23 ديسمبر، 2024 12:18 ص

احيا الآلاف من شباب وشابات العراق وفي كل مدن الجنوب والوسط ذكرى انطلاق ثورة تشرين حيث خرجت الناصرية بشبابها وأهلها ليعودوا من جديد الى ساحة تجمعهم المشهورة الحبوبي التي شهدت على بطولاتهم وعزمهم امام القوات الأمنية وعنفها ضدهم، وتجمع الآلاف من طلاب مدينة الكوفة امام جامعتهم. وفي الأول من شهر تشرين هبط الآلاف الى ساحة التحرير في بغداد ليعاهدوا على استمرار الثورة والتمسك بمطالبها الوطنية المشروعة.
قبل عامين ، خرج جيل هادر ليمزق حجب التدمير والتمزيق والتخريب والتمثيل بجسد العراق، مزق حجب الكذب التي أسدلت على العراق وشعبه ليداس عليه وعلى تاريخه وجغرافيته، بصوت واحد خرج الشباب تبعهم وبسرعة اباء وامهات حضروا مع بناتهم وابنائهم ليتصدروا الخطوط الأولى من المواجهة مع القوات الحكومية والميليشيات الولائية مطالبين بأسقاط العملية السياسية وازاحة كل الأحزاب التي جاءت مع الغزو الامريكي ، ليتشكل في ساحة التحرير عراق مصغر يهتف فيه المسلم والمسيحي، العربي والكردي والتركماني بهتاف بالروح بالدم نفديك يا عراق رافعين العلم العراقي مرددين نريد وطن.
وفي بضعة أسابيع ظهرت “دولة التحرير” تحركها ديناميكية الشباب ومواهبهم الفذة التي ابدعت في كل مكان وميدان.
على مرأى ومسمع العالم وبشكل منظم قامت في ساحة التحرير حكومة من الشعب تمثلت كل شرائح الشعب العراقي ومكوناته فيها تلقائيا، اذ اجتمعت خيمة الأطباء والممرضين الى جانب خيمة الأساتذة حقوقيين وقانونين الذين تصدوا لكتابة دستور جديد بأيادي عراقية رافضين دستور “نوح فلدمان” الذي جاء به الاحتلال ليكون دستورا للعراقيين الى خيم الفنانين من الرسامين والرسامات والخطاطين الذين وضعوا فنهم لخدمة الثورة ورسالتها في عراق جديد يحلمون به ومعهم فصيل ابطال “التك توك” الذي لعب دورا تاريخيا في انقاذ جرحى التظاهرات بنقلهم الى المستشفيات لأن حكومة الخضراء منعت أي عربة اسعاف لنقل المصابين ، فيما تقدمت النساء من الأمهات وبناتهن للخطوط الامامية فوضعت النساء أسس الخيام والتمسك بالأرض ليقفن مع ابنائهن ويعطين المثل في مقارعة الأشرار وتحشيد وتقوية صفوف الرجال. بل ان الساحة كانت مختبرا للديمقراطية الحقيقية، اذ كانت قرارات التظاهر والتحرك تناقش جماعيا للخروج بإجراءات وقرارات موحدة يلتزم بها الجميع وبتنسيق كبير. اما موضوع المواطنة فكانت على رأس مطالب الثوار الذين نسفوا اول دخولهم لساحة التحرير “الطائفية” برفع نعش كتب عليه تاريخ ولادتها مع الغزو وموتها يوم اندلاع الثورة ورفضهم القاطع لدخول أي راية ما عدا راية العلم العراقي. اما المطالب العشرين التي علقها الثوار بلافتات كبيرة على المطعم التركي فكانت مطالب نوعية لبناء دولة وطنية ذات سيادة في كل مناح الحياة تبدأ بنظام الحكم وكتابة الدستور وتأسيس جيش عراقي الى ابعاد المؤسسة الدينية عن التدخل في السياسة وإلغاء المحاصصة وحل الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة.
