وكأن الرأي العام لم يحفظ وجوههم ويستدرك حديثهم المكرر قبل أن ينطقوا به، وكأن الصيام في شهر رمضان لا ينقصه إلا أن يطل السياسي بحديثه البطولي ومغامراته في عالم السياسة ليصب تجاربه الفاشلة في آذان المشاهدين من خلال البرامج الحوارية التي تستضيفهم فيها فضائيات عراقية في ساعات السحور قبل إنبثاق الخيط الأبيض.
برامج حوارية تنشط في شهر رمضان لإستضافة سياسيين أو عُتاة عالم السياسة للحديث بحوارات بات يعرفها ويحفظها المشاهد أكثر من المُحاوِر نفسه.
لايمكن تفسير الظاهرة التي تنتاب الفضائيات العراقية في تكرار وجوه أولئك وبأحاديث مملة بات يتمنى الصائم أن يغادرها ولو لبعض الوقت أو حتى ينساها إحتراماً للشهر الفضيل.
من سُخرية المشهد السياسي أن تجد فريقه الذين يتراقصون في الكلام والتبرير كما تتراقص الأفاعي على أصوات الناي، ربما لاتجد الفضائيات غير تلك البرامج في إستيعاب ساعات بثها الطويل لرخص التكلفة، أو لأن السياسي لايجد ما يتصدّق به سوى الدفع لتلك الفضائيات من أجل إظهار الصورة الحسنة منه.
أزمة الفضائية العراقية أنها تعيش في مشكلة إيصال الرسالة إلى عقول الرأي العام، فهي لم تغادر ذلك الفكر الشمولي أو الإعلام الحكومي (الببغاوي) الذي بات يمتهن التكرار في خطابه.
أغلب الفضائيات العراقية أصبحت مثل الدكاكين أو سوق هرج الذي يضج بكل البضاعة المستهلكة والقديمة التي يستوجب على العقل البشري البحث عمّا يريده أو الذي يتلائم مع رغباته أو مايميل إليه للإستمتاع بأيامه في شهر رمضان من خلال إعطاء إستراحة من هموم الحياة أو حتى السياسة.
برامج حوارية لسياسيين ومسؤولين تتزامن مع إستراحة الصائم من عناء صومه كأنها ساعات مستقطعة من زمن المُشاهدة للتذكير بأنهم موجودين، لم تغادر أفعالهم حياة المواطن البسيط.
ظاهرة بدأت تألفها الفضائيات من خلال إجراء حوارات مع شخصيات وأرباب السياسة للحديث المكرر عن إنجازاتهم أو أفعالهم السابقة أو التي لم تبصر النور.
بعض الفضائيات تمادت في الإعلان من خلال إستضافة شخصيات متهمة بقضايا فساد وسرقة المال العام تجعل من المشاهد يستغرب عن السر في إستضافة هؤلاء، حيث لا يجد جواباً سوى أن هؤلاء يحملون معهم الحقائب المليئة بالدولارات ليضعها على مكاتب إدارات تلك الفضائيات من أجل السماح لهم بالظهور أو حتى للتلويح بقضايا فساد وسرقة تكون الفضائية شريكاً مع الفاسد.
لم يكن الإعلام العراقي بمعزل عن السوء والإنهيار الذي أصاب منظومته السياسية، فهو كغيره من مفاصل العراق التي وصل إليها التخريب والفوضى.
يقول أحدهم “أن الكذبة تحمل دليل زيفها في داخلها”، تماماً كما يحدث للسياسي الذي يُجاهر بفشله أمام الفضائيات وهو يعلم يقيناً أن المشاهدين باتوا لا يصدقون كلمة مما يقول، في حين أصبحت الفضائيات التي تستقبل هؤلاء (إبتزازية) بفعل مقصود من أجل إثارة الرأي العام وتسجيل أكثر عدد للمشاهدة أو التسابق لتدوين الخبر العاجل في أذهان الناس، في حين نست أو باتت تتناسى أن المشاهد بات ينظر إلى الأحداث وبخبرة تفوق ذلك السياسي الفاشل وإدراكه، وربما يمتلك حلولاً تفوق عقل ذلك الذي فرضه الزمان والمكان الخطأ على مصير الناس، وتلك مصيبة السياسي في العراق أنه لا يدرك أن هناك من يفوقه ذكاء وخبرة، وربما يملك أبعاداً مختلفة لحجم المشكلة وإمكانية الحل، لكنها الأغلبية الصامتة التي تنتظر.