5 نوفمبر، 2024 6:26 م
Search
Close this search box.

ثورات منسية…ثورة آل معجون في السماوة

ثورات منسية…ثورة آل معجون في السماوة

ان الثورة كظاهرة اجتماعية وسياسية وبأبسط مدلولاتها هي إنتفاضة الشعب والفطرة والضمير ضد الظلم والجور الذي تجاوز حدود تحمّل الطاقة البشرية، والثورة من منظور التحليل النفسي هي انتصار عامل الغضب في النفوس على عامل الخوف من قوة وإرهاب السلطان،والثورة كفعل إنساني عبارة عن عملية هدم تليها عملية بناء.
أما كمصطلح سياسي فإن الثورة هي الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضعٍ أفضل أو اسوأ من الوضع القائم وللثورة تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين ومفهومين ،التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية في العام 1789 وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد عمل الماركسيون على تطوير هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي أسموها بالبروليتاريا.
أما التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً للثورة فهو يتلخص بالتغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته “كالقوات المسلحة” أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية.
بيد أن المفهوم الدارج أو الشعبي للثورة يظل قائماً وهو الانتفاض ضد الحكم الظالم، وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية في العام 1789 وثورات أوروبا الشرقية في العام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004، أو عسكرية وهي التي تسمى انقلاباً مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية ( 1954-1962). أما الانقلاب العسكري فهو قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم, بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم.
ويعرّف الدكتور صبري محمد خليل أستاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم في مقالته الموسومة (مفهوم الثورة بين العلم والفلسفة والدين) مفهوم الثورة بقوله : ان الثورة لغة الهيجان والوثوب والظهور والانتشار والقلب ، ورد في لسان العرب (ثار الشيء ثورا وثورا وثورانا وتثور هاج… وثار إليه ثورا وثؤرا وثورانا وثب… وثار الدخان وغيرهما يثور ثورا وثؤورا وثورانا ظهر وسطع )، ويقول الطبري ( ثار يثور وثورانا إذا انتشر في الأفق ) .ويقول تعالى (لا ذلول تثير الأرض)(البقرة:71) (اى لا تقلبها بالحرث القلب الذي يغيرها فيجعل عاليها سافلها)، و(كانوا اشد منهم قوه واثاروا الأرض وعمروها)(الروم:9) (اى قلبوها وبلغوا عمقها).
أما المصطلح اللاتيني  Revolution  فهو تعبير فلكي الأصل شاع استعماله بعد أن أطلقه العالم  البولندى كوبر نيكوس على الحركة الدائرة المنتظمة للنجوم حول الشمس والتي لا تخضع لسيطرة الإنسان، وبالتالي تضمن المصطلح معنى الحتمية  (  جابر السكران، الثورة: تعريفها/ مفهومها/ نظرياتها، جريده الجريدة).
أما  الثورة اصطلاحا فقد تعددت تعريفاتها ، بقول ميرل الثورة هي حركة اجتماعية بها تحل بعنف أسطورة جديدة محل أسطورة قديمة ، ويقول دن الثورة هي تغيير جماهيري سريع وعنيف ، ويقول جورج سوبر بيتي الثورة هي إعادة بناء الدولة ، ويقول  مود الثورة مجرد تغيير في بناء الحكومة ، ويقول شاتوبريان الثورة انقطاع في التاريخ،ويقول بيتي هنتنجتون و نيومان الثورة إبدال القيم…
وبالجمع بين ما هو مشترك في هذه التعريفات يمكن تعريف الثورة بأنها التغيير خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر فيه امكانية التغيير، فهي تغيير فجائي وكلي يتم خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر له الشرعية ، وهي بهذا تختلف عن الإصلاح  الذي هو التغيير من خلال نظام قانوني تتوافر فيه أمكانية التغيير ، فهو تغيير تدريجي جزئي سلمي يتم من خلال نظام قانوني تتوافر له الشرعية.