مع دخول الثورة عامها الثالث وخروج الآلاف من الشباب في كل محافظات الجنوب لإحيائها ومعاهدة الشعب بالاستمرار على نهج الثورة في انتزاع الوطن :” بعدنا نريد وطن “، تترسخ ثورة تشرين ويرسخ ثوارها انهم روح العراق ومعدنه الأصيل وقيمه واخلاقياته الذين اعادوا الهوية العراقية وثوابتها الوطنية التي هي في صلب مشروع انهاء وتدمير العراق من قبل المحتل الأمريكي ووكيله الإيراني. لقد تقدم شبابها بصدور عارية وما زالوا يفدون الوطن ويضحون بأرواحهم في سبيل استرجاعه وتخليصه من براثن المحتلين، وسقط مئات الشهداء والآلاف الجرحى وما يزالون ولم تثبط عزيمتهم او تكل بل كان هناك المزيد من الشباب والاشبال يتقاطرون على الساحات ليقفوا في الخطوط المتقدمة مع اقرانهم او مع من هو أكبر منهم مقدمين أنفسهم للتضحية والموت. طرح المتظاهرون مشروعهم الوطني المتمثل بعشرين مطلبا لدولة مواطنة ديمقراطية حديثة. تفوق مشروع الدولة هذا سياسيا واخلاقيا على مشروع عملية الاحتلال السياسية واللادولة الساقط اجتماعيا وشعبيا منذ سنوات، أسمع الثوار ومعهم غالبية الشعب ان لا صوت يعلو فوق صوت العراق فكانت هتافاتهم مدوية تردد “غير صوتك يا وطن ما يعلى صوت”.
يسجل التاريخ اليوم أن ثورة تشرين هي أهم حدث في تاريخ العراق المعاصر رغم ان هذا التاريخ زاخر بالثورات والاحتجاجات، لأنها قامت والعراق تحت احتلال امريكي وإيراني يقوده تحالف عالمي، تحظى عمليته السياسية في الخضراء بدعم كل هذه الدول وتقدم لها كل أنواع المساعدة من اجل الاستمرار في الحكم وقمع أي محاولة وطنية وشعبية للتخلص من الوضع القائم. ورغم ذلك زعزعت روح العراق في هؤلاء الشباب الإدارة الامريكية وارعبت الحرس الإيراني واركان الخضراء وحكومتها، اذ اجبر وزير الخارجية الامريكية بومبيو على الاعتراف بمطالبها علنا واستخدمت ايران قوة قناصيها وميليشياتها التابعة لها لتسكت صوت العراق وأجبر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة ورفض مصطفى الكاظمي، فيما أصيب برلمان وأحزاب العملية السياسية بالرعب خوفا من دخول الشباب في أي لحظة للمنطقة الخضراء وإخراجهم منها. بل ان ثوار قلعة الثورة، الناصرية، ذهبوا الى ابعد، وذلك بإخراج كل الأحزاب والمسؤولين الحكوميين من المدينة وقاموا باحتلال بناية المحافظة وطرد المحافظ وتنظيفها من المسؤولين. وبدون ان تتنازل الناصرية عن مطلب التغيير الكامل والشامل للعملية السياسية التي خرج العراقيون من اجلها، وبقيت في مقدمة المدن الثائرة وخروج غالبية سكانها لإحياء الثورة، فقد استطاع ثوارها الحصول على تنازلات كثيرة من الحكومة بدءا من التعينات لأصحاب العقود في المدارس الى تعينات كبيرة في دوائر خدمات الكهرباء والماء وميزانية ضخمة لمشاريع والاهم نقل ملكيات مقرات الأحزاب للاستفادة منها في بناء دوائر ومراكز صحية وتغيير اغلب مدراء الدوائر من اشخاص متحزبين الى اشخاص مستقلين يعملون للمصلحة العامة وليس للأحزاب.
في موجة ثالثة سيخرج من جديد الآلاف ممن اجتمعوا هذه الايام وعاهدوا شهدائهم الذين سقطوا بتجديد العهد والوفاء والاستمرار السلمي في المطالبة بالحقوق والحريات العامة المشروعة للشعب وأكدوا انهم سيبقون مصدر قلق وإزعاج للأحزاب وللمحاصصة الطائفية المقيتة وأنهم سيفاجئون أحزاب الخضراء في قادم الأيام بما يمكن ان يفعله شباب العراق بحبهم للوطن واخلاصه له والتفاني والتضحية في سبيله لتوحيد الصفوف والكلمة ضد الأحزاب الفاسدة. بروح العراق هذه سيستمر العراقيون بثورتهم العظيمة المنتصرة وسيتوالى الشباب على رفع شعله العراق حتى اليوم الموعود لتحريره واستعادة ارضه بالكامل وبناء دولته الحديثة التي تليق بحضارته وطموحات شعبه في الحياة الكريمة.