يتوشح العراق سواداً في ذكرى عاشوراء، تنظيم جماهيري تعجز الأقلام وصف ما يحدث من إيثار وتضحيات وبذل للغالي والنفيس، مهرجان مليوني سنوي تعجز دول كبرى عن تنظيمه، ومسيرة ترسم صورة لجيش مليوني موشح بالسواد، يعطي صورة حزن سوداوية التاريخ وإنحراف المفاهيم، وبقصد يغض الطرف عن ثائر الإنسانية والقيم والسلام وعن فهم مباديء وأهداف ثورته. كرنفالاً لا يمكن السيطرة عليه بكل الحسابات من كم الطعام والطرق والمساكن والخدمة والتفاني، مسيرات عفوية تعطي دروس مجانية، وتشير بوضوح لمواجهة التعصب بقوة. أتباع الإمام الحسين عليه السلام إنسانيون قبل الإنتماء الى مذهب ما، وهو نهضة كبرى تسمو بمباديء الحرية ضد التطرف، تجمع كل المذاهب والأديان تحت خط العدالة والمساواة والحرية.
نقف اليوم على مفترق طرق متغيرات كبيرة، تغرق المنطقة بالفوضى والظلام والتكفير، تبعد تلاقي الشعوب على المحبة والسلام والأمن، في بحر متلاطم الضغائن والكراهية والتعصب الأعمى والطائفية والطغيان والفساد.
العراق يعيش وسط عاصفة التقاطع والعداء، ممر للفاسدين والمنحرفين المتجلبين بلباس الأسلام، تجعله امام أهداف كبيرة تتطلب تضحيات أكبر، وثورة بوجه الإنحراف من الطواغيت بأسم الدين، مغتصبين شرعية الحكم بأخطر نوع من الإنحراف والإنحطاط، مسميات دويلات اسلامية تنصب العداء لتاريخ امة كاملة متجاوزة على اقوال رسول الإنسانية الواضحة “أحب الله من أحب حسينا”، حتى كان نهضة ولا يزال درس في التكافؤ والتسامح لم تخضع لحسابات الربح والخسارة في منظورها المادي، إنه مواجهة بين الصلاح والإنحراف المنظر لشرعية إغتصاب الحكم.
عاشوراء محطة مراجعة الأوقات العصبية التي يمر بها العراق، تتطلب رجال مواقف حسينية السلوك والتفكير، معتبرين لا عابرين، كربلاء عنوان الوحدة والحوار وبناء الدولة العصرية العادلة، والألتقاء على كلمة الحق التي تجمع العراقيين. مشروع صار على مرمى البصر، لشعب مظلوم طال إنتظاره للأمل، حينما قدمت المصالح الفئوية على مصلحة الوطن والمواطن، متنكرين حقيقة مهمة : أن التاريخ لا يخلد سوى من يحترم المسؤوليات ويعمل بإخلاص وصدق. من وحي الذكرى العظيمة يتضح منهج الأصلاح الحسيني منهج لمحاربة المفسدين في اول الأولويات، وهذا العراق الذي توشح بإسم الحسين لا يمكن ان يجمع بين مبادي الإنسانية والأخلاق مع الفاسدين، من ينهب الثروات ويشيع الفساد.
صراع الحق والباطل لا يتوقف عند لحظة تاريخية محددة، حالة متواصلة متجددة بصور مختلفة، ما أحوج العراق اليوم الى استنهاض هذه الروحيةالحسينية، وإعادة تجسيد صورة ترسيخ المبادئ.
الثروات تنهب والإرهاب يرتع في دولة يحكمها الروتين والمحسوبيات والحسابات الحزبية الربحية، من جعل الأرهاب مرتبط بالفساد، لا يمكن ان ينهض بلد دون ثورة تنطلق بمشروعها على الإدارات الفاشلة الفاسدة، تحصن المؤوسسات من الروتين والإهمال والتكاسل والتخلف، ورفع شعار خدمة المواطن إنتهاجاً من المنهج الاصيل. طريق الإمام الحسين للإصلاح والتغيير والخدمة، ثائر لم يكن ضد حاكم فقط؛ إنما فكر إصلاحي لمحاربة الفساد والإنحراف لبناء دولة عصرية عادلة، تحكمها مؤوسسات تعي مسؤوليتها تجاه مواطنيها، وما خروج هذا الملايين الاّ لجعل العراق حسيني المنهج وملتقى الشعوب في رسالة السلام والإنسانية.