تتلكأ الحروف والمعاني، ويتشتت الفكر ولا يصمد؛ أمام عملاق تعبيره في ملحمة عاشوراء، فأي كلمات تكفي لوصف التألق في صراع الإنسانية الأزلي بين منهج العطاء والأخذ، منهج يقول أتباعه كم مرة نقتل لنعود للقتال، وآخر يقول كم تدفع لنقاتل؛ والحسين يعني الشموخ والقمة في العطاء وسبيل إنتصار الدم على السيف، وتجسيد لكل فضائل التضحية والشموخ والإباء والكرامة والنُبل والصبر، ويحق للإنسانية الإنحناء أمام العطاء الكبير، ومنه تتعلم الشعوب الحرية والمجد.تجاوزت عاشوراء الزمان والمكان، ولا يمكن فصل أحداثها عن الحاضر والمستقبل؛ حيث العطاء يمتد متجذراً لمشروع حياة؛ يبدأ بمصير الشهادة الحتمي.
يعطي المنهج الحسيني عزيمة وإرادة وقوة، وشروحات ملامح مشروع التغيير ومحاربة الفساد والإنحراف، وقائده قمة الخلود والسمو والرفعة، ولم ينفصل عن التاريخ بتغيّر الزمان والمكان، ورمزاً لصناعة حياة كريمة، وعظيم بين أمته والأمم وكبير بإنسانيته بين الناس؛ جسد البطولة بشجاعة التصدي وحمل مشعل ينير دروب الحرية، وخالد حين تذكر قمة الخلود.
قدم الأمام الحسين عليه السلام؛ رسالة سماوية حية؛ ترسخ المباديء والعقيدة، وحمل الراية المحمدية الأصيلة؛ بمنهج الإشراق والإستشراف والتشريف، وأطلق سمو الأرواح وتألقها وكسر القيود المنغلقة والسلوكيات المنحرفة، وأدار عمق المشروع الإلهي في الأرض بتضحية ذات مقومات إستمرارية ومنهجية، فكسر القيود للإنطلاق في رحابه، ونظف العقول من طلاء الزيف والنزوير والتزويق، وفاض عطاء ودروس وفتح الأبواب للتحرر، وأعطى للثوار طريقاً معبد بالتضحية، وإختزل بثورته كل الثورات على مر العصور، وحمل آهات الثائرين بقوة المنطق، فقاتل بالحق وقاتلوه بقوة السلاح والعدد والمال، وأن يعتقدون أن شهادته نصراً لهم؛ فنصره أبدياً.
إن المشروع الحسيني ليس مجرد دموع وبكاء؛ بل أن البكاء زيتاً يزيد التوقد والإندفاع والإيمان بالمباديء والسعي للتحرر، ومشعل لإنارة طريق يدلنا على الكرامة الضائعة بيد الطغاة، وإرادة صمود تبعد عن الذل والهوان والإستسلام، وما تهميش المسلمين والتجاوز عليهم؛ لأن التاريخ ينقصه في مواضع كثيرة العجز عن فهم وإستيعاب عظمة عاشوراء ومشروعها، ومعظم المسلمين مروا على ذكراه مرور العابر لا المعتبر، ولم يدركوا أن المستقبل يرتبط بفهمهم لعظمة المنهج.إنتصر الأمام الحسين بفئة قليلة بعطاء كبير، وخسر أعداءه بكثرتهم وكثرة سلبهم، وإنتصر العطاء على الأخذ، وتخلدت التضحية وإنكسرت الأطماع الآنية.
تصدى الحسين للزيف والإنحراف المهين للشعوب المسلمة، وتجاوز العوائق التشويه وسوء الفهم التي وقفت بالضد من تطور أمة إسلامية؛ أراد إزالة التناقضات والإنطلاق للعالمية بأبطالها الحقيقين، وبدأ بمحاربة التطرف والكفر بين المسلمين، ولم يثور على الأجانب والليبرالين واليسارين، وأعداءه يلبسون العمائم ويصلون زوراً، ويجاهرون بالفسوق والقتل، وفي عصرنا كأن الحسين يتجدد ويواجه قمة التطرف والإنحراف، والشعوب المسلمة تعيش الإختبار، وعليهم تحديد مستقبلهم وموقعهم بين الشعوب، ومتى ما عرفوا ثورة الأمام الحسين وإنتهجوا نهجه ووقفوا بإحترام لتضحياته؛ عندها سيقف العالم بإحترام للإسلام والمسلمين، وإذا كانت ثورة الحسين ثورة تتعلم من تضحيتها شعوب المعمورة؛ فالأولى بالمسلمين أول من يفهم منهج ثورة الثورات وأهدافها.