من المؤكد ان العالم قد تغير تغييرا يكاد يكون بزاوية ميل180درجة، ففي هذا العالم لم يعد هناك مكان للطغاة والدكتاتوريات،وفي اول هذه او تلك الدكتاتوريات، الدكتاتوريات العربية التى حكمت شعوب دول المنطقة العربية لعقود قبل ازاحتها بشكل او باخر ولو ان من خلفوهم بالجلوس على كراسي الطاووس وفي القسم الاكبر منهم ان لم نقل جميعهم لم يكونوا بمستوى هدف التغيير الشعبي والذي كان وفي اساسه ولب ثورته، هو تخليق عالم خالي من الطغاة، عالم من الحرية سواء الفردية او حرية اختيار الحاكم بارادة الشعب، بالاضافة الى ما كان من تراجع، تراجعا مؤلما في الذي يخص ما كان يروم الشعب له، من العيش في بيئة صحية، يسودها الامل والحياة الافضل والثقة بالمستقبل. الشيء المهم هنا وفي عالم ثورة الاتصالات والمعلوماتية، ان عالم يحكمه او يتحكم فيه الطغاة لم يعد له وجود او ان فرصة المستبدون من الطامحين الى كراسي الحكم بالطريقة العربية القديمة، الطريقة التى في حينها، صادرت حق الناس في الاختلاف وحقهم في اختيار من يحكموهم وكذلك طريقة الحكم، وكان ما كان بنتيجة او بموجبات الانفراد بالقرار الذي يعني الشعب في الاول والاخير، والذي غيب حضوره قسرا بفعل غياب مؤسسات صناعة القرار، مؤسسات منتخبة من الناس، نقول مرة اخرى كان من نتيجتها؛ حروب عبثية في القسم الاكبر منها وكذلك ضياع فرص التنمية والتطور والذي انعكس سلبا على حياة الناس وافقرهم، ومن جراء هذا،دخل الناس في اتون العوز واختفاء الامل من حياة القسم الاكبر من الشعب بالاضافة او وفوق هذا البؤس، كانت مطارق الجلاد فوق رؤوسهم حتى وهم في اسرة نومهم، مما دفع الناس في دول المنطقة العربية الى الغضب والثورة والتى كانت وفي المبتدأ منها قبل ان يصار (بقدرة قادر؟..) على تغيير بوصلتها ليتبخر الامل ولو الى حين في العيش الكريم وفي فضاءات من الامل والرنوا بعيون مفتوحة الى افاق المستقبل. قبل اشهر انفجرا شعبا الجزائر والسودان بالغضب والثورة ضد مستبديهم وحققا الكثير على طريق الحرية والعيش الكريم. لكن عمليات الالتفاف على مسار الثورتين ما انفكت تمارس مختلف انواع الدهاء والغش والخداع وعلى اسس يراد لها او كما يروج لها ان تكون قانونية، ولكنها وفي حقيقتها هي وفي جوهر رؤيتها،ما هي إلا للي رأس الحركة الشعبية، لرؤية واقع جديد مبهر لكنه مخادع فهو استنساخ للقديم بتاطير جديد. لنترك جانبا ثورة الجزائر فهي، فيها من التعقيد والتداخل الكثير والذي ليس له في هذه السطور مكان، او انها قد سلط الضوء عليها منذ البداية، بالكثير..وعلى مدار شهور من لحظة انطلاقها. في الثورة السودانية التى اجبرت الجيش على التحرك والاطاحة بالبشير الذي حكم السودان لثلاث عقود وباغطاء اخواني وفره له المرحوم حسن الترابي، ان جميع رموز الجيش وحتى المجلس الانتقالي الاخير او بطبعته الاخيرة والذي يتزعمه عمر البرهان والمنفتح على قوى الثورة السودانية والذي نزل مجبرا على البعض من اخر مطاليبها وهي حكومة انتقالية مدنية مع الاحتفاظ بوزاتي الدفاع والداخلية، ان هذا الاحتفاظ بحد ذاته يثير الشك والريبة في نوايا المجلس الانتقالي مستقبلا، لأنه وفي هذه الحالة يكون كما كان من سبقه اي في تجربة الثورة المصرية والذي كان للجيش المصري بصرف النظر عن مأل الثورة المصرية والتى وضعت السيد محمد مرسي وبالانتخابات على راس الحكم في مصر وما نتج لاحقا من رفض له من الشارع المصري والذي كان من جراءه وضع الرئيس