22 ديسمبر، 2024 9:17 ص

ثورة الشباب .. ومخاطر (خيانة المثقفين) ..!!

ثورة الشباب .. ومخاطر (خيانة المثقفين) ..!!

أهم إنجاز في تأريخ ثورة الشباب في العراق ، أنهم أعادوا لنا شحن معالم ( الوطنية العراقية) بكل صورها، ورفضوا أن يبقى العراق ، وهو يرتهن بارادات خارجية، كانت تهيمن على مقدرات بلدهم، وهي الآن تريد الانتقال بـ (حالة الولاء) للأجنبي الى (الولاء للوطن)، واعتبار العراق أولا وثانيا وعاشرا ، هو فوق كل الولاءات ، ولا (بديل) لهم عن الوطن (العراق)!!

أجل، كان هؤلاء الشباب يظنون أن الوطن قد سرق منهم، وانهم لن يجدوا بقعة أرض توفر لهم العيش الآمن الكريم، ولهذا كان جل اهتمامهم ينصب الى إعادة (الوطن) الى أحضان العراق!!

كان الحال ، حتى الى ما قبل أشهر ربما ، من يتهم إيران بأنها هي من تتحكم برقاب العراقيين ، يعدونه خارجا عن القانون ، إن لم يصل بصاحبه ربما الى الإعدام ، أما الآن فيظهر أمامك آلاف الشبان وحتى من عامة الشعب الناقم ،وهم يصبون جام غضبهم على إيران وعلى حكامها ،او من ارتضى ان يكون بوقا لاحد دول الجوار الاخرى، ومن تورط بـ (العمالة) لهم او كان أداة طيعة ، وهم يعدون هؤلاء الآن سببا في خراب بيوت العراقيين وهم من سهلوا على ايران أن تسلطت على مقدراتهم وحولت كثيرين منهم الى تابعين أذلاء ، نهبوا خيرات بلدهم، وأذلوا شعبهم واذاقوه مر الهوان، إرضاء لرغبات الحاكمين في إيران، وراح الشباب الثائر يعد من يرتمي في أحضان إيران، واحضان دول الجوار الاخرى ، بأن الشعب العراقي بريء منه، وهو لايشرفه أن ينتمي للعراق العظيم شعبا وتاريخا وحضارة ومقدسات!!

وبرغم الهيجان الشعبي وعدم انتظام أشكال السلوك في أغلب ثورات الشعوب ، ومنها الثورة الشبابية الحالية في العراق ، الا ان هناك من يطلق عليهم ” النخب المثقفة” من ذوي التاريخ العريق والسمعة الطيبة، هم من تقع عليهم مسؤولية توجيه حراكهم ، بإتجاه وضع أطر نظرية وعملية لما يمكن أن نسميه بـ (خارطة الطريق) ، لكيفية خروج العراق من نفقه المظلم ، بما يلبي حاجات الجمهور الثائر، بل الناقم والساخط على سلطة الحكم الجائرة وهيمنتها على مقدرات الشعب طوال 16 عاما ، ومحاولة الاقتراب من مطالب الجمع الشعبي المتعدد الانتماءات والتوجهات والأهداف، لكن الرابط الاكثر إنسجاما مع توجهاتهم المشتركة هو (وحدة الوطن) ، ويعدونها ربما الهدف المقدس الذي يسمو فوق كل الاديان والمذاهب والاكثريات والاقليات ، بل وتسمو حتى على المطالب والتوجهات والأهداف الآنية!!

هؤلاء الشباب ، كفروا بالاحزاب العراقية ، كلها، وبلا استثناء، ويعدونها ، أنها كانت سببا في كل الذي تعرض له العراقيون من خيبات الأمل، ومن عدم حصول كل تلك الجموع على حقوقها المشروعة في الحياة، في أن تجد وطنا يحنو عليهم ويخلصهم من محنة التشرد والفقر والحرمان، وقد حولتهم تلك الاحوال القاسية الى جموع ناقمة ثائرة ما ان تفجر غضبها الشعبي حتى زخفت بجموعها الثائرة، لتشكل رافد التغيير المنشود، نحو الغد الأفضل، وها هي شمس العراق وقد بدأ وهجهها يشرق من جديد، وانبزغ فجر أمل عراقي، بعد ان نفض العراقيون غبار الضيم، وقد توحدت ارادة كل تلك الجموع الثائرة تحت هدف واحد هو ( وحدة العراق)!!

أغلب هؤلاء الشباب الذين شاركوا في تظاهرات العراق الحالية ، لاتربطهم بالسياسة ولا بالسياسيين أية صلة ، لا من قريب أو بعيد، بل هم كانوا من الناقمين على كل التوجهات السياسية وبخاصة الدينية والطائفية منها، حتى كفروا بها، وعدوا وجودها نقمة غضب آلهي ربما، بعدما عاثت تلك الاحزاب بمقدرات بلدهم خرابا ودمارا، ونهبت خيراتهم بلدهم وجرى تسليمها للأغراب، تحت حراب جماعاتهم المسلحة، وتركوا بني جلدتهم يأنون تحت نير الظلم والفاقة والحرمان، وكل صور الاذلال والمهانة ، وخراب الأوطان!!

لكن ما ينبغي أن يحذر منه الشباب الثائر هو ان لايترك مقدرات الأمور للنخب المثقفة أو من المحسوبين عليها، لكي تحاول استغلال الظروف لصالحها، وهم من يحصلون على المكاسب في نهاية المطاف، وهم قد يعودون الى ديارهم وقد سرقت ثورتهم من جديد!!

ونود أن نذكر هؤلاء الشباب ، بأنه حتى في الثورة الفرنسية 1789 – 1799، حاولت بعض نخب المثقفين في سنوات لاحقة بفرنسا ،استغلال الظروف أنذاك لركوب موجة التظاهرات المطالبة بالحرية والتعددية السياسية ، وشن المفكر الفرنسي (جوليان باندا ) سنة 1927 حملة شعواء ضد النخب المثقفة أنذاك واتهمهم بالخيانة ، ووكشف عن ان الكثير منهم كان قد تآمر مع السلطة وتعامل معها ، وقد أغروه بالكراسي والمغانم ، من أجل تحقيق مآربه الشخصية ، على حساب ثورة البسطاء ، الذين تحملوا مشعل الثورة وكانوا دمائها التي نزفت من أجل الكرامة ، وهم الذين كانوا مادة كل ثورة، لكنهم في الأخير خرجوا ( مولدا بلا حمص) كما يقال، وهم لم يجنوا من ثوراتهم، سوى خيبات الأمل!!

وينبغي ان يدرك الشباب الثائر أن هناك من بين بعض النخب المثقفة ، ومن (المندسين) من السياسيين معهم، من هو (إنتهازي) ، لايهمه مستقبل الوطن، والمهم أن يجد أن الفرصة سانحة له لأن يتحدث بإسم هؤلاء الشباب، ليتفاوض بالنيابة عنهم ، وهناك من بين تلك الجموع من ليس له دراية بدهاليز السياسة أو ألاعيبها، برغم ان الكثيرين منهم (مفتحون في اللبن) كما يقال في المثل العراقي، إلا أن عليهم ان يكونوا هم المشاركون في صياغة القرارات المهمة، ولهم دور في رسم معالم خارطة الطريق ، بما تعود على جميع العراقيين وطبقاته المسحوقة بالخير والرفاهية ، ويعيش العراقيون بأمن وطمأنينة وسلام، ولكي لايسرق الآخرون ثورتهم التي عمدوها بالدماء ، وفي الاخير يأتي آخرون ويسرقون ثمارها منهم، ولكي لاينطبق عليهم المثل المعروف : ” لاحظت برجيلها ولا أخذت سيد علي” للدلالة على أنهم ضيعوا المشيتين كما يقال..!!

ولكن هؤلاء الثوار ، وقد جربوا كل الاحابيل والفتن والمؤامرات، ودسائس الساسة، سوف لن يتركوا الحبل على الغارب، ويسلموا مقدراتهم لمن يحاول خداعهم او تضليلهم أو تآمر من خلف ستار، بالتعاون مع قوى سياسية وحيتان فساد ، خبروا أساليب إفساد البشر وسلوك الطرق الملتوية ، التي يهدفون من ورائها الى اعادة مساراتهم من جديد، تحت عناوين ومسميات أخرى، وهم لديهم القدرة على ( صبغ واجهاتهم) بمختلف الألوان للظهور من جديد، لكن ارادة الثائرين من الشباب مصممة بعون الله على اقتلاع جذور العمالة للآخر والأنانية والمصلحية ، ووضع مصلحة الوطن وأهداف الشعب في التحرر من ربق العبودية والاستغلال والتآمر فوق كل إعتبار!!

مبروك لكم أيها الشباب الثائر وهجكم وتطلعكم نحو صنع عراق جديد ، فأنتم أمل الملايين المحرومة في أن تعيدوا الإعتبار لكرامتها المهدورة، بعد إن عمدتم سفينة الحرية بدمائكم ، ورفعتم راية العراق ترفرف شامخة في علياء السماء، تبارككم كل شعوب الأرض، وتشيد بوقفتكم البطولية وصبركم وجلدكم وقد أرغمتم المتجبرين على أن يرضخوا لإرادتكم ، مكرهين ..وانتم من تعلق عليكم الآمال في أن تقودوا سفينة العراق المضطربة ، بعون الله ، لكي تعيدونها ، الى شاطيء الأمان!!