22 نوفمبر، 2024 8:35 م
Search
Close this search box.

ثورة شباب العراق التشرينية

ثورة شباب العراق التشرينية

لماذا أنعتها ثورة يا ترى، مما قد لا يوافقني الكثيرون على ذلك؟ الثورة لا يجب أن تعد كذلك، بشرط نجاحها وتحقيق كامل أهدافها، كما لا يجب أن تكون الثورة مستبدلة نظاما سياسيا بآخر، بل يمكن أن يكفي أن تستبدل طبقة سياسية غير ديمقراطية وغير نزيهة بأخرى. نعم، إنها ثورة الشباب، لا ثورة الأحزاب. ثورة جيل لم يعش 14 تموز، ولا 8 شباط، ولا 17 تموز، جيل لم يشهد ثورة الخميني، ولا الحرب العراقية الإيرانية، ولا احتلال الكويت، ولا انتفاضة آذار، بل لم يشهد أكثر أفراده حتى سقوط الطاغية صدام. وكما كتب الكاتب علي وجيه، إنه جيل لم يقرأ (رأس المال)، ولا (فلسفتنا) ولا (في سبيل البعث). إنها ليست ثورة صدريين، ولا شيوعيين، ولا بعثيين، ولا أتباع مرجعية عليا، ولا مرجعية دون العليا. وذكري لمن ذكرت لا يعني أني أساوي بين كل منهم، بل عن كل منهم كلام يناسبه، فيه ما له وفيه ما عليه. من هنا يتميز حراك 2019 هذا عما سبقه عام 2011 وعام 2015، دون أن نبخس لأصحاب الحراكين السابقين حقهما، وكاتب هذه الصدور كان من المشاركين في حراك شباط 2011 في عهد نوري المالكي.

الذي حرك شباب ثورة تشرين الأول 2019 معاناتهم، وحرمانهم، من أبسط شروط العيش الكريم، من الماء والكهرباء، ومن فرص العمل، وحركهم مقتهم لحيتان الفساد وسراق المال العام، والمتاجرين بدينهم ومذهبهم ومقدساتهم، وحركهم رفضهم للنفوذ الإيراني. إنها ثورة لا تختفي وراءها أصابع من وراء الحدود، سواء الحدود الشرقية، أو الشمالية، أو الجنوبية، أو الغربية. فهي عراقية، شبابية، عفوية. وما يتعلق بعراقيتها، فمثلها عراقيين كان كل من حراك 2011 وحراك 2015، لكن للأخيرة هذه ما يميزها سابقتيها.

بالرغم أن أحداث هذا الحراك الأخير قد شدنا جميعا منذ يومه الأول، إلا أني شخصيا احترمت نفسي، ولم أسارع في الكتابة، قبل أن تتضح لي الصورة، لأن الشباب الثائرين فاجأونا وفاجأوا الجميع. هذا مع احترامي لمن سارع في الكتابة، لأنه ربما توفر لديه من الوضوح أكثر مما توفر لدي. وكتبت في اليوم الثالث مقالة لي على أحد المواقع، أعيد صياغتها الآن في اليوم الرابع، لأنشرها على موقعين آخرين، خاصة بعدما استجدت عندي معلومات إضافية هي غاية في الأهمية.

إنه لا بد من استنكار وإدانة القمع العنيف الذي راح ضحيته عشرات القتلى وأكثر من ألف جريح ومصاب، وذلك بأشد الاستنكار والإدانة، ونعزي ذوي ضحايا القمع الحكومي، ونتمنى الشفاء للجرحى والمصابين. لكن من الذي قام بعمليات القمع وإطلاق الرصاص الحي ضد المتظاهرين السلميين والعزل يا ترى؟ حسب المعلومات التي توفرت لدينا إن الذي يشرف على عمليات قمع التظاهرات هو مدير مكتب عادل عبد المهدي أبو جهاد الهاشمي من المجلس الأعلى الإسلامي والمرتبط بإيران، والذي يدير القمع ميدانيا هو المستشار العسكري لعادل عبد المهدي أبو منظر الحسيني مدير عمليات الحشد سابقا والقريب من الحرس الثوري الإيراني. أما قوة القمع الأساسية بالملابس السوداء، فهي قوات مشتركة من حماية مكتب عادل عبد المهدي وميليشيا الخراساني وعصائب أهل الحق وقو الدعم اللوجستي للحشد الشعبي وعناصر من سوات. وهناك عناصر من الحرس الثوري الإيراني متواجدة في العراق حاليا جاءت بحجة تنظيم زيارة الأربعين، لم تشارك بعد، وربما تكون لها مشاركة، إذا رأت القيادة الإيرانية المتمثلة بقاسم سليماني ضرورة لذلك.

وفيما يتعلق الأمر بشعارات حراك الشباب الثائر، فإني في الوقت الذي لا أسمح لنفسي، أن أمارس الوصاية على الثوار، ولكن ليأذن لي شبابنا الثائر، الذي أنحني له، أن أنبه إلى بعض النقاط، والتي بلا شك هناك منهم الكثيرون الملتفتون إليها، ولكن بسبب العفوية، وعدم وجود قيادة موحدة، أو على الأقل عدم وضوح هذه القيادة، إن وجدت، لي ولأمثالي، يكون من الطبيعي أن تتعدد الشعارات، ولعلها تتعارض مع بعضها البعض أحيانا بدرجة أو أخرى، وأن تنطلق شعارات عفوية فيتلقفها آخرون ويرددوها، وكأن هناك توافقا عليها. ومنها ما قد يكون توافق عليها، ومعتمدة من أكثر الشباب.

شعار إسقاط الأحزاب:
وهو نِعْمَ الشعار، لأن الأحزاب المتنفذة أو المشاركة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكاد تكون كلها تتحمل مسؤولية ما آل إليه العراق من وضع كارثي منذ نيسان 2003 وحتى يومنا هذا، وكذلك التي لا تتحمل المسؤولية، إن وجدت، لأنها لا أقل من كونها فشلت، أو هي ليست ذات تأثير يذكر.

شعار إسقاط النظام:
فرق بين العملية السياسية والنظام السياسي، فنحن لا نريد إلغاء النظام الجمهوري، لنتحول إلى نظام ملكي، ولا أن نتحول من دولة ديمقراطية إلى دولة مستبدة، ولا من الفيدرالية إلى الحكم المركزي. لكن اعتراضنا هو على الديمقراطية المشوهة، وعلى النخبة السياسية المتنفذة أو المؤثرة. الجماهير الثائرة يمكن أن تطالب بإسقاط حكومة، أو بحل لمجلس النواب، ولكن يبقى النظام قائما، حتى لو طالبنا، وهي مطالبة حقة، بإسقاط العملية السياسية القائمة.

شعار إصلاح النظام:
وهذا شعار دقيق، وقد أكدنا عليه في حراك 2011، في مقابل الأصوات العفوية التي نادت آنذاك أيضا بإسقاط النظام.

شعار تغيير النظام:
وهذا الشعار لا يختلف كثيرا عن إصلاح النظام، ويمكن أن يكون خطوة متقدمة عليه، لأن التغيير قد يعني الإصلاح الجذري والشامل، وهو المطلوب بالفعل، إذن لينادِ الثوار بالتغيير، لا بإسقاط النظام.

