23 ديسمبر، 2024 5:23 ص

ثورة الاصلاح في الامة الاسلامية

ثورة الاصلاح في الامة الاسلامية

لطالما تمر علينا مناسبات تستوقفنا من أجل ان ترفدنا بمعرفة إنسانية كانت سببا في إستذكارها، وقيمة وعظمة هذه المعرفة تعتمد على أبطال وشخصيات صانعي الحدث والبيئة المجتمعية التي احتضنتها سلبا او إيجابا، وتتفاوت تلك الاحداث في نوع قيّمها وتنوّعها وقدرتها على إستقطاب وإستنفار المجتمعات المتعاقبة عبر العصور.

وها نحن نُحي ذكرى من أضاف للانسانية قيّما عبر ملحمة إنسانية ثمنها إزهاق روح إمام يمتد الى أطهر سلالة عرفتها البشرية، ولعظمة الحدث وهول ماوقع لانكتفي بيوم أو يومين في إحيائها ليس لاجل تعظيمها فحسب وإنما لاستحصال المزيد من دروسها وتجاربها التي طالما كانت دافعا في تسجيل الانتصارات على واقعنا المتأرجح بين الخنوع والخضوع والاستسلام والمزيد من التنازلات على حساب ثوابتنا ومعتقداتنا.

نعم إنها ثورة الامام الحسين (ع) الذي سجل من خلالها إعتراضه على خط قيادة منحرف وعلى مجتمع متجاوب ومصطف ومتهاوي في أحضان تلك القيادة التي خرجت عن الخط الاسلامي. وحين تحدث الامام الحسين (ع) قائلا (ألا وإنّ هؤلاء القوم قد تركوا طاعة الرّحمن، ولزموا طاعة الشّيطان، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، واستأثروا بالفيء، وعطّلوا الحدود) فهو يتحدث عن حركة قيادة سلبية في الحكم وعن مجتمع مسيّر بارادة تلك القيادة المتجهة في تعطيل حدود الله.

ومن خلال استقرائنا للتاريخ نجد ان واقع المجتمع الاسلامي في عهد يزيد واقعا مبتعدا عن ثوابت الدين الاسلامي فكان واقعا جاهليا يتمظهر فيه الاسلام، وكان يزيد يقود واقع الامة باتجاه الباطل من أجل ان يميتها ويجهض كل مقومات سعادتها ويسكت نبض الحياة فيها. لذا نبّه الامام الحسين(ع) في حديثه (لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظّالمين إلا برماً) ان الامة التي تعيش مع الظالم امة مستعبدة ميته غير سعيدة تعيش أجواء الملل والسآمة والضجر ولن تجد سعادتها إلا بالانتفاض على واقعها ومحاربة مفسديها.

وسيكون نصيب الامة التراجع والانحراف في كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ماشخصه الامام الحسين (ع) من خلل وفساد في واقع الامة، وحينما قال (ع) (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) كان يقصد ان الامة كانت تعاني من ظلم وفساد وبحاجة الى ثورة لتصحيح واقعها. فكان خروجه لاثبات ذات الامة والمجتمع وليس لاثبات ذاته، لرفع الظلم والفساد عن الامة وليس مفسدا، خرج لحاجة ماسة اقتضتها المرحلة

وليس بطرا وهو خروج غيّر وجه التاريخ وأمد الانسانية بسبل الخلاص من العبودية ودرسا للانسانية كيف ومتى تنتفض ضد من يريد تغير بوصلتها باتجاه الضياع والتيه.

مما تجدر الاشارة اليه ان الامام الحسين (ع) اشتغل على مساحة واسعة في الاصلاح شملت كما قال (أمة جدي) وهي امة الاسلام فدعوته في الاصلاح لم تحدها حدود او مناطقية معينة او فئة دون اخرى، وهو مؤشر على عظمة ومقدرة ووفرت ادوات الاصلاح بيد المصلح. وهذا ماتتميز به ثورة أبي الاحرار ثورة إصلاح شاملة وعامة ملئها التضحية والايثار.

أمم وأجيال تعاقبت واستفاضت بالحق والاصرارعلى التغيير من تلك الدماء الطاهرة التي روت أرض كربلاء المقدسة وهي تتحمل مسؤولية الحفاظ على روح الثورة الحسينية نهجا والتزاما وامتثالا لما تحمله من قدسية عالية وتضحية بالغة الاهمية أريقت فيها روح إمام معصوم وأهل بيته من أجل استقامة الامة الى يوم يبعثون.

فعلى الامة الاسلامية ان لاتضيّع تضحياتها وتأريخها وثوراتها المتمثلة بثورة الامام الحسين (ع) من خلال فهم قاصر وخاطئ غير متقن لتلك الثورة الناصعة التي حمّلها البعض مالاتتحمله وتتبناه، فواقعة كربلاء واقعة حق واضحة جلية لاندع أحد يضيف لهذا الحق باطلا يشوه به مذهبنا ومعتقدنا ويعطي للحاقدين والناصبين العداء مبررا للنيل منّا ومن تلك الملحمة العظيمة.

فنحن لسنا مضطرون لان نضيف لثورة الحسين (ع) مفاهيما تحميلية طلبا لبيان عظمتها وان كانت هذه المفاهيم حقة، فكيف بك من يحمّلها مفاهيما باطلة تقلل من وقعها وبريقها بقصد او بدونه. ان الاصرار على تحميل ثورة الامام الحسين (ع) بمفاهيم وممارسات خاطئة هي محاولات يائسة لفقد تلك الثورة لمحتواها وعالميتها.

فواقعة الامام الحسين (ع) لاتحتاج منا بذل الجهد في تلميعها بطرق قد نسيئ لها دون ان نعلم فلا تكن تلك الجهود وافرة باتجاه بيان مأساة كربلاء فقط ونتخذها هدفا وحيدا لتلك الواقعة بل دعونا نخرجها من ماضيها الى حاضرنا مستمدين منها العبر والدروس بحيث تصبح ومضاتها صحوات لضمائرنا وتصحيح لحركتنا من خلال اسقاط مفاهيم تلك الثورة العظيمة على تحدياتنا ومشاكلنا لعلنا نجد بلسما ناجعا يداوي جراحات امتنا.