16 أبريل، 2024 2:15 ص
Search
Close this search box.

ثورة تشرين الشبابية ، ترقى لقدسية حروب التحرير

Facebook
Twitter
LinkedIn

كنا – نحن من وُلِدوا في الستينيات – ننظر الى الشباب على أنهم ذوو ثقافة متواضعة ، منغمسون في ثقافة الموبايل وألعاب (البوبجي) ، كنا نرى منهم جانب النزق والطيش واللامسؤولية ، ننتقد طريقة لبسهم وتسريحات شعورهم ، لكني أعترف لكم ، أن آلاف الكتب التي قرأناها ، عن اليسار واليمين والجهات الأربع ، قد أختمرت في عقولنا ، وأثقلتلتها بالمبادئ ، لكنها لم تجد طريقها إلى اليد واللسان كشأنكم ، ولم تسلكوا الطريق الذي سلكناه دهورا ، فأختصرتموه ، وبغاية الذكاء والعنفوان ، في حراك يختلف عن باقي الحراكات ، هذه المرة وضعتم النقاط على الحروف ، وتجنبتم بغاية الفطنة ، كل الفخاخ والمصائد التي نصبت لكم ، فقد طردتم كل من دأب على ركوب موجتها وبالتالي وأدها ، بشعارات من قبيل (كلا كلا للآحزاب) ، نعم فجميعها على الإطلاق متشاركة في الجريمة ، و(كلا كلا لحكم العوائل) ، ونحن نعلم ، أن لكل منهم ميليشياته الخاصة به ، وأنها ستستقتل من أجل دوام السرقة والإبتزاز ، وأعجبني حقا شعار رفعه أحد الشباب (لا نريد وجها واحدا منهم ، وإلا سيكون كالفايروس سيفسد الباقين) ، حقا ، من العار علينا أن نسمح لنظام (أو بالأحرى اللانظام) ، هو الأفسد في تاريخ البشر ، أن يتسيد علينا طيلة هذه السنوات العجاف ، حتى وصمنا العالم بالجبن لأننا إرتضينا أن تحكمنا عصابات من القتلة واللصوص ، لكنكم قلبتم المعادلة عندما صدح صوتكم ، واسترعت جموعكم أنظار العالم ، فكسبتم عطفه وإعجابه ، فالعبرة هو بإقصاء كافة الأحزاب والتيارات والكتل ، وملاحقتها قضائيا ، كل لص ، من باع أوأشترى منصبا ، كل تابع ذليل لأي شيء إلا العراق ، كل من تلطخت يديه بدم ، كل من رفعته الرياح السوداء لمناصب لا يحلم به .
عذرا لكم أبنائي ، فأنا أقف أمامكم بخجل وتواضع ، فأنتم لم تُعايشوا مبدأ (تخنيث المجتمع) ، وهو مصطلح موجود في الموسوعات السياسية ، ذلك الذي مارسته سلطات العهود المقبورة بحقنا ، وهو أن تمارس الدولة البوليسية ، قمعا وإرهابا منقطع النظير ، ويجعل الكل يتجسس على الكل ، والنتيجة غياب أبدي في أبشع أقبية التعذيب في العالم ، ولن يسلم منه حتى الأقارب من الدرجة الثالثة ، فغُرِس الخوف أشواكا في نفوسنا عنوة ، أسلوب مارسه (ستالين) في روسيا ، و(بول بوت) في كمبوديا ، و(صدام) في بلدنا ، وحاليا في كوريا الشمالية وغيرهم ، إنه اسلوب (الحَجّاج) الذي أراد قتل أحدهم قائلا له (أنا أعلم أنك بريء ، ولكن في قتلك صلاح للأمة) ! ، عايشنا أنظمة هي تلميدة نجيبة (لميكافيللي) ، ومارست أول مبدأ له وهو ينصح السلطان (إذا لم يكن لديك أعداء ، فعليك إختراعهم ، بهذا ستُلهي رعيتك ، وسيستتب لك السلطان) ! ، هكذا تقاذفتنا حروب مجانية ، تُحرق فيها الأخلاق والأخضر واليابس ، وأنهار دماء تهرق على الأرض ، بدلا من مداد يسيل على قرطاس ، وُلدتم خارج قبر (تخنيث المجتمع) ، فشببتم لا تعرفون الخوف ، وتلقيتم الرصاص الحي ، وقنابل الغاز بصدور عارية ..
كنا نتبرم من أصحاب (التك تك) ، وطريقة قيادتهم بين السيارات ، لكن لم نعرف معدنهم حتى بان لنا على حقيقته ، لقد كانوا بغاية الإيثار والشهامة ، تخلوا عن لقمة عيشهم الوحيدة وهم الطبقة المسحوقة ، فتحولوا إلى عصب وشريان هذا الحراك المقدس ، يتنافسون فيما بينهم على الإنقاذ ، والدعم بكل أشكاله ، رغم علمنا أن هذا (التك تك) هو كل ما يملكون .
وجدت نفسي على المحك ، حينما إسأذنني ولدي للمشاركة بالتظاهرات ، وهو يردد (من العار أن لا أشارك) ، وعشت صراعا بين مشاعر الأبوّة ، والدافع الإنساني والواجب الذي أملته عليّ مئات الكتب ، لماذا نحبّ عليا ، لماذا الحُسين ، فتذكّرت كلمة السّر التي لا مساومة عليها ، إنها الحرّية ، هكذا عاد إبني عند منتصف الليل بوجه دبق من غسله (بالبيبسي) ، وعينان جاحظتان حمراوان من أثر الغازات المسيلة للدموع ، لكني كنت أنظر إليه فخورا ، ففي نظري ، هو كالمتشحط في دمه من أجل الحرية .
الرحمة لشهداء هذه الثورة الحقة
الشفاء للآلاف من الجرحى
والمجد لثورة تشرين

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب