وتحسين أوضاعه السياسية والاقتصادية ومكافحة الفساد بكل أنواعه والارتقاء به في جميع ميادن الحياة..