وفي علم اجتماع: تعددت تعريفات علماء الاجتماع للثورة ولكنها تشترك في نقاط عامه منها :أن الثورة تغيير مفاجئ سريع، ذو اثر كبير على الكيان الاجتماعي،يحطم استمرارية الأحوال الراهنة فيه، حيث يصف هربرت بلومر مثلا الثورة بأنها تبتغي إعادة بناء وتنظيم النظام الاجتماعي كله تنظيماً وبناء جديدا. ويرى كارل مانهايم أن الثورة عمل قصدي ، فهي تعني توقع حدوث وقصد إحداث  تحطم في الكيان والتنظيم الاجتماعي الراهن ، فهي ردود أفعال الأفراد على الأحوال غير المرضية في حياتهم الاجتماعية ، ولكن بعد أن تنتظم في عمليات السلوك الجمعي . 
 كما اختلف علماء الاجتماع في تحديد الأسباب التي تؤدى إلى حدوث الثورات، حيث يرجح بعضهم الأسباب الغريزية (هربرت ميلر وسروكن) ، ويرجح بعضهم الأسباب الاقتصادية كالبطالة أو الصراع الطبقي (كارل ماركس)  أو الاحتجاج على الضرائب(مريمان) ، ويرجج آخرون الأسباب العقائدية والفكرية–الايديولوجية- والقيمية ممثلة في ظهور قيم وأفكار وعقائد جديدة، (دوركايم وبارك) ، كما يرجح بعضهم الأسباب الكارزمية ممثلة في ظهور زعامة أو قيادة جديدة (توماس كارلايل وهيغل وسبنسر) ، كما يرجح آخرون الأسباب الحضارية ممثلة في الاحتكاك الحضاري بين الشعوب، ويرجح آخرون الأسباب الديموغرافية(السكانية) ممثلة في التغيرات التي تطرأ على السكان كالتناقص أو التزايد السريع في السكان (كارلي ) .
كما يرى علماء الاجتماع أن هناك بعض الظواهر الاجتماعية التي تميز مرحلة ما قبل الثورة منها انتشار الاضطراب الاجتماعي( ومن أشكاله ازدياد نسبه الإخلال بالنظام والتمرد عليه ، وارتفاع معدلات الجريمة العاطفية والجنسية وحوادث الجنون…) ، وانتشار التشهير بنقائص النظام والتحريض على تغييره ، ويبدأ في هذه المرحلة أيضا تبلور (إيديولوجي–فكري- ثوري) يوجه السلوك الجمعي نحو التغيير، و يذهب ادواردز إلى أنه لابد من بروز ظاهرتين في المرحلة التي تسبق الثورة وهما: انتقال وتحوّل ولاء المثقفين، وتكوّن الخرافة الاجتماعية (الحلم بتحقيق أوسع أهداف الثورة أو الذهاب بعيداً بها إلى حد التصور بتحقيق حياة مثالية). ويصاحب هذه المرحلة ضعف وانهيار قوة السلطة السياسية الحاكمة..
كما يرى علماء الاجتماع أن الثورة تمر بمراحل متعددة، أهمها مرحلتين: الأولى منها تلقائية تفتقر إلى التنظيم، وتكون فيها الأهداف ذات طابع عام مجرد، أما المرحلة الثانية فتتميز بالتنظيم الواضح وتبلور الأهداف وظهور القيادات. 
ويتفق فريق كبير من علماء الاجتماع منهم بلومر، داوسون، هيوز، كشلو وبارك على أن القائد في الثورة في مراحلها الأولى هو من نوع المحرض، وفي المرحلة التي تكتسب فيها الثورة شرعيتها يكون القائد من نوع رجل دولة، وفي المرحلة اللاحقة التي تتبلور فيها الثورة يكون القائد من النوع الإداري. 
كما يصنف علماء الاجتماع الثورات إلى أنواع متعددة طبقا لمعايير متعددة، فهي تنقسم طبقاً لمعيار التسلح إلى مسلحة وسلمية. كما تنقسم طبقا لمعيار الحقل الذي تحدث فيه إلى: سياسية أو حضارية أو صناعية، وتنقسم طبقا للمعيار المادي التاريخي (الماركسي)إلى ثورات إقطاعية وبرجوازية وبروليتارية وتحرر وطني .. ( د. حاتم الكعبي ، في علم اجتماع الثورة، بغداد ،1959، عرض حميد الهاشمي، يوميه  إيلاف الالكترونية).
