ثلاثة عناصر أساسية إذا ما قُدرَ لها الاجتماع في أي شعب من شعوب الأرض يناضل من أجل استرداد حقوقه المصادرة وأراضيه السليبة،وتحرير وطنه المحتل من قبل أعتى القوى الإمبريالة اللئيمة ، فلن يُقهر، ولن يُكسر،ولن يصبح لعدوه لقمة سائغة أوغنيمة،أولها قيادة شجاعة عبقرية صادقة وحكيمة+حاضنة شعبية مؤمنة بالقضية،صابرة ومتلاحمة ورحيمة + فرسان شجعان لا تلين لهم قناة، ولا يفت في عضدهم جوع أو حصار ، ولا خسائر موضعية أو هزيمة،فمن يمتلك ناصية تلكم العناصر الثلاثة فلن تخيفه طائرات ولا دبابات ولا أساطيل ولا قادة فاشيون كالنتن جدا ياهو المحاط بثلة من المتطرفين العنصريين المهابيل أمثال “بن غفير وسموتريش وغانتس” وكلما زاد ضغط العدو الغاشم على المقاومين الأحرار ليرفعوا الراية البيضاء كلما زادهم ذلك همة واصرارا وعزيمة !
وبما أن الشيء بالشيء يذكر ففي عام 1911م لم يكن لأحد قط أن يتوهم ولا في أجمل أحلامه أو أسوأ كوابيسه بأن طالبا يتيم الأم تم فصله من المدرسة على خلفية نشاطه السياسي المعارض ليعمل نادلا وغاسل صحون في فندق ومساعدا لطباخ على متن سفينة تجارية تجوب عرض البحر أن يصبح واحدا من أعظم الثوريين وأكثرهم شهرة حول العالم فيهزم كلا من فرنسا واليابان وأميركا التي احتلت بلاده – فيتنام- على التوالي وفي ذلك قال الشاعر قديما :
لا تحقرن صغيرا في مخاصمة…أن البعوضة تدمي مقلة الأسد
فهذا الثوري الفيتنامي واسمه”هو تشي منه”قد أذاق المستدمرين ولا أقول المستعمرين ألوان الويل والثبور وهو القائل في انتصار الدول والشعوب المستضعفة رغم عدم التكافؤ بينها وبين الدول الامبريالية الكبرى”إن انتصار دولة صغيرة في الصراع مع دولة استعمارية كبيرة يعد انتصارًا لا لشعبها فقط بل لكل الشعوب المستضعفة في العالم”.
سبقه في ذلك الشيخ المغربي”عبد الكريم الخطابي” الملقب بـ أسد الأرياف وقد هزم كلا من -الاستدمارين – الفرنسي والاسباني لبلاده وهو القائل” نحن في عصر يضيع فيه الحق إذا لم تسنده القوة ..الاستعمار وهم وخيال يتلاشى أمام عزيمة الرجال، لا أشباه الرجال …فكر في هدوء، ولكن اضرب بشدة” .
ومثلهم قال الشيخ عمر المختار،الملقب بـ أسدالصحراء، وقد حارب كلا من الاستدمارين الفرنسي والايطالي في تشاد وليبيا وكان ضليعا في علوم القرآن الكريم والفقه والحديث والتفسير علاوة على الإلمام شبه التام بأعراف القبائل وأنسابها وطرق الصحراء والطب البديل:“لئن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقي ..نحن قوم لن نستسلم ،ننتصر أو نموت” .
وعلى ذات النهج سار الشيخ عز الدين القسام ، الذي حارب الفرنسيين في سوريا، قبل أن يحارب البريطانيين والصهاينة في فلسطين بالتزامن مع اطلاقه حملة كبرى لمحو الأمية بين المزارعين، ومساعدة الفقراء، وإطعام الجياع والمحرومين لأن الثورة الناجحة ومن دون حاضنة شعبية مخلصة ومُحبة ومؤمنة بالقضية لن تفلح ولن تنجح البتة :”إن رسالات الأنبياء تملك طاقه الانتصار والغلبة مهما كانت فداحة الخطب التي تواجهها وهذا ما علينا أن نتشبع به في هذه الأيام التي سيطر فيها اليأس والإحباط”.