شعار التحول إلى النظام الرئاسي:
السلطة التشريعية والرقابية المتمثلة بمجلس النواب (وبالجمعية الوطنية في المرحلة الانتقالية) فشلت فشلا ذريعا في أداء مهامها الوطنية، في كل دوراتها الأربع، أو الخمس، إذا احتسبنا الجمعية الوطنية معها، كمرحلة تأسيسية، فبكل دوراته في (2005، 2006، 2010، 2014، 2018)، فشل مجلس النواب، لأنه متكون على الأعم الأغلب من ذات القوى السياسية المسؤولة عن الوضع الكارثي في العراق، سواء الشيعية أو السنية أو الكردية منها، باستثناء عدد قليل من النواب، لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة، أو في أقصى حد عدد أصابع اليدين، في كل دورة. ولكن فشل مجلس النواب، أو حتى سوء أدائه، ومشاركته في تحمل مسؤولية ما يعاني منه العراقيون، لا يعني وجوب التحول إلى النظام الرئاسي، كما إن التطبيق السيئ للنظام الفيدرالي، لا يعني وجوب العودة إلى النظام المركزي، فكل من النظام الرئاسي والنظام المركزي يختزنان خطورة الاستبداد، أكثر مما هو الحال مع النظام النيابي والاتحادي. فلو حققت الثورة نجاحها، وحاسبت القوى السياسية عما ارتكبته بحق العراق وشعبه، وحظرت الأحزاب المسيسة للدين، والممارسة للخطاب الطائفي، والمتاجرة بالمذهب، والمتورطة بالفساد المالي أو بأعمال العنف، ثم جرى العمل على تأسيس أحزاب بديلة، وطنية وملتزمة بمبدأ المواطنة، أي ليست شيعية ولا سنية، وملتزمة بمبدأ الفصل بين الدين والسياسة، ولم يتورط أي من قادتها لا بالفساد، ولا بالعنف، ولا بتسييس الدين، ولا الخطاب الطائفي، عندها سنكون وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح. فأرجو من المطالبين بالتحول إلى النظام الرئاسي أن يخبرونا، أي من الأنظمة الرئاسية هي نموذجهم، الأمريكي برئاسة دونالد ترامپ، أم الروسي برئاسة ڤلاديمير پوتين، أم التركي برئاسة رجب تيپ أردوغان، أو المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي. ثم ربما يتصور بعض البسطاء من المشاركين في هذا الحراك أن النظام الرئاسي يكون بدون مجلس نواب، بينما هو تماما كالنظام الديمقراطي البرلماني أو النيابي، فيه برلمان (مجلس نواب) منتخب، لكن كل ما في الموضوع، يكون رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التشريعية بدلا من رئيس مجلس الوزراء، وينتخب الرئيس من الشعب مباشرة، وليس من البرلمان، ويتمتع بسلطات أوسع مما يتمتع به رئيس الوزراء في النظام النيابي، بينما رئيس الجمهورية في النظام النيابي ذو منصب تشريفي وبصلاحيات محدودة. ولذا يختزن ذلك قدرا يقل أو يزيد من خطورة استغلال الرئيس لصلاحياته الواسعة، كما نراه في أداء رؤساء أمريكا وروسيا وتركيا ومصر. بينما الذي نحتاجه هو نظام جمهوري ديمقراطي اتحادي علماني، يعتمد مبدأ المواطنة، ولا يسمح بتأسيس أحزاب دينية أو طائفية أو عرقية، ويحظر الأحزاب المتورطة بالفساد أو العنف، كما ورد في مشروع «دستور دولة المواطنة».

http://www.nasmaa.com/PageViewer.aspx?id=9

وأخيرا من المهم أن يبقى كل من الصدريين، والشيوعيين (مع احترامي)، والحكيميين، بعيدا عن هذا الحراك، وألا يسمح للبعثيين، إن وجدوا، أن يستغلوه ويدخلوا في صفوف الشباب الثائر. أما مشاركة الصدريين حاليا، فهي مشاركة أفراد أو جماعات من التيار بقرار منهم، وليس بقرار زعيم التيار، وهم ليسوا المحركين لهذا الحراك، وإن كانوا ربما يحاولون ذلك، إلا أن هذا مرفوض من الجو العام للحراك الثوري التشريني الشبابي.

أحدث المقالات