ثورة تشرين … انتفاضة وعي

ثورة تشرين … انتفاضة وعي

شهد العراق في تشرين الأول 2019 موجة احتجاجات واسعة غير مسبوقة من قبل الشباب، مثلت انعطافه تاريخية في مسار الحركات الاجتماعية والسياسية الاحتجاجية بعد عام 2003، حيث تميزت هذه الثورة في بدايتها بكونها شبابية مستقلة وبعيده عن الأطر الحزبية التقليدية، وبمطالبها الإصلاحية الجوهرية التي مست جوهر النظام السياسي في العراق.

من هنا نستعرض ونحلل الأسباب البنيوية التي أدت إلى اندلاع الثورة ونتائجها المباشرة وغير المباشرة ثم مناقشة ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق، مع تسليط الضوء على مسألة المسؤولية وتشويه الثورة.

حيث ان الأسباب والعوامل التي أدت الى اندلاع الثورة تكمن في الأزمة الاقتصادية والبطالة حينما فشلت الحكومات المتعاقبة في استثمار الموارد النفطية لتحقيق تنمية اقتصادية مما أدى إلى ارتفاع نسب البطالة والفقر، لا سيما بين الشباب وكذلك عدم استثمار الموارد الغير نفطية والاعتماد فقط على واردات النفط مما جعل العراق رهينة أسعار النفط وتذبذبها في الأسواق العالمية.

وكذلك الفساد السياسي والإداري والمالي حيث احتل العراق مراتب متقدمة في مؤشرات الفساد بحسب تقارير الشفافية الدولية. حيث أدت هذه العوامل الى فقدان السيادة الوطنية وتصاعد النفوذ الخارجي في القرار السياسي العراقي، سواءً من قوى إقليمية أو دولية أضعفت الثقة الشعبية في النظام السياسي، وانتهاجه الإقصاء الاجتماعي والسياسي حيث تكرّس شعور واسع بعدم العدالة نتيجة غلبة المحاصصة الطائفية والحزبية على حساب مفهوم المواطنة بين أبناء الشعب العراقي.

وبناءً على ما سبق فأن نتائج ثورة تشرين أثمرت عن استقالة حكومة عادل عبد المهدي عام (2019) حيث شكلت هذه الاستقالة اعترافاً بقوة الضغط الشعبي وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة مصطفى الكاظمي عام (2020) والتي بدورها جاءت بوعود رئيسية أهمها محاسبة قتلة المتظاهرين وتنظيم انتخابات مبكرة، وأدى هذا الى تنامي الوعي السياسي لدى الشباب حيث برزت شعارات وطنية جامعة كسرت الإطار الطائفي الذي ساد العملية السياسية منذ عام 2003.

ومن هذا برزت تحديات كثيرة وكبيرة رغم النتائج التي حصلت فإن الأوضاع بعد تشرين اتسمت بجملة من الإخفاقات، فالإفلاتُ من العقاب لم ينتهي حيث لم يُحاسب أيُّ من المسؤولين عن قتل مئات المتظاهرين، مما عزز ثقافة عدم المساءلة في العراق، واستمرار نفوذ القوى التقليدية فلم تُحدث الانتخابات تغييراً جوهرياً، إذ بقيت الأحزاب المهيمنة ومسيطرة على البرلمان ومفاصل الدولة، مع استمرار العنف الممنهج ضد الناشطين حيث استمرت حوادث الاغتيال والاختطاف ضد الشباب الناشطين، مما قلّص من مساحة النشاط المدني وحرية الرأي والتعبير.

وخلاصة القول ان المسؤولية تتحملها النخبة السياسية الحاكمة التي فشلت في الاستجابة للإصلاح، واستخدمت أدوات الدولة والفصائل المسلحة لقمع الثورة بإسكات شبابها المحتجين سواءً بالترهيب او القتل، كما لجأت قوى متنفذة إلى خطاب يصف المتظاهرين بأنهم “مندسون” أو “عملاء” أو “أبناء سفارات”، مع توظيف الإعلام التابع للأحزاب والفصائل وجيوشهم الإلكترونية لتشويه صورة الثورة وخلق انقسامات داخل المجتمع.

ورغم القمع والتشويه، رسخت ثورة تشرين وعياً جمعياً جديداً يقوم على فكرة المواطنة العابرة للطائفية ورفض التبعية الخارجية، كما أثبتت أن الشارع العراقي قادرٌ على فرضِ معادلاتٍ جديدة، حتى وإن لم تتحقق التغييرات المرجوة.

ختاماً شكلتْ ثورة تشرين لحظة مفصلية في التاريخ العراقي الحديث، إذ أظهرت قوة الإرادة الشعبية من جهة وضعف البناء السياسي من جهة أخرى، ورغم أن الثورة لم تحقق أهدافها المباشرة في إصلاح النظام أو القضاء على الفساد، إلا أنها أحدثت تحولاً عميقاً في الوعي السياسي لدى جيلٍ كاملْ من العراقيين، وأسست لفكرة المواطنة الحقيقية لا التخندقات الطائفية، كما أظهرت أن الشعب العراقي قادرٌ على كسر حاجز الخوف، وأن النظام السياسي لن يبقى بمنأى عن المساءلة الشعبية.

رحم الله شهدائنا الأحرار …

محمد عزالدين المحمدي
العراق – بغداد
07700966591

أحدث المقالات

أحدث المقالات