وعلى خطاهم سار الطبيب والكاتب الارجنتيني الشهير تشي جيفارا، وهو القائل “إن الحق الذي لا يستند الى قوة تحميه باطل في شرع السياسة.. وإذا ما فُرضت على الإنسان ظروف غير إنسانيّة ولم يتمرد، فإنّه سيفقد إنسانيّته شيئاً فشيئا” وأمثالهم الكثير من الشخصيات النضالية والوطنية التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه وأصبحت أيقونات ثورية خلدتها الأمم والشعوب،وقاسمهم المشترك هو أنهم حاربوا دولا استدمارية وامبريالية عظمى في أعقد الظروف، وبأبسط الأسلحة،وبأقل الإمكانات المتاحة إلا أنهم قد نجحوا أيما نجاح بابتكار طرق ووسائل جديدة خلال المواجهة المصيرية ما زالت وستظل تُدَرَّس في أرقى الجامعات والمعاهد والاكاديميات العسكرية في أرجاء المعمورة وبما يستحق أن تخصص لكل تجربة فريدة منها جائزة سنوية عالمية أقترح تسميتها بـ “جائزة الخلود” لتكريم ابتكارات وبطولات المقاومة والصمود!
ومما قد لا يعرفه كثيرون أنه وفي عام 1928،وبعدما اكتشف ألكسندر فيلمنغ” “البنسلين” الذي لم تعره المراكز البحثية برغم أهميته الكبرى اهتماما يذكر حتى عام 1939، ليكون سبباً في إنقاذ حياة الملايين ،وبرغم تسلم فيلمنغ لجائزة نوبل للعلوم تثميناً لجهوده فإنه كان حزيناً وعندما سئل عن السبب قال: “صحيح أن اكتشافي قد أنقذ حياة الملايين إلا أنني حزين لملايين ماتوا قبل الاعتراف بالمضاد الحيوي، كما أنني حزين لملايين تموت بلا ذنب من جراء الحرب” .
وفي ذات السياق وعندما وقع بصر العريف الروسي “ميخائيل كلاشنكوف”على مشهد المئات من رفاقه وهم يتساقطون تباعا صيف 1941 عقب الاجتياح النازي لروسيا حز ذلك في قلبه كثيرا، ذاك أن هزيمة الروس يومئذ لم تكن بسبب تخاذلهم وإنما بسبب بنادقهم القديمة روسية الصنع من ” طراز موسين” أمام نظيراتها الألمانية الحديثة “طراز شمايزر” فشحذ كلاشينكوف ذهنه عاقدا العزم على اختراع بندقية آلية سريعة من شأنها أن تعيد الأمور إلى نصابها،ولم يدخر كلاشنكوف وسعا ولم يألُ جهدا، لتحقيق الغرض المنشود،حتى تبنت القيادة العسكرية الروسية سلاحه المبتكر” بندقية كلاشينكوف”عام 1947، ليبدأ انتاجها رسميا عام 1951 وذلك بعد رفضها مرار لتصبح البندقية رمزا لكل حركات التحرر والنضال حتى يومنا هذا!
ومن يقرأ التاريخ بإمعان يكتشف بأن 70% من الاختراعات والاكتشافات العلمية كان دافعها الرئيس هو الحرب وليس السلام (الرمح، السيف، المدفع، الطائرة، الغواصة، اللاسلكي، الإنترنت، الأسلحة النووية والجرثومية والكيمياوية، الكمبيوتر .. إلخ) حتى أن مخترع المدفع الرشاش – مكسيم – كان قد حصد في نهاية الحرب العالمية الأولى خمسة دولارات عن كل ضحية من الضحايا الـ 12 مليوناً الذين قضوا في الحرب العالمية العظمى وكثير منهم سقط صريعا برشاشه المبتكر، فالحاجة هي أم الاختراع وهي التي تدفع على الدوام تجاه الإبداع والابتكار لتحسين الواقع على مستوى الأفراد والدول والمجتمعات !