وفي الجانب الفلسفي : فقد انقسم الفلاسفة إلى تيارين: الأول يرفض الثورة كوسيلة للتغيير ، ومن أعلام هذا التيار مونتسكيو الذي كان يرى أن الطغيان هو النظام الطبيعي في الثورات، وسوروكين الذي كان يصفها بأنها شذوذ وانحراف، وكذلك فليب جوستاف لوبون الذي كان يراها جهداً ضائعاً ، لأن المجتمع يمكنه أن يصل إلى ما وصل إليه بالثورة بدون التضحيات والخسائر التي تطلبتها الثورة .
أما التيار الثاني فيأخذ بالثورة كوسيلة للتغيير ومن أعلام هذا التيار كارل ماركس الذي يرى طبقا لمنهجه المادي الجدلي ومحصلة تطبيقه في التاريخ (المادية التاريخية ) أن الثورة هي محاولة لإلغاء التناقض في أسلوب الإنتاج  بين علاقات الإنتاج وأدوات الإنتاج، والذي يعبّر عن ذاته في شكل صراعٍ طبقي بين الطبقة السائدة والطبقة المسودة، لذا وتطبيقا لذلك يقول لينين إن العلامة الجوهرية للثورة هي انتقال سلطة الدولة من طبقة لطبقة . وكذلك روبسبير الذي كان يرى أن الثورة هي حرب الحرية ضد أعدائها .(احمد اراجه، مفهوم الثورة، منتديات الفكر القومي العربي) وهربرت ماركيوز الذى كان يعتقد أن الطلبة هم مستقبل العالم لإحداث التغيير بعدما فشلت الطبقة العاملة التي راهن عليها ماركس فى إحداث هذا التغيير. وجان بول سارتر الذى رهن التغيير أيضاً بالطلبة حيث يقول عنهم (  تملكون خيالا أخصب من أسلافكم، أمر تفصح عنه تلك الشعارات المكتوبة على الجدران. يتدفق منكم شيء مدهش، مزعزع، يدين كل ما أدى إلى وصول مجتمعنا إلى ما وصل إليه من رداءة. ظاهرة أسميتها حقل الممكنات) .
وكي لانطيل ونشّط عن صلب الموضوع الذي أنا بصدده،يمكنني القول إن التاريخ وكتبته لم ينصفوا في كثيرٍ من الأحيان العديد من الثورات التي تنطبق عليها الموصوفات الاجتماعية والسياسية والفلسفية آنفة الذكر ولأسباب كثيرة ,بعضها معلوم لكن الغالبية منها غامضة ومجهولة، ربما من أهمها الخوف من السلطة القمعية في حينها,أو نظراً لخصوصية أسباب قيامها, أو لعدم قناعة بعض من تصدى للكتابة في هذا الحقل الذين تفترض بهم المصداقية والأمانة الأدبية والتاريخية أو لأسبابٍ أخرى لانعرفها,وحتماً فعند زوال الخوف بزوال مصدره يتشوق التاريخ لنفض الغبار المتراكم عن تلك الأيام المهمة والمشهودة من نضال وتضحيات أبناء الشعب من أجل فجر الحرية الواعد .
والموضوع الذي أنا بصدده سبق لي ان تطرقت اليه بشكلٍ عابر في مقابلة أولى أجريتها مع الشيخ نوري عزارة المعجون في خريف العام 2003 على أمل إكماله لكن الظروف المتسارعة لم تمكنني من ذلك،والآن أحاول إحياء هذا الموضوع وإثراءه من جديد بعد غياب أو تغييب ثورة آل معجون عن صفحات التاريخ لأسباب لايمكنني تبريرها..فقد صدرت عدة كتب ومؤلفات وأبحاث عنيت بالأنتفاضات والثورات الشعبية ضد نظام الطغمة البعثية طيلة نصف القرن الأخير،لكنها لم تقترب أو تلامس هذه الثورة من قريبٍ أو بعيد.
