في هذه الأيام نسمع ونقرأ كلاماً صاخباً من قبل برلمانيين ومن قادة السياسة العراقية الجديدة . نسمع ونقرأ استخدام كلمات ومصطلحات لا معنى لها، أو يقولها قائلوها في غير مكانها. ظهرت، وتظهر في كل ساعة، تلك المصطلحات والكلمات للتستر على الطائفية السياسية، التي انتشرت في صفوف (الدولة) و(الحكومة) و(البرلمان) من قبل أحزاب الإسلام السياسي مؤيدين من فلاسفة الإحتلال الامريكي وصناع نتائجه من أمثال الرباعي ،جي كارنر وبول بريمر وخليل زاد والاخضر الابراهيمي.
منذ يوم الأحتلال في 9 نيسان 2003 نجد أن الفكر السياسي أفرز الكثير من مشاهد (الكوميديا السياسية) في بلادنا حول وضع الإنسان في مجتمعنا المضطهد.
لا يوجد تنسيق ولا ارتباط بين ما يحدث من أشياء وتحولات في داخل المجتمع العراقي.. بمعنى أن (الفوضى الخلاّقة) غدت الظاهرة الاولى ذات المقدرة على الإستمرارية، التي كشفت لنا حقيقة العقل السياسي العراقي. كما كشفت عن ظواهر كوميدية وتراجيدية ،فيها تمثلات وأفكار لا يمكن وصفها إلاّ بــ(الجهل السياسي).
بعضهم يستخدم كلمة (السلطة) بدلاً من (الدولة) مرة، وبدلاً من (القانون) في مرة ثانية، وبدلاً من (المؤسسة) في مرة ثالثة.. وهو لا يعرف المعنى الحقيقي لكل كلمة من هذه الكلمات. لا يعرف معنى (الإنسان السياسي) وخصوصيته وحجمه ،لا يعرف معنى (الإنسان المدني) ولا موضوعية تفكيره وحجمه في المجتمع.
كثيرون لا يميزون الفرق بين الحاكم والمحكوم.. لا يميزون بين اصحاب السلطة الخفية واصحاب السلطة العلنية.. لا يميزون بين تشريع القانون وقهر فرضه على المجتمع.. لا يميزون بين الإلزام السياسي والإلتزام السياسي.. لا يميزون بين القهر البوليسي المنظم والإكراه القانوني المحتم ..
لا يميزون بين السيادة والتبعية،
لا يعرفون ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. لا يعرفون، أصلاً، أسس وحقيقة العلاقة بين قيصر والله.
أشكال متنوعة ومختلفة من المصطلحات تقال في تصريحات التلفزيون وتحت قبة البرلمان، أو في دواوين الوزراء، لا معنى لها ، مصحوبة بانتهاكات دستورية في زمان ومكان العطاء السياسي.
تصاحب تلك الأقوال، في العادة، تحركات مسئولين في الدولة وفي قيادتها لا تحمل غير السطحية الصبيانية، الأكثر ظهوراً على شاشة التلفزيون، من قبل مقدمي البرامج ومن قبل ضيوفهم من الكاشخين والكاشخات.
فترة مخيفة من الأمية الثقافية تمر، الأن، على سياسيينا. بنفس الوقت تمر الأمية السياسية على مثقفينا، حتى صار الكثير من المثقفين والسياسيين لا يميزون الأدوار المرسومة بين (المسلمين) و(الإسلاميين) بين (الاخوان المسلمين) و (الاخوان الوهّابيين) بين (الجرذان السوداء ) السامة وبين (العناكب الداعشية) المسمومة، بين ميليشيا ملثمة ومافيا النهب والسلب مكشوفة.
صار المثقفون السياسيون والسياسيون المثقفون لا يميزون بين (الخيالي) وا(لافتراضي). كما أصبحنا نسمع ونقرأ منذ جلسة البرلمان العراقي السياسية – الثقافية يوم 14 نيسان 2016 حيث انطلقت أوزان كلمات ومصطلحات جديدة أعقبت معركة ( قناني المياه) التاريخية، المتقاذفة من صوبٍ لصوبٍ على أجنحة الشتائم وكلام السب والقذف بين نواب الشعب في البرلمان العراقي، بالصوت والصورة، بطريقة لا مثيل لها في أي حارة من حارات الكرخ والرصافة .
سمعنا بعضهم يصف ما حدث بأنه (ثورة بيضاء) مما يعني أن قائل هذه الكلمات لا يفهم شيئاً، لا في سياق (الثورة) ولا في معاني (الألوان) ولا في أصول أدوار المؤسسة التشريعية، التي ما خلقت لتتعارك بقناني المياه وتبادل الشتائم بدفع واندفاع صاحبات التنورة البيضاء .
سمعنا بعضهم يصف الحادث بأنه معركة أخلاقية .
آخرون وصفوه بالمعركة الاستقلالية.
غيرهم وصفوا الحادث بالحرية الاخلاقية في النضال من أجل استبدال (الطائفية القديمة) بــ(الطائفية الجديدة) على أساس استبدال المحاصصة السوداء بالمحاصصة البيضاء، من دون أن يعرفوا الفرق الحقيقي بين التكليف الأسود والتشريف الأبيض، إذ صار نواب الشعب في برلمان المنطقة الخضراء يضربون بقوة على دماغ الكلمة، يتخانقون مع زوجات المصطلحات وازواجها. صار الناس من أبناء الشعب المظلومين يأكلون الكلام الباهر من الولائم السياسية مع زلاطة التاريخ العراقي والحضارة العراقية والثقافة الحضارية، وعن برلمان الثورة البيضاء في عصر الديمقراطية الخضراء..!
أول مرة ينعقد في تاريخ العالم اجتماع برلماني في بغداد الحضارة والمحاصصة والطائفية، ينزل حول ممراته الضيقة، جيش عرمرم من 50 الف جندي مسلّح بأنواع الأسلحة الأوتوماتيكية، لم يستخدم مثيلا له لا هتلر ولا موسوليني ولا المقوقس ولا قرقوش.
تحية وسلام إلى سياسيين عراقيين مخبولين بأوهام مصطلحات وكلمات وتحاليل وطوفان الحشمة الدينية المتسترة وراء الطائفية المقيتة.
الهدير الطائفي باقٍ في بلدنا إذا ما بقي هؤلاء يملكون ريشاً ملوناً وجواهر لامعة وأموالاً بلا حساب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 26 – 4 – 2016
جريدة المدى يوم 28 – 4 – 2016