العراقيون خارج التغطية لأول مرة بعد 2003 والسبب هو تلميح بثورة 14 تموز لصالح جهة مجهولة. فالاحتجاجات العراقية التي بدأت منذ اكثر من اسبوع جنوب العراق وصلت ذروتها امس المصادف 14 تموز حيث وصفت الحكومة المظاهرات بالتمرد ووجه العبادي انذار ج للقوات المسلحة يوم امس. حيث انتشرت ليلة امس قوات جهاز مكافحة الارهاب بقوة لواءين في الطرق التي تؤدي الى مطار بغداد الدولي فضلا عن الغطاء الجوي العراقي والامريكي -مروحيات تابعة للسفارة الامريكية- وكذلك انتشرت افواج شرطة طوارئ بغداد في جانب الرصافة فضلا عن تكثيف قوات الشرطة الاتحادية وتواجد غير مسبوق للجيش العراقي في جانب الكرخ. وزير الداخلية يصرح لبعض وسائل الاعلام بأن قواته ستتقمص “المندسين” داخل المظاهرات رغم ان المحتجين هذه المرة لم يهتفوا بأسم حزب او جهة معينة وتبدو وكأنها مظاهرات شعبية بحتة.
وبعث القائد العام للقوات المسلحة برقية فورية منتصف ليلة الرابع عشر من تموز الى قيادة العمليات المشتركة مفادها ارسال قوات الفرقة الضاربة (وهي نوع خاص لمكافحة التمرد) الى محافظة البصرة. الموقف في محافظة البصرة لا يزال غامضاً الى الان. فالحكومة امرت بقطع خدمة الانترنيت بأغلب مناطق العراق خاصة المحافظات الوسطى والجنوبية من ضمنها بغداد حتى تضمن انقطاع الشعب العراقي عن الرأي الدولي, فالدماء اختطلت في البصرة. ومبنى المحافظة بيد ابناء البصرة حتى هذه الساعة.
بعض المحللين يصفون الاحتجاجات العراقية بالمسيسة لصالح ايران بسبب الموقف النفطي الايراني المحاصر, ويؤولون الموقف الا ان ايران ارادت التصعيد في مناطق الجنوب وخاصة البصرة بأعتبارها المنطقة النفطية في العراق. ويرى اخرون ان الموقف مختلف, لكنهم لا يخرجون عن دائرة ايران ايضاً, فيبدو لهم ان ايران تحاول ان تحرك الشارع الشيعي في العراق لتبرهن لامريكا مدى قوة نفوذها في العراق, وشخصيا استبعد هذا الاحتمال.
الاعلام العربي (السعودي) بدأ يغرد بصوته المبحوح واصفا المتظاهرين بالابطال, ليس حباً منهم بالعراقيين وانما تشجيعا وترويجا للفوضى. فتنعت بعض المحطات العربية الاحتجاجات التي تجري في العراق بأنها مظاهر ثورية ضد فساد الحكومة “الشيعية”. والحقيقة ان المظاهرات هي مطالب شعبية بحتة لرفع مستوى الخدمات كالكهرباء التي سائت جدا في شهر تموز الذي بلغت درجات الحرارة خلاله اعلى من نصف درجة الغليان حتى “شاط” العراقيون!
ولا ننسى ازمة المياه التي يعاني منها العراق منذ اعوام والتي اخذت تتفاقم مع صيف هذا العام حتى وصلت الحالة الى انعدام مياه الشرب في بعض المناطق السكنية في جنوب العراق العاصمة بغداد.
بعيداً عن المياء والكهرباء والانترنيت, لماذا تواصل العبادي مع المالكي قبل امس؟ ولماذا يعقد الساسة السنة اجتماعات سرية مكثفة ليلة امس في منازل اعضاء احزابهم الصغار حسب تقارير امنية؟ ولماذا يصمت مقتدى الصدر عراب “الاصلاح” في العراق في احرج وقت في تأريخ العراق ولا ابالغ عندما اقول ذلك؟ وما هو موقف الشيوعيين الذين يحتفلون برياتهم ” الحمراء” بذكرى 14 تموز؟
هذه الاسئلة تحتاج الى تحليل موسع من قبل المختصين, فالعبادي والمالكي من حزب واحد لكن الاخير يصف الاول بأنه متئامر عليه دائما, والاول يتهم الاخير بأنه سبب فشل الحكومات السابقة. وقيادي الاحزاب السنية غالباً ما يعرضون ما في جعبهم في جبهة الاعلام, لكن هذا الاسبوع صمتوا كما صمت الصدر!
العراقيون الفقراء قاموا بمظاهرات احتجاجية ضد ازمة الماء والكهرباء. وركب “الضباع” ضهر هذه المظاهرات لصعود شجرة صعدها عبد الكريم قاسم قبل اكثر من ستين سنة من الان. انتهى زمن الثورات, وستنتهي ازمة البصرة وجنوب العراق بخير, لكن حذارى من القادم..