منذ الأيام الأولى من قدوم حزب التخريب والعبث (حزب البعث الفاشستي) ووصوله للسلطة في العراق وتسلطه على رقاب العباد , وهو يحمل الضغينة ويكنّ ويناصب العداء لكل من يختلف مع طروحاته ومنهجه التسلطي المجرم من القوى والتيارات والشخصيات والعوائل الوطنية المخلصة والحريصة , كما في مراحل تسلمه للسلطة والتي سبقت عودته بأسم حزب البعث بعدما حكم البلد مشاركاً مع عارف ونظامه القومي، لكن بعيد الانقلاب الأسود لهم مباشرة القي القبض على النقيب الحقوقي الطيار الشيخ سامي عزارة المعجون المستشار القانوني في وزارة الدفاع والذي كان يدير في حينها دائرة قانونية حساسة مكلفة بمتابعة النشاط الإجرامي لزمرة حزب البعث وميليشيا الحرس القومي في زمن ثورة الجمهورية الأولى في العام 1958 وقد قام بالتحقيق شخصياً مع رأس النظام الانقلابي (أحمد حسن البكر أول رئيس للانقلابيين) وإصدار أوامره المباشرة بنقله الى سجن نقرة السلمان، ومنذ ذلك الحين أصبح الشيخ سامي عزارة المعجون وعائلته هدفاً مباشراً للسلطويين الجدد، وبحسب المقابلات الشخصية التي أجراها الباحث مع الشيخ سامي وأخوته خالد ونوري وابن أخيه عادل مهلهل عزارة فقد أشرف على التحقيق مع الشيخ سامي بعد انقلاب 1968 وتعذيبه المجرم صدام شخصيا ومدير الأمن العام انئذٍ المجرم ناظم كزار،وذلك انتقاماً وتنفيساً لأحقادهم القديمة حسبما أسلفنا جرّاء دور الشيخ سامي وواجباته الوطنية و(الوظيفية) إبان ثورة تموز 1958.
ولم تكتف السلطة البعثية بذلك،بل قامت بإعتقال شقيقه الشيخ مهلهل عزارة المعجون وإيداعه في سجن مكافحة الرجعية في محافظة الديوانية بغية تظليل الناس وإيهامهم بأن عائلة آل عزارة مرتبطة بالقوى الرجعية ويتآمرون على ثورة الشعب وحزبها الاشتراكي، ومما يؤسف له فقد نجحت الآلة الدعائية للبعث المجرم في ذلك. كما تم إلقاء القبض على الشيخ لهمود المعجون عم الشيخ مهلهل العزارة  بعد يوم واحد من اعتقال الشيخ سامي عزارة في مسلسل استهداف رموز هذه العائلة الوطنية ذات الإرث السياسي والوطني العريق.
وبرغم مرور أكثر من عام على هذه الاعتقالات التعسفية (من المعلوم ان جميع الاعتقالات التي شنها نظام حزب البعث كانت تعسفية وظالمة ولاتستند الى ذرائع او مسوغات قانونية لأن هذا ديدنهم في إحكام قبضتهم على السلطة وجلد معارضيهم)، لم تتمكن عائلة المعجون من معرفة مصير معتقليهم أو السماح لهم بتوكيل محامين لهم او معرفة نوع الدعاوى او المخالفات التي اعتقلوا بسببها,في الوقت الذي كان المعتقلون من هذه العائلة يلاقون أقسى درجات العذاب والقسوة على أيدي منظومة جلاوزة الحزب الفاشستي الذي اشتهر بإبتكاره لألوان وفنون التعذيب, فيما كانت عوائلهم تلقى التهديد والوعيد والعنت من قبل الانقلابيين الجدد ورموزهم المسعورة في مدينة السماوة…وإستمر هذا الحال لغاية صدور أوامر تحويلهم الى محكمة الثورة (سيئة الصيت)حسبما جاء بجريدة الثورة الناطقة بإسم حزب البعث في 23 آب من العام 1969..(مرفق وثيقة مصورة من أمر إحالتهم الى محكمة الثورة حيث جاءالشيخ سامي بالتسلسل الثامن وعمه الشيخ لهمود بالتسلسل رقم 13).
لكن جمرة الشجاعة لأحفاد ثورة العشرين لم تخمد ولم تنطفيء فقد أبى أبناء العشائر الفراتية الباسلة أن يطول هذا الهوان والإذلال وقررت قياداتها خوض معركة الكرامة والكينونة مع السلطة القهرية مهما كلف الأمر من تضحيات , فعقدت تلك القيادات الأبية اجتماعات ثائرة وغاضبة في مضائفهم معلنين رفضهم القاطع لما يحصل من تغييب قسري لقياداتهم وشيوخهم , وبطبيعة الحال فهذه من النواميس والشيم التي اشتهرت بها عشائر العراق بعامة ولاسيما عشائر بني حجيم البطلة والتي يتحدث التاريخ عن مواقفهم البطولية في مقارعة الظلم والدفاع عن الكرامة,ويحتفظ التاريخ بمواقف بطولية نادرة وعلى الأخص في ثورتهم الوطنية التحررية (ثورة العشرين)التي ناهضوا وقارعوا من خلالها المستعمر الانكليزي طيلة شهور من القتال الباسل الشرس برغم عدم تكافؤ الطرفين عدة وعدداً…وهكذا فقد كان قرار عشائر السماوة والسوير وبني حجيم الذي لامندوحة من اتخاذه لحفظ ماء الوجه والكرامة هو إعلان الثورة ضد النظام البعثي مهما كلفهم من تضحيات معلنين هدفهم الذي لا مساومة عليه وهو إطلاق سراح شيوخهم من أسرة آل معجون فوراً ودون قيدٍ أو شرط,وعبر الآلية البسيطة المعتادة للثورة والمتمثلة بما يلي:
– إشعال النيران والمشاعل ليلاً كدليلٍ على إعلان الثورة والعصيان والتمرد والخروج عن طاعة الحكومة الظالمة وكانت بداية شرارة الثورة متوافقاً مع يوم إحراق المسجد الأقصى الشريف.
– التحشيد للمعركة والقيام بإستعراض للقوة من خلال التواجد اليومي المسلح في مضيف ومضارب العشيرة .
– ضرب أهداف ونقاط معينة للسلطة كمراكز الشرطة في المدينة وخارجها،كدلالة رمزية على معارضة النظام الرسمي للحكومة.
– توجيه ضربات محددة لطرق إمداد النظام وبالتحديد سكك القطار لما لها من أهمية عند السلطة (وكتكرار لبعض حوادث ومجريات ثورة العشرين الخالدة).
وبالفعل فقد توجهت العناصر الثورية بشكل خلايا صغيرة مرنة التحرك والمناورة ,حيث كلفتها قياداتها بأهداف خارج حدود المدينة وقد امتدت هذه الأهداف التي تصيب نظام الحكم في مقتل الى حدود مدينة الحلة شمالاً باتجاه العاصمة وشرقا باتجاه مدينة الناصرية, وأدت الخلايا الثورية واجباتها بشكلٍ دقيق كما رسم وخطط لها قبل عودتها بسلام الى مرابع الثورة ومضارب العشيرة, وكانت الغاية الأولى لتلك العمليات إرسال رسالة واضحة للنظام البعثي لالبس فيها بجدية وتحدي عشائر السماوة للنظام البعثي الذي اعتقل شيوخ ورموز أبناء المدينة.