المنتخب وراء القضبان، بسبب عدم قدرة الاحزاب الاسلامية على ادارة الحكم بالطريقة الديمقراطية الحقة. ما كان للرئيس المصري السيد محمد السيسي ان يقوم بما قام به لو لم يكن وزيرا للدفاع وتحت تصرفه جميع عناصر القوة والتغيير. نقول مرة اخرى بصرف النظر عن مأل الثورة المصرية لجهة تحقيق اهدافها، ربما حققت اهدافها او القسم الاكبر منها، فهي وفي جميع الاحوال تختلف عن الوضع في السودان. في السودان هناك قوى الحرية والتغيير وهي التى ازاحت البشير من الحكم. قوى الحرية والتغيير تضم في صفوفها؛ تجمع المهنيين السودانيين وهم الاكاديميون والمهندسون والاطباء والمحامون وغيرهم، بالاضافة الى الاحزاب الاسلامية وهي اي الاحزاب الاسلامية لها تاثير كبير في الشارع السوداني لناحية الفعل والتاثير والولاء الشعبي لهذه الاحزاب. من الجهة الثانية ان تجمع المهنيين السودانيين مع ان ما يصدر عنهم او خطابهم، يسوقهم على انهم مستقلون، لكن الحقيقة وكما يشير اغلب الباحثين في الشأن السوداني؛ ان اغلبهم ينتمون الى احزاب سودانية، تترواح بين القومية واليسار، الحزب الشيوعي السوداني له في هذا التجمع، الوجود والتاثير الاكبر. السؤال الجوهري والمهم هنا، هل بالامكان توحيد الخطاب اي خطاب قوى الحرية والتغيير سواء في صياغة الدستور والمرحلة الانتقالية او حين االدخول في الانتخابات، هنا، لايمكن باي حال من الاحوال الاجابة على هذا السؤال، لكن وفي ذات الوقت ان هذا السؤال يبعث على القلق في الذي يخص المستقبل السوداني وفي تركيبة المجلس الانتقالي واتصالات اغلب رمزه القيادية وعلاقاتهم بالسعودية والامارات وحتى الامريكان، وهي اتصالات تثير الشك.السعودية والامارات باركت المجلس الانتقالي. الامريكيون ايدوا اجراءات المجلس الانتقالي.. الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الانتقالي؛ صرح ثناء كتابة هذه السطور المتواضعة؛ ان لدينا اتصالات مع الامريكان والترويكا الاوربية والمجموعة الاوربية والسعودية والامارات وقطر والبحرين والى اخره..الخشية هنا على تحجيم ثورة الشعب السوداني وحرف مسارها لاحقا بانتخابات هي الاخرى تثير الشك، والاتيان بما لايخدم مصالح وطموحات الشعب السوداني بحياة حرة وكريمة في الواقع والحقيقة وليس عملية مفبركة، تعيد انتاج الطغاة في فضاءات ديمقراطية غير حقيقية، يجري اللعب في نتائجها او في طريقة ادارتها عن طريق الاعلام والترويج او عن اي طريق اخر، يحرف المسارات الديمقراطية بما يفرغها من محتواها الحقيقي وصدقها لناحية التغيير الجدي والحاسم نحو حياة افضل، يرفرف في اجواءها الامل والتوق بثقة الى المستقبل..لبلد كالسودان الذي رزح تحت الفقر ولعقود على الرغم من وفرة المياه والمساحة الصالحة للزارعة والمترامية الاطراف والذي يطل على البحر الاحمر، هذا البحر الذي يشكل الممر الملاحي الدولي المهم في دول المنطقة العربية والذي سوف يدخل او يرومون الامريكيون والاخليجيون والاسرائيليون، ادخاله في المشاريع الكبرى او ادخال تلك المشاريع، على ضفافه او في مياه او على مقربة منه. في الخلاصة ورغم كل شيء، نقول ان عهد الطغاة قد انتهى ولا رجعة له، سواء باذرع العسكر او بغيره. ومهما تكون النتائج وفي المطاف الاخير حتى وان اخذ هذا التحَول زمنا ما، طال ام قصر فان شعوب العرب سوف لامحال تمسك مصائرها بعقولها وبجهودها..لأن، وببساطة، ان حجب الحقائق لم يعد ممكنا في عالم اليوم، فكيف به في عالم الغد..