تواردت المعلومات عن قيام لجنة جائزة ألفريد نوبل بطرح إسم رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي لنيل الجائزة التي تمنح سنويا لشخصيات قدمت خدمة للبشرية جمعاء في مجال ما.
ووفقا لمعايير معتمدة فإن من يستحق هذه الجائزة لابد أن يقوم بعمل ما مؤثر في مسيرة الإنسانية، وليس في نطاق بلده، أو في نطاق مجموعة بشرية، أو في نطاق قومية، أو دين، أو طائفة، وينسحب ذلك على مجالات المعرفة والسياسة والعلوم الهندسية والطبية والإكتشافات المبهرة والمؤثرة في حياة سكان الكوكب، وليس بفئة بعينها. وهناك من رجال السياسة وعلماء الدين وزعماء المذاهب من حصل عليها في مناسبات عدة، إضافة الى مكتشفي نظريات علمية وطبية وعقاقير لمعالجة الأمراض المستعصية، وفي شؤون الفيزياء والكيمياء وعلوم الفضاء.
في مجال السياسة نال العديد من السياسيين حول العالم تلك الجائزة ومنهم زعيم جنوب أفريقيا والمناضل الأشهر نيلسون مانديلا وغيره، وهنا تكمن الأهمية. فقد حارب مانديلا سياسة التمييز العنصري التي كانت متبعة من قبل الأقلية البيضاء التي نتجت عن إستعمار بريطاني بغيض لهذا البلد، ونهب ثرواته عبر عقود طويلة من الزمن، وبالتالي فإن محاربة التمييز العنصري تمثل حاجة بشرية ملحة خاصة وإن التمييز على أساس اللون والدين والقوميةإنتشر كالنار في الهشيم في بلدان العالم المختلفة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوربية، وإمتد ذلك الى ملاعب كرة القدم والمدارس والجامعات والمؤسسات الرسمية والخاصة.
حيدر العبادي الذي تولى السلطة نهاية صيف 2014 وبعد أسابيع على شبه إنهيار الدولة العراقية ووصول تنظيم داعش الإرهابي الى أطراف العاصمة بغداد، وصحيح إن مرجعية السيد السيستاني المعروف بإعتداله الديني ورفضه للعنف وللتمييز الطائفي ومساهمته الروحية في نشر الوئام الإجتماعي، وظهور جماعات من المتطوعين الشجعان الذين أعادوا توازن القوة وألهبوا الحماس لمواجهة التمدد الإرهابي العنيف وساندوا القوات النظامية كالحشد الشعبي والبيشمركه والعشائر لكن الشق السياسي الذي تعتمده الدول لضبط الأمور وتوجيهها الوجهة المتفقة مع تطلعات دولية كان بحاجة الى شخصية سياسية متوازنة يمكن أن تكون وظيفية وليس سلطوية ( موظف تنفيذي وليس سلطانا ) وهذا بالضبط ماحصل فقد مارس العبادي دوره كرئيس للسلطة التنفيذية، وإبتعد عن المجاملة السياسية قدر المستطاع، وقاد حملة إصلاحات متزامنة مع تقشف إقتصادي، وضبط لحركة المال الذي كان ينساب لجيوب وخزائن المئات من المتنفذين.
تحرك العبادي على الصعيد الإقتصادي وأمسك بخيوط الإقتصاد الوطني التي كانت تشد وتجذب من أطراف عدة ومراكز نفوذ فوق السلطة وفوق القانون، وتحرك على نطاق سياسي وفتح أفق التعاون الخارجي في إطار فك طوق العزلة عن العراق، وكانت تحركاته الجريئة تجاه دول في الخليج والإقليم تمثل إنتقالة مهمة نحو الأفق العربي بعد أن تماهى مع الرؤية الغربية لمحاربة الإرهاب وشارك في مؤتمرات مهمة دولية خاصة بشؤون التحالف الدولي ضد الإرهاب في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية التي عبر رئيسها السابق باراك أوباما عن الإعجاب بتلك التحركات، وهي إشارة إيجابية لم يختلف الرئيس الحالي دونالد ترامب فيها مع سابقه وهي من الحالات النادرة التي يتفق فيها ترامب مع أوباما!
التوازن الداخلي والعلاقات الإقليمية والدولية، وإستعادة كركوك من سيطرة البرزاني، والإنفتاح على العالم، والنجاح في حفظ توازن الإقتصاد العراقي كلها عوامل إيجابية تدفع بإتجاه تقدير الدور المهم للعبادي. ولكن مايمكن وصفه معيارا للفوز بجائزة نوبل للسلام هو دوره في محاربة تنظيم داعش الإرهابي الذي شكل عامل قلق وتهديد عالمي لايمكن تقدير مساراته ووجهته، ومدى الخطر الذي يتسببه لسكان هذا الكوكب المهددين منه على مدار الساعة، وكان يحتل مساحات واسعة من العراق وسوريا، ويتحرك نحو أوربا وأمريكا وقارات العالم، وهو مايعد منجزا عالميا، وفعلا يخدم البشرية جمعاء وهو مايستحق أن يكون سببا بمنح جائزة نوبل للسلام.