23 ديسمبر، 2024 12:13 ص

ثورة على الجلوس بين الحكام الفاسدين !

ثورة على الجلوس بين الحكام الفاسدين !

بعد ان اجترع السيد الصدر المرّ من تكليفه القسري بالجلوس مرغمآ بين الحكام الفاسدين فترة طويلة , باذلآ في ذلك الجلوس وهو يافع , كل ماعنده من جهد وطموح في سبيل تحقيق آمال وطموحات والده الشهيد الصدر الثاني التي رسمها لتحقق الحرية والكرامة للعراق وشعبه وورثها عنه امانة بين يديه , فضلآ عن تعاليميه الدينية الرصينة التي تعلمها وهو طفل والمكانة والوعظ اللذان اضطلع بهما لقيادة تابعيه لمواصلة الخوض في اعباء وخطورة الطريق الإرشادي الذي سلكه أبيه في عالم الدكتاتورية المتحور الى دكتاتورية لم تجد الإنسانية من توصيف لها لحد الآن .
وجد هذا اليافع , وقد بلغ المشيب , أنه لم يحصد إلا الإثم والإتهامات من افواه مفتوحة على مصراعيها كأفواه النمور , ولأنه لايملك الإستراتيجية القتالية كالنمور ليقف بإزاء استمرار الحكام السياسيين على تنشيط تلك الأفواه على اكل المال الحرام , فقد لجأ الى عقله بهدوء وجمع راحتيه على الأرض كما يفعل في الصلاة ونهض يغادر ذلك الجلوس , سيما انه ادرك في الآونة الأخيرة انه معرض للإغتيال في كل لحظة , ليجلس بين جمهوره المتهم بالطوباوية وبعدمية الأنتاج ليبدأ بإصلاحه أولآ , وسعى ثانيآ محذرآ الطغاة الى ان عهد الفساد قد طويت جناحاه وحان وقت الإصلاح , إلا انهم لم يعبأوا لإصلاحه .
وبشكل مختزل ومن غير إنحياز الى أي طرف سياسي أو إنتقاصه بأي مفردة كما هو معتاد بين البعض من المحللين السياسيين الذين لايقفون على مسافة واحدة بين الأطراف المتنافسة على السلطة , نقول أن الأحداث السياسية هكذا بدأت في أواخر ايام تموز 2022 واختتمت بالإقتحام الثاني لأروقة البرلمان يوم السبت 30 تموز 22 من قبل أتباع السيد الصدر , وكان السبب الرئيسي للإقتحام ورفضهم لعقد جلسة منح الثقة هو ترشيح السيد محمد شياع السوداني لمنصب رئاسة الوزراء .
وبدأت مع تلك الأحداث صراعات اوشكت ان تكون صراعات دينية بين ما سمي سياسيآ بالإطار التنسيقي وماسمي أيضآ بالتيار الصدري , إلا ان ذلك لم يحدث لحسن الحظ بأمر من عقول سياسية ناضجة عملت من وراء الكواليس .
والملفت للنظر أن جميع المراقبين والمحللين السياسيين لم يتطرقوا الى أصل السبب الذي دعا الصدر الى المغادرة من الجلوس بين الحكام السياسيين الذين اسماهم بالفاسدين وبالتبعية لدولة اجنبية ,
وهو الدستور الذي شجّع على انتاج كل قبح تلطخت به العملية السياسية , فالدستور لم يعط للبرلمان فسحة من الزمن ليدرس الأسباب الجوهرية للإستقالات الصدرية الجماعية وتداعياتها على سير العملية السياسية , كأن يمهل الجهة المستقيلة فترة مناسبة لمراجعة مواقفها بالتوافق مع المكونات السياسية الأخرى ذات الصلة للوصول الى حل يرضيها ويرضي الجهة المستقيلة .
هذه الغفلة عن اعطاء مهلة زمنية للبرلمان التي هي نفسها للتيار الصدري لكي يراجع موقفه هي التي انجبت الأحداث في آواخر ايام تموز 22 ومازالت ولادة بالمشاهد الدراماتيكية التي يجلس لتحليلها تحت مصابيح القنوات الأخبارية يوميآ عشرات المحللين السياسيين وهم لايعلمون أن بعضهم ومعهم حكام سياسيين آخرين اشد فرحآ من ابليس على هذه المأساة التي يمر بها العراق وشعبه .
وأسوأ ما أنجبت تلك الغفلة أن ترى التصريحات الدادائية تجري من افواه لاتعرف كيف تلجم السنتها لكي لا تقرّب الخلاف الى صراع ديني , بل كانت تذيل تلك التصريحات تحت عنوان ” كذا الشيعي ” وكأن التيار الصدري ليس كذلك . هذا النوع من التصريحات الشنيعة تدعو الى التحديق الى قائليها ليُسألوا : هل انتم تروّجون الى سلعة تجارية ؟
وبكل تأكيد أن السيد الصدر قام بثورة النهوض من بين الفاسدين بإختياره , وبهذا يكون أول حاكم سياسي بالعراق يعلن البراءة من الفاسدين بشكل عام ويدعو الى محاكمتهم , والثورة على الحكام الضعفاء أمام المال الحرام والإنفصال عنهم والدعوة الى عصيانهم بشكل خاص, وعلى كل الحكام السياسيين القائمين على إدارة عهود الفساد ومازالوا يتذرعون بالزيف والكذب لإطالتها على حساب آلام الشعب , رغم علمهم أنهم حتى من دون الحاجة الى ذلك راحلون الى الفناء وان تغلغلت معايير الفساد الذي صنعوه بين مفاصل القيم الاخلاقية في المجتمع العراقي .
وفي مشهد الصلاة المليونية الجماعية التي اقيمت في يوم الجمعة المصادف الخامس من آب 22 في ساحة الإحتفالات الكبرى , إنما هي رسالة توطدت لدى جميع فئات الشعب أن الصدر هو إبنها البار وحامل راية الإصلاح التي دعا اليها الإمام الحسين عليه السلام , وهو لايسعى الى غير إسعاد الشعب وإعادة هيبة العراق بين الأمم كسابق عهوده الغابرة , وهو بريء مما قيل عنه واطلقوه من عبارات سلبية لاتمت الى نفسه النزيهة بصلة .
اما الوقوف معه ومناصرته إنما هو وقوف يذكر بوقفة الأحرار مع سيد الشهداء ومع العراق الحر ليعيش تحت مظلة دستور حقيقي وقوانين انتخابات رصينة تضمن حقوق جميع أطياف الشعب , وليس الوقوف مع الحاكم الجائر الأوحد لأنه لم يدعُ الى ذلك ولم يطلب سلطانآ أو حكمآ , بل دعا الى نظام حكم سياسي خال من ظلم الحكام الفاسدين ونهب الثروات , وعدالة ومساواة بعيدآ عن سطوة المال الحرام وتدخلات الدول الأجنبية .