ثورة الجِياع وتهديدات الصدر!
يُطلق مصطلح “الثورة” على الفعل الشعبيّ المنظّم وغير المنظّم الهادف لتغيير الحالة السلبيّة القائمة في مكان ما؛ وذلك بعد وصول العلاقة بين النظام والشعب لمرحلة اشتداد الغضب الشعبيّ والانفجار.
وتَتردّد في العراق منذ 15 سنة جملة من الاستفسارات العجيبة والغريبة، وربّما من أبرزها:
هل النظام القائم بعيد عن الثورة الشعبيّة الكاملة كونه يستند على الدعم الدوليّ والسلاح المنفلت في الداخل، أم أنّ الثورة الشعبية القَالِعة قريبة ومُمكِنة؟
لا شكّ أنّ العمليّة السياسيّة القائمة منذ العام 2005 لم تنجح في بسط شخصيّتها على الشارع العراقيّ، ولهذا فإنّ اللَبس والغموض والخيبة تلفّ عموم مؤسّسات البلاد، وبالذات في الجوانب الحسّاسة، وفي مقدّمتها السياسة والاقتصاد، وملفّات تدني قوت الناس وانتشار الفقر والبطالة!
وقد أكّدت وزارة العمل نهاية شهر أيّار/ مايو 2022 أنَّ ما يقرب من 11 مليون مواطن يعيشون تحت خطّ الفقر، ولا يملكون مصدراً حقيقياً وثابتاً للدخل، ممّا يجعلهم عُرضة لضغوطات معاشيّة تُنمّي ظاهرة العنف الأسري والمجتمعيّ!
وتأتي إحصائيات الفقر والجوع المُذهلة مع توقّع وزارة الماليّة ارتفاع احتياطيات العراق النقديّة لأكثر من 90 مليار دولار نهاية العام 2022، فيما بلغت الإيرادات النفطيّة أكثر من 11 مليار دولار خلال شهر أيّار/ مايو الماضي!
وحتّى اليوم لا أحد يَعرف مصير الألف مليار دولار، والتي قال رئيس الجمهوريّة برهم صالح، قبل عام تقريبا، بأنّ العراق خسرها بسبب الفساد منذ العام 2003!
وهذه المليارات العائِمة والهائِمة والمنهُوبة لا أحد يعلم كيف تُصْرف أو كيف نُهِبت!
ويمكننا الإشارة لبعض دوافع ثورة الجِياع المتوقّعة:
– تناحر القوى السياسيّة وغياب الاستقرار السياسيّ والأمنيّ.
– عدم نضوج منظومات بناء مؤسّسات الدولة.
– فقدان البرامج الاقتصاديّة الحكوميّة لمعالجة تفشّي البطالة، وتوقّف غالبيّة المصانع العامّة والخاصّة.
– عدم معرفة أكثر الساسة بالواقع المرير للفقراء لأنّهم منشغلون بعوالمهم الخاصّة!
وتؤكّد هذه الأسباب وغيرها غياب العدالة الاجتماعيّة والقانون الناظم لحياة الناس. والعدالة الاجتماعيّة تكون بحياديّة الدولة، وفتح الفرص أمام عموم المواطنين لينطلقوا من خطّ واحد يكون فيه الجميع سواسية أمام الحكومة والقانون!
ولا يقف مفهوم العدالة عند حدود القضاء فقط، بل هي كلمة عامّة لكلّ ما يتعلّق بحياة الناس، وتشمل تقليل الفوارق الطبقيّة المجتمعيّة، والعدل في توزيع الثروات عبر منظومة مَدْروسة من حيث سُلّم الرواتب وحقوق الموظّفين والعاطلين والعاجزين والمهجّرين وبقيّة الفئات المجتمعيّة!