وبما أنه و في كل عام وبالتزامن مع جائزة نوبل العالمية، يتم توزيع جوائز”ايغ نوبل”لما يسمى بالحماقات العلمية في جامعة هارفارد .. جائزة كانت قد دشنتها مجلة علمية أمريكية عام 1991 تمنح سنويا لـ 10 فئات مختلفة ورسالتها النبيلة هي ((كل الاختراعات الكبيرة والاكتشافات العظيمة بدت كحماقات مثيرة للشفقة والسخرية في بداياتها)) إذ سبق لمؤسسها البروفيسور مارك ابراهامز، أن أوضح بأن “لا شيء قد يعتبر اختراقاً أو تقدّماً مفاجئاً في المعرفة والتقنيّة إلا ويظهر في بدايته سخيفاً بشكل من الأشكال” ومصداقا لكلامه فقد شكل أحد البحوث الطريفة الفائزة بجائزة علوم الاحـياء عن انجــذاب بعوض الملاريا لرائحة الجبنة تماما كإنجذابه لرائحة الأقدام البشرية ، طفرة علمية مكنت شركات الادوية فيما بعد من مكافحة البعوض الناقل للملاريا من خلال اقتناصه بالروائح ما أسفرعن انقاذ ملايين البشر ممن تفتك بهم الملاريا سنويا ولاسيما في قارة أفريقيا، وبالقياس على ما تقدم فإن ابتكارات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ومثلها في لبنان وإن بدت للناظرين فضلا على المراقبين بدائية الصنع وتقليدية وربما بسيطة وسخيفة إلا أنها قد أذلت الترسانة العسكرية الصهيو-أمريكية ومرغت أنفها بالتراب،بل وغيرت قواعد الحرب برمتها، وفرضت واقعا جديدا ، وألغت معظم العقود الدولية المبرمة لشرائها ما قبل أحداث السابع من أكتوبر وبالأخص ما يتعلق منها بمنظومة حيتس الصاروخية، ومقلاع داوود، والقبة الحديدية، وعربات النمر المدرعة ،ونظيرتها ناقلة الجند ايتان ،ودبابة ميركافا وغيرها وقد تحول المئات منها الى حديد خردة من خلال أنفاق وكمائن وأسلحة وتكتيكات نوعية أفقدت العدو وشركات الاسلحة صوابهما كليا، حيث تمكنت ثلة من الشجعان الصامدين من هزيمة جيش يصنف ضمن أقوى 18 جيشا في العالم بحسب موقع “غلوبال فاير باور” بـ حجم انفاق عسكري يبلغ أكثر من 23 مليار دولار سنويا ، وقد جاءت هزيمة العدو بأسلحة مبتكرة فرضها الحصار الغاشم المضروب على غزة منذ عام 2006 بدءا بـ “عبوات العمل الفدائي” شديدة الانفجار التي يتم إلصاقها في بدن الدبابة أو المدرعة من المسافة صفر لتنفجر بعد مرور 7-8 ثوان مخترقة الدروع لمسافة 60 سم ، ولايختلف الحال مع عبوة ” شواظ ” وهي عبوة ناسفة فلسطينية انتج منها سبعة أجيال أقواها عبوة “شواظ – 7” التي تتمكن من اختراق الدروع الحديدية والفولاذ ، كذلك الحال مع “المسيرات” وأبرزها مسيرات “شهاب” محلية الصنع ومسيرات “الزواري” التي ظهرت للمرة الاولى بمعركة “سيف القدس”عام 2021،علاوة على طائرات “الدرون”القادرة على حمل الذخائر والقذائف لإسقاطها فوق الأهداف مباشرة بواسطة أجهزة التحكم عن بعد .أما قناصة ” الغول” وهي قناصة فلسطينية مطورة محليا كشف عنها النقاب أول مرة خلال “معركة العصف المأكول” عام 2014 وسميت بـ” الغول” نسبة الى قائد وحدة التصنيع العسكري”عدنان الغول” الذي اغتيل في قطاع غزة عام 2004،ويبلغ طولها 2 متر،وهي من عيار 14.5 ملم يصل مداها إلى أكثر من كيلومترين، وتعد البندقية القناصة الأطول في العالم متفوقة بذلك التوصيف على القناصة الروسية”دراغونوف”، والقناصة النمساوية “شتاير”، ولم يختلف الحال مع صواريخ المقاومة التي أقضت مضاجع الكيان ، وأرقت ليله وهي عديدة ومتنوعة بحسب وكالة بلومبيرغ ، و موقع دفاع العرب ولعل من أشهرها صواريخ القسام التي سميت بهذا الاسم تيمنا بالشيخ عز الدين القسام،قائد ثورة 1936م وهي على ثلاثة أنواع ، تليها صواريخ ” القدس “محلية الصنع وقد أنتج منها أربعة أنواع ، يعقبها (صاروخ سجيل 55) محلي الصنع الذي أستخدم للمرة الأولى في تموز 2014م ويصل مداه الى أكثر من 55 كم ،كذلك (الصاروخ R160) محلي الصنع واستخدم للمرة الاولى بمعركة (العصف المأكول) ويبلغ مداه 160 كيلومترا ولايختلف الحال مع (صاروخ M75) أو”مقادمة 75” محلي الصنع الذي يبلغ مداه 75 كيلومتر وقد كشف عنه النقاب عام 2012 خلال معركة (حجارة السجيل) ، كذلك (صاروخ J80) محلي الصنع المعروف بتضليله للقبة الحديدية ،وقد استخدم للمرة الاولى في تموز 2014 ويبلغ مداه 80 كيلومترا، كذلك ( صاروخ A120 ) محلي الصنع ،الذي ظهر عام 2021 بمعركة (سيف القدس) ويبلغ مداه 120 كيلومترا،و يصل مداه إلى 120 كيلومترا، وصاروخ “عياش 250” محلي الصنع الذي يصل مداه إلى 250 كم ، ولايفوتنا ذكر قاذفة آر بي جي 29 أو التاندوم ، اضافة الى “سام 18” و( طوربيد العاصف البحري) الذي ظهر أول مرة في معركة “طوفان الاقصى” 2023 وقد اقتبس اسمه من الآية الكريمة في سورة يونس “جاءتها ريح عاصف”، زيادة على منظومة “رجوم” الصاروخية ،محلية الصنع ،قصيرة المدى،من عيار 114 ملم المطورة عن الكاتيوشا والتي يصل مداها إلى 7 كيلومترات لتطلق من منصة أرضية تحمل 15 صاروخا برؤوس حربية زنة الواحدة منها 3 كغم واسمها مستنبط من الآية الكريمة في سورة تبارك (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ).
أما عن هندسة”الأنفاق” التي يطلق عليها الصهاينة “مترو غزة” والتي فشل الكيان المسخ بالعثور على معظمها فيما تحولت المكتشفة منها الى فخاخ لضباطه وجنوده فقد أذهلت العالم بأسره ،أسوة بوحدة الاعلام التي تبث العمليات أولا بأول، لتأتي قذيفة ” ياسين 105″ وهي قذيفة صاروخية ذات رأس حربي مزدوج مخصصة لاستهداف الدبابات والمركبات المدرعة يتراوح مداها بين 100 إلى 500 متر وقد استخدمت للمرة الاولى بمعركة طوفان الأقصى، وهي من عيار 105 ملم ،وسميت بالياسين نسبة الى الشيخ احمد ياسين ،كذلك صواريخ “متبر1″ التي تطلق من منصات أرضية،يصل مداها إلى 10 كليومترات،لاستهداف المروحيات والمسيرات على ارتفاع منخفض ، ومتبر كلمة تعني مُهلك ومُدمر وباطل ، والكلمة مأخوذة من الآية الكريمة من سورة الأعراف” إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ” .
كل ما تقدم إنما هو غيض من فيض ونماذج من الاسلحة والخطط والتكتيكات والاستراتيجيات التي ابتكرها وأبدعها وأجاد استخدامها وتوظيفها ، المقاومون في غزة خاصة ، وفلسطين عامة وبما أذل كبرياء الكيان اللقيط وأجهض أحلامه وأقض مضجعه، فما بالكم بما ابتكره اللبنانيون وبما سيكشف عنه النقاب قريبا في حال تورط الكيان المسخ بحرب مماثلة لحرب غزة في جنوب لبنان ولاسيما بعد الإرباك الكبير الذي أحدثته المسيّرة اللبنانية “هدهد” التي ضحكت على منظومات الدفاع الجوي المكلفة بحماية أجواء الكيان اضافة الى سخرية “الهدهد اللبناني”الذي”جاء بنبأ يقين” نقل للعالم بأسره صورا لمعظم المنشأت الحساسة والمواقع الحيوية في مدينة حيفا المحتلة ما جعل “قانون KBA” الأميركي المصمم لمنع التصوير الفضائي للأراضي الفلسطينية المحتلة خارج نطاق الخدمة أو وعلى قول البغادة “صفر باليد حصان” ؟! أودعناكم أغاتي