مقولة الامام علي ( ع ) رجل الحكمة والبلاغة ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) والمقولة الشائعة ( قطع الاعناق ولا قطع الارزاق ) هي من يرددها اليوم ملايين العراقيين ومئات الالاف من الجياع وجيوش الخريجين والعاطلين عن العمل ممن أوصلتهم الحكومات المتعاقبة الى الهلاك والدمار وأضاعت مستقبلهم ولم يبق لوجودهم الآدمي من معنى، ولا قيمة!!
لقد حذر بعض الفلاسفة والمفكرين الكبار منذ أزمان بعيدة من ان يستغل الدين ليتحول الى آفة وآسفين لتخدير عقول البشر والسيطرة عليها، ومن ثم تكبيل أياديهم وعقولهم، لكي يبقوا خاضعين للحاكم المستبد ، يختلق لهم المعارك الوهمية ويجرهم الى الويلات والحروب لمجرد ارضاء نزعاته للسيطرة على كرسي الحكم وامتلاك الثروة والجاه، حتى وان ذهب شعبه الى الجحيم!!
وما حدث في العراق بعد عام 2003 هو ما ينطبق على النظام السياسي الحالي الذي استغل سياسيوه الدين بأبشع صوره للضحك على عقول البشر والاستهانة بهم ، ولم يوفروا لهم الحد الادنى من الكرامة، وأصبحت لقمة عيشهم مهددة، ان لم تكن هذه اللقمة قد فقدت اصلا ، وبقي عشرات الالاف من العراقيين بلا مأوى ولا رغيف خبز يقيهم من الموت ولا يرون في الافق بصيص أمل من بقية حرية تحفظ لهم كرامتهم أمام مجتمعات الأرض!
وامام كل هذا لم يتبق امام الشباب الثائر الساخط والناقم على حكامه والقائمين على شؤون بلده الا ان يثور ويفجر براكين الغضب عليهم لكي يزلزل ساحاتهم ويؤكد لهم ان للصبر حدود!!
وأمام تردد رئيس الوزراء حيدر العبادي وعدم اتخاذه خطوة جريئة حتى الان مما اعلن من اصلاحات بدت وكانها لاتغني عن جوع ولا تسمن كما يقال ، فقد وضعته هذه الحالة من التراخي والتباطؤ أمام مواجهة ثورة شعبية عارمة ، ووجد نفسه كذلك في مواجهة حيتان لم ترتو من الطمع والجشع والسيطرة على ثروات العراقيين ونهبها ، اضافة الى مواجهة غول آخر وهو والجماعات المسلحة التي هي من تفرض سطوتها على نظام الحكم ، وهي من تضع الدواليب بوجه اصلاحاته ، وهو يبدو لاحول له ولا قوة، بل ليس بمقدرره بعد ان استفحل الوضع عليه أن يحل رجل دجاجة!!
وأمام ضغط الشارع العراقي الذي تتقاذفه أمواج شتى يكون من الصعب على العبادي ان يلبي طموحات أقل من تلك المطالب، فكيف اذا كان يواجه ثورة شعبية إمتد لهيبها الى كل اصقاع العراق، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان الوقوف بوجهها او حتى تحقيق الحد الأدنى من مطالبها، كما ان محاولات الرجل بدت متواضعة وخجولة، وليس بمقدورها ان ترضي طموح حتى الاطفال الصغار الذين هالهم ان يروا محنة بلدهم ، وقد وصلت الى حال لايحسد عليه!!
لقد وصلت اوضاع العراق حدا لايمكن السيطرة عليه بأي حال من الأحوال، فالثورة التي تستعر داخل أفئدة الملايين لاتجد من يلبي بعض مطالبها، وهي تعد خطوات الاصلاح هامشية وترقيعية ولا تروي عطش بضع عشرات من العراقيين فكيف حال الملايين العطشى والجياع الذي تغص بهم أرض العراق، وقد انتهكت كراماتهم وشاع الفقر والفساد والرذيلة بدرجات مخيفة، لم يعد امام ملايين العراقيين الا ان يضعوا حدا لكل هذا التعدي على الكرامات واستلاب ارادة البشر وتعريض مستقبلهم لمخاطر الفناء!!
العراقيون يريدون هذه المرة رجلا يرتقي الى آمالهم وآلامهم وأحلامهم المشروعة ، ويضع حدا لكل هذا التعدي على كراماتهم، ويساوي بين أطيافهم ويعاملهم كشعب واحد له نفس الاهداف والتوجهات والآمال، وان من يستطيع تحقيق المطالب التي يرفعونها، سيكون هو الفارس المرتجى والقائد الذي تعول عليه الملايين وهو المنقذ لها من عهود الضلالة والفساد والفجور الى زمن تحترم فيه كرامة العراقيين، وتقتلع فيه رؤوس الفساد والطغيان والرذيلة ، ويعيد لهم بعض آمالهم في أن يروا بلدهم وقد أشرقت شمس الحرية والكرامة من جديد!!