ويتزامن هذا الانغلاق الاقتصاديّ مع الانسداد السياسيّ المتنامي منذ ثمانية أشهر، والذي انعكس على قوت الناس وأسباب معيشتهم، وتَسبّب بعدم إقرار موازنة العام 2022، ولهذا تمكنت الكتل البرلمانيّة، الأربعاء الماضي، من إقرار قانون الأمن الغذائيّ (كبديل للموازنة الغائبة) الذي رفضته المحكمة الاتّحاديّة منتصف أيّار/ مايو 2022، بعد أن قدّمته حكومة مصطفى الكاظمي كونها حكومة تصريف أعمال يوميّة!
وقد اعتبر بعض النوّاب القرار بأنّه خيانة، وسرقة لأموال الفقراء، وبأنّ المحكمة الاتّحاديّة سترفضه ثانية!
والحقيقة فإنّ المسألة لا تتعلّق بقانوني الموازنة أو الأمن الغذائيّ، بل ينبغي العمل على:
– إيجاد سياسات اقتصاديّة فاعلة ومدروسة.
– مُعالجة الاقتراض الداخليّ والخارجيّ.
– تحقيق العدل الاجتماعيّ ودعم الفقراء.
– تسديد المستحقّات الماليّة للفلّاحين والعقود والأجور اليوميّة وبأثر رجعيّ للسنوات الماضية.
– تأمين الخزين الاستراتيجيّ للسلّة الغذائيّة.
هذه الخطوات وغيرها يمكنها توفير حياة كريمة للمواطنين، ولهذا تبقى الأسئلة المُحيّرة الكبرى:
– مَنْ سيوفّر رغيف الخبز للفقراء؟
– مَنْ سيوفّر حبّة الدواء للمرضى؟
– مَنْ سيوفّر السقف الآمن للمشرّدين؟
– مَنْ سيوفّر فرص العمل للعاطلين؟
وقد تنامت خلال الأسبوع الحاليّ، أيضاً بعد ساعات من إقرار قانون الأمن الغذائيّ، المظاهرات الشعبيّة القاطِعة للطرق بين غالبيّة المدن من قبل مئات العاطلين والفقراء!
لقد صار العراق قاب قوسين أو أدنى من انطلاق شرارة ثورة الجِياع التي ستكون ثورة عميقة لا تقتنع بتوفير الكهرباء والخدمات؛ لأنّ جماهيرها وصلوا لمرحلة الانفجار!
إنّ ثورة الجِياع المقبلة ستشتعل من أحياء الفقراء والأرياف لأنّ أحوالهم وصلت لمراحل قاسية من الفقر والعوز، وغالبيّة سكّانها يُصارعون الحياة كما يُصارع المريض الموت، وذلك لصعوبة العيش وهشاشة فرص العمل وسُقم موارد الحياة الآمنة!
وقد تكون فاتورة ثورة الجياع باهظة للغاية، وستحاول بعض القوى ركوب موجتها، والمتوقّع أنّ سياسة التلاعب بالجماهير بخطابات تخديرّية لا يمكنها أن تنطلي على جماهير الثورة مجدداً!
لقد أصبحنا اليوم قريبين حقا من ثورة الجِياع، وبالذات بعد تهديدات مقتدى الصدر بالخروج من العمليّة السياسيّة في خطابه المفاجئ يوم أمس الخميس!
وقد تهدف تهديدات الصدر لتحقيق مكاسب سياسيّة لتيّاره، وقد تكون شرارة لثورة الجِياع المقبلة، وبالذات بعد أن انتشرت مطبوعات جنوبيّ العراق (ومجهولة المصدر) تقول: “موعدنا يوم 13 حزيران/ يونيو القادم”، وأظنّ أنّ هذا اليوم هو يوم الفصل بين مرحلة ثورة الجِياع واللا ثورة!
إنّ رغيف الخبز المعجون بالدم والذلّ والانكسار لا يمكن أن يَسدّ جَوْعَة الفقراء والمحتاجين!
حافظوا على كرامة الناس، واحذروا ثورة الجِياع!