22 نوفمبر، 2024 7:50 م
Search
Close this search box.

ثورة الياسمين لا تزال حية

ثورة الياسمين لا تزال حية

اعتزل السبسي ‘رئيسا’ السياسة تاركا نداء تونس، وهو حزبه، لأهواء سياسيين هواة. وهو ما سمح لبورقيبة بحضور أكبر. اليوم يحضر بورقيبة في حياة الناس العاديين. غدا سيكون حضوره أقوى.

لا يبدو الأفق السياسي مفتوحا في تونس بما يبشر بنوع من الانفراج على المستوى الاقتصادي. ثورة الياسمين التي أدت إلى سقوط النظام السابق لم تندلع لأسباب عقائدية. كان الوضع الاقتصادي المتردي هو الذي أوقع النظام في مصيدة فساده. غير أن الحراك الشعبي الذي كان في الجزء الأكبر يساريا انتهى إلى أن يسلم القيادة إلى يمين معتدل بعد تجربة مريرة مع الإسلاميين ممثلين بحركة النهضة التي تبيّن أنها لا تملك مشروعا للحكم، بالرغم من مراسها الطويل في معارضة الحكم.

هناك خوف مستشر من أوقات صعبة، قد تدخل الحالمين بالتغيير في نفق مظلم، هو ما لم يكن يتوقع وجوده أحد من قبل. سياسيو تونس يتصرفون كما لو أنهم يملكون وقتا. في المقابل فإن الشعب الذي يرغب في الانتقال إلى مرحلة، يكون فيها قطاف الثورة ممكنا، لا يملك وقتا للانتظار في ظل شعوره بالإحباط لا بسبب سوء الأداء السياسي فقط بل وأيضا بسبب ما يمكن أن تؤدي إليه حالة التخبط من فراغ سياسي.

من المؤكد أن نتيجة ذلك الفراغ لن تكون مرضية لأحد، باستثناء الإسلاميين الذين لا تزال أعينهم ترنو إلى السلطة التي يظنون أنها فلتت من أيديهم مؤقتا وأن فشل اللاحقين سيقود الشعب إلى التفكير بالاعتذار من السابقين. غير أن ما يربك خطط الإسلاميين أن الشعب، وقد تحرر من رقابة أجهزة زين العابدين بن علي، صار مسكونا بشبح الحبيب بورقيبة. بطل الاستقلال المستعاد الذي فرض بقوة شخصيته الكثير من القوانين التي تبيّن في ما بعد أنها مكتسبات مهمة لن يتراجع عنها المجتمع المدني.

ولأن الإسلاميين لا يملكون مشروعا سوى إقامة دولة دينية، يكون الحلال والحرام محورها فإن مسعاهم الآخروي سيصطدم بحلم استعادة بورقيبة الذي تأخر التونسيون في رد الاعتبار إليه. يُقال لك هنا في تونس إن بورقيبة كان سابقا لعصره. هل كان الإسلاميون حاضرين في ذهن الرجل الذي وضع المرأة في مكانها الطبيعي، نصف المجتمع الذي يشكل كيانا اجتماعيا وثقافيا مختلفا؟

قيمة الرئيس الذي شغف بالتمثيل تكمن في عقله السياسي العابر لزمانه. لو جرت المقارنة بين خطاب بورقيبة مع خطب سواه من زعماء عصره العرب وكانوا كلهم كبارا لربحت كفته في الميزان. كان بورقيبة هو السياسي العربي الوحيد في زمانه، بل وفي الأزمنة اللاحقة، لذلك أمل التونسيون خيرا حين استسلموا إلى خيار الباجي قائد السبسي. فهو من وجهة نظرهم ما تبقى من قائدهم التاريخي.

لقد ظنوا صادقين أنهم وضعوا بلادهم بين يدين أمينتين. لم يكن ظنهم في غير محله. غير أن الرجل الذي عالج الفوضى التي سببها حكم النهضة بنداء تونس، وهو الحزب الوليد، لم يكن يملك هامشا للحركة يسمح له باستبدال السياسيين الفاسدين الهواة بمحترفي سياسة ذوي كفاءة مهنية. لم يتبع السبسي شبح بورقيبة المهيمن على قصر قرطاج في دنوه من أنفاس التونسيين بأناقة حضوره.

اعتزل السبسي “رئيسا” السياسة تاركا نداء تونس، وهو حزبه، لأهواء سياسيين هواة. وهو ما سمح لبورقيبة بحضور أقوى. اليوم يحضر بورقيبة في حياة الناس العاديين. غدا سيكون حضوره أقوى. لن يبحث أحد من سياسيي تونس عن حظه في مواجهة الزعيم. من وجهة نظري فإن تونس، التي لا تزال حريصة على تراثها في الدولة المدنية، لن تتخلى بسبب فشل سياسيين هواة عن ذلك التراث.

لا يزال المجتمع المدني قادرا على التحكم بالميزان بالرغم من أن رياح الفقر التي تهب من مدن الداخل تهدد بقلب المعادلة.

لم يفقد التونسيون أملهم في التغيير، ذلك لأن رهانهم الأخير المتمثل بإنقاذ الثورة لا يزال جاهزا. ثورة الياسمين لا تزال حية.

نقلا عن العرب

أحدث المقالات