23 ديسمبر، 2024 5:23 ص

لقد أنهت نهضة الشباب في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية عدة حواجز سياسية وموانع اجتماعية وعبرت مزالق محرمة خلال ساعات وأيام قليلة من بداية حراكها المطلبي.
أولاً: إزالة الهالة الكبرى المحاطة بفصائل الحشد الشعبي، والذي كانت فصائله تتمتع بتقدير واحترام نتيجة مقاومتهم الشجاعة والشريفة بنصرهم على داعش. حراك الشباب العفوي أنهي هذه الهالة المحيطة في وعي المجتمع الشيعي. فعندما تحولت فصائل الحشد الشعبي من مقاومة شعبية الى أحزاب وقوى سياسية أساسية في النظام، وتحولت قياداتها الميدانية إلى قيادات سياسية، ففقدوا بذلك كل تلك الهالة التي كانت تحيط بهم. فاستطاع شباب ثورة تشرين خلال يومين من محوّ صفة المقدس التي كانت تلصق بإسم الحشد (الحشد المقدس) لتقتصر تسميته الآن بأسماء فصائله (السياسية) وتحرق مقراته ويفتك بعناصره. وذلك لان قادته أصبحوا في نظر الجماهير هم مثل القيادات السياسية الباقية، تحيط بها الشكوك والتُهم من كل جانب.
ثانياً: انتهت علاقة الأحزاب الإسلامية الشيعية مع جماهيرهم الشيعية. فقد كانت العلاقة عضوية بين أحزاب الإسلام السياسي وجماهير الشيعية والتي كانت تحسب على تلك الأحزاب هي المدافعة عن المذهب الشيعي الجعفري، وأن قيادات تلك الأحزاب الإسلامية هم حماة الشيعية وهم «مختاري العصر» وقادة المذهب والطائفة في مقابل منافسيهم من المذاهب والطوائف الأخرى. فحرق مقراتهم في غالبية المحافظات الشيعية ومن قبل فئة الشباب، الذين هم عماد المستقبل، فقد فَقَدَ «إسلاميو السلطة» ليس شعبيتهم الآن ومستقبلاً فحسب، ولكن فقدوا شريعتهم في البقاء. فالحبل السري بين الأحزاب الشيعية وجماهير الشيعة وقواعدها المجتمعية قد تم قطعه، ولا مجال لإعادة اللحمة بينهم وجماهيرهم من جديد (والإستثناء هنا هو التيار الصدري طبعاً).
ثالثاً: إنهيار الخطوط الحمر حول الشخصيات التي تُعدّ من المقدسات. الجيل الجديد ليس له من رابط قوي بينه وبين الرموز الدينية والمرجعية، لأن الأحزاب الإسلامية إنشغلت بالسياسية ولم تعمل بالإرشاد الثقافي الديني كما كان قبل وصولهم للحكم. مواقف المرجعية الدينية بأن تكون على الحياد سوف يؤثر على علاقتها مع جيل الشيعية الجديد من الشباب الذين سيؤلفون الغالبية العظمى من شيعة المستقبل «القريب جداً». سوف تخسر المرجعية الدينية الشيعية عوامل تأثيرها في العراق، وعليها أن تصلح علاقتها مع جماهير الشيعة في عراق المستقبل. لا يمكن للمرجعية من أن تقف على التل، ولا بين بين، ولا أن تمسك العصا من المنتصف، وسوف لن يكون لها دور بأن تصبح الحَكَم بين الحكومة والشعب. فإن لم تكن للمرجعية وقفة مشرفة وعلنية لا رتوش فيها و «تتكلم بالخط العريض» كما كان يتكلم علي والحسين (عليهما السلام) بوضوح، لأنهم كانوا يكلمون الناس على قدر عقولهم، سوف تخسر المرجعية تواصلها مع جيل شباب العراق، وينحسر دورها تدريجياً، ويكون تأثيرها في الوضع العام للشيعة جزئياً وعلى الهامش – كما كان أثناء الدولة العثمانية.
وأخيراً: إذا أستمرت الحكومة في التعاطي مع ثورة شباب تشرين بالبعد الأمني من خلال القمع والترهيب، سوف يفقد النظام ليس شرعيته الداخلية، وإنما شرعيته الدولية. فلربما سوف يتعرض النظام السياسي للمسائلة في المحافل الدولية، لأنه دولياً، لأن الأزمة هي مطالبات جماهير محقة ضمن الدستور العراقي وضمن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. إن تزايد أعداد القتلى والجرحى قد لا يُعرّض العراق للمقاطعة الدبلوماسية والملاحقة القضائية. وما السعودية عنا ببعيد في قضية الخاشقجي. فقتل صحفي واحد في قنصلية بلده تسببت بكل هذه المواجهة الإعلامية والدبلوماسية والدولية والسمعة السيئة للحكومة السعودية. فكيف بنا وأعداد القتلى بالمئات وأعداد الجرحى بالآلاف وأمام مرآى ومسمع الإعلام العالمي. في عصر تكنولوجيا المعلومات والتواصل الإجتماعي لم ولن تستطيع الحكومة العراقية أو غيرها من إخفاء الحقائق، وأن المسؤوليين سوف تلاحقهم مسائلات المحافل والوكالات الدولية، إن شئنا أو أبينا.
ما أحدثه شباب ثورة تشرين خلال أيام أنه قد أنهى الشرعية الوطنية والشرعية الدولية للنظام السياسي في العراق، وبدون إجراءات إحتواء حقيقية مع جيل الشباب ومع الشعب وبسخاء ومرونة كبيرة، واعتراف بأخطاء سياسية، وتحمل مسؤولية من جميع السياسيين في جميع السلطات، فإننا على شفا حفرة قد يتهاوى البناء على الجميع، ولات حين مناص. (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ)