18 ديسمبر، 2024 8:11 م

ثورة تشرين و تصحيح مسار الديمقراطية في العراق

ثورة تشرين و تصحيح مسار الديمقراطية في العراق

شكلت ثورة تشرين لحظة مفصلية في تأريخ العراق الحديث ، و لحظة أسست لبداية مرحلة وعي سياسي واجتماعي وثقافي جديد و متقدم عما سبقه ، كونها تمكنت من تحرير الوعي الجماهيري والشعبي العراقي الوطني من مخاوفه التاريخية التي أسست على الخوف من القمع ، والعنف ، والاقصاء لكل من يحاول الاحتجاج أو التمرد على أنظمة السلطة الحاكمة أو حزب السلطة ، كما وحررت الوعي الجمعي من قيود التبعية والصنمية السياسية والمذهبية والثقافية ، والانتماءات القومية والعرقية أو ما يطلق عليه ( الهويات الفرعية المصطنعة) من خلال إعادة إحياء وستنهاض الهوية الوطنية الجامعة والعابرة لحدود الانتماءات الصغيرة و الضيقة التي رسخت على مدى تاريخ العراق الحديث روح التفرقة ، والقتل على الهوية ، والتهجير ،وضعف الخدمات ، وتفشي حالة الفساد السياسي ، وغياب روح المواطنة ، والدكتاتورية الحزبية …الخ . لذا كان من الطبيعي أن تكون نواة هذه الثورة هم فئة الشباب العراقي الصاعد الذي لا يحمل أوجاع الاجيال السابقة ولم يعش مخاوفها ويختبر قسوة ظروفها وتداعياتها النفسية.. أنه جيل جديد بوعي جديد أو جيل البوبجي كما يحب ان يسميه البعض . أننا أمام مرحلة العودة إلى اعادة إحياء الهوية الوطنية وتخليصها من قضبان الفساد والمفسدين عبر بث روح المواطنة ، التي ترتكز على الإحساس بروح المسؤولية اتجاه القضايا الوطنية المصيرية والتي تمثل جذر الحياة عند الشعوب القوية وعصب وجودها وكرامتها و تحافظ على حقوقها الوطنية بالتقدم والتطور والعيش بشكل أفضل كما تعزز لديها شعور الحرص والانتماء الوطني والمواطنة الضامنه والقادرة على حماية حقوق جميع المكونات داخل بوتقة الوطن والمواطنة التي في أغلب تمثلاتها العالمية والاجتماعية تضمن درجة كبيرة من الحقوق الإنسانية والعدالة الاجتماعية للمواطن قبل غيره ، بل و ترسخ لدى جميع أفراد الشعب روح الواجب والتفاني من أجل وطن للجميع دون تميز أو تفرقه. وهو ما أعطى لثورة تشرين المباركة انعكاسا إيجابيا مهما على تجربتنا الديمقراطية الوليدة كونها عززت لدى المواطن روح المدنية والمواطنة التي تمثل اهم شروط الديمقراطية الحقة و رفض تام لثقافة العسكرة من خلال المجاميع المسلحة التابعة للأحزاب السياسية والدينية ، كما فضحت زيف وخداع الانتماءات الحزبية والمذهبية السياسية المتنفذة والمتسلطة على القرار السياسي والثقافي لشعوبها ، بل وجشع وفساد هذه الأحزاب في سرقة ثروات الشعب وحقوقه وغياب العدالة في توزع هذه الثروات وانتشار ثقافة المحاباه والرشوة وبيع المناصب وضعف الخدمات وتهميش المواطن والمواطنة مقابل تقوية روح الاستغلال وثقافة الغنيمة والطبقية الاجتماعية ولغة التخوين والاتهمات بين مختلف مكونات الشعب الواحد ، لذا كانت ثورة تشرين لحظة حاسمة ومفصلية لتصحيح مسار الديمقراطية في العراق ، حيث شكلت الرد الوطني المزلزل و الحاسم لكل من كان يراهن على تدمير العراق او يتجاهل حقوق شعبه والنيل من كرامته ، و إرادة وطنية لرفض لكل أشكال الفساد والفاسدين الذين اوغلوا في تقطيع جسد الوطن بزرع روح الكراهية والفرقة ، كما انها ضربة قوية لمشاريع التقسيم الإقليمية والدولية التي تريد تمزيق اللحمة الوطنية واضعافها لدى أبناء الوطن الواحد من خلال زرع خطاب التفرقة والتناحر وفق ثنائيات تاريخية ، دينية مسيحي/ مسلم ، ومذهبية شيعي/ سني ، وقومية كردي / عربي / تركماني ، وثقافية حزب/ قبيلة / زعيم / إيديولوجي / مقدس / مدنس . أن تحقيق الخلاص من مستنقع الفساد والتفرقة والتخوين وأصوات الانتماءات الصغيرة والغبية ، لا يتم إلا بمواجهة رموز الفساد والعنصرية والقتله وهو ما دفع الشباب لخوض غمار التحدي بصدورهم وسلميتهم وارادتهم الحرة التي لا تقهر ، لتكون الثورة الشبابية التي تكللت في ايامها الاول بشرارة انطلقت من مدن الوسط والجنوب بشعراتها المشهورة اخوان سنة وشيعة هذا الوطن من بيعه ، بروح بالدم نفديك يا عراق ، نعم نعم للعراق ، لتصل لكل مدن العراق التي عبر من خلالها الشعب العراقي عن رفضه المطلق لكل أشكال الوصاية والتبعية والتهميش للوطن والمواطن .. بعد أن اعلن الشعب العراقي اخيرا .. أن الشعب هو مصدر السلطات والمدافع الشرعي الوحيد عن حقوقه الوطنية عاش الشعب عاش العراق لقد صححتم المسار .