ويبدو ان السلطة الحاكمة وعلى رأسهم البكر وصدام قد أدركوا خطورة الموقف وهم حديثي عهد بقيادة دفة البلاد، وخوفاً من أن تأخذ الثورة أبعادا اكبر وأكثر خطورة بدخول القوى الوطنية الأخرى على خط الثورة،فقد اتخذت إجراءات سريعة وفورية صارمة بشقيها العسكرية والإعلامية , فقد أصدرت بيانات سياسية تفيد حسب وجهة نظرهم بما معناه :أن الاستعمار والقوى الرجعية عادت من جديد للتآمر على ثورة الفلاحين والعمال والكسبة (الثورة الوطنية الفتية), والغريب ان قادة البعث الانقلابيين نجحوا في إيهام فئات من الشعب ونالوا تعاطف القوى اليسارية والقوى الشعبية مع طروحاتهم المكشوفة والمليئة بالخداع والدس والتدليس , وللأسف فقد انطلت لعبتهم ونجح مكرهم على البسطاء من أبناء الشعب والقوى الوطنية, ولم يكتشفوا زيف وكذب القتلة وأصبحوا هدفا لهم أيضا , وقد سبق استعمال القوة في إخماد الثورة خطوة التآمر عليها وتفكيكها من الداخل بأجراء المباحثات الصورية الماكرة بغية إيهام الرأي العام بجدية الحكومة في البحث عن حل سلمي والاستجابة لمطالب الثورة بإطلاق سراح الشيوخ وكان الهدف من وراء هذه الخطوة الخبيثة إبعاد روح الوحدة والنيل من تكاتف ووحدة صف قبائل بني حجيم.
وبالفعل نجحوا في ذلك وانسحبت غالبية عشائر بني حجيم مما مهد للانفراد بعشيرة الغانم والتي تلاها الدور بتمزيق وحدة صفها ..وقد أعدت زمر البعث  غرفة عمليات لدراسة الطبيعة الجغرافية لموقع العشيرة وإرسال الجواسيس والمخبرين ودسهم بين أبناء العشيرة لإشاعة وزرع الرعب ومعرفة طرق وحركة الثوار والآماكن التي  بأمكان الثوار  الآستفادة  منها  في حالة المعركة وبالتحديد هور اللقطة  بألاعتماد على معلومات ومعرفة أعضاء البعث المجرم من أبناء المدينة الجيل الآول من عصابات الحرس القومي السيئ والسمعة. .
أما في الجانب العسكري فقد تحرك اللواء المدرع الثالث من الفرقة الأولى المدرعة من مقرها في محافظة القادسية (الديوانية)وعند وصوله الى مدينة السماوة جرى تقسيمه على محورين: المحور الأول باتجاه مقر الثورة وغرفة العمليات في منطقة السوير ويسلك خط (السماوة – الزريجية) فيما كان واجب الخط الثاني الالتفاف على قرى ال حمادي , قرية الشيخ مجهول الحمادي والشيخ ناهي الحمادي, وخط سيره خط الأزرق بالانحراف مباشرة من جسر ال جروخي يسارا ووصولا للأهداف المحددة, وبالطبع فقد كانت طلائع المتعاونين من أبناء العشيرة بإنتظار الجيش ليكونوا له دليلا والصعود على الدبابة الأولى،بغية كسب المغانم ونيل رضا السلطان ومكاسبه وعطاءاته.
وعودة الى واجبات المحور الأول , أي واجب اللواء المدرع وهو الوصول الى مضيف آل معجون وهو مقر الثورة ورمز رفضها للسلطة بغية القضاء عليها والتنكيل بأفرادها كي يكونوا عبرة لكل من يفكر بالخروج على طاعة السلطان.
وكان خط سير الرتل هو اتخاذ طريق سماوة ناحية السوير الحالي , وكان معه الأدّلاء من العيون والجواسيس الموجودين في كل زمان ومكان , وكانت قيادة تلك العمليات قد أوكلت للمجرم جاسم الركابي عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنئذٍ , ونظراً لقصر مسافة الطريق للإلتفاف على الثورة كان وصول الرتل الأول للواء والذي كان هدفه ضرب الثورة ومحاصرتها من الخلف فقد وصل قبل الرتل الثاني الذي كان محور هدفه يتمثل بمقر قيادة الثورة(مضيف آل معجون).
وفي ضوء المعلومات الأولية التي وصلت لقيادة الثورة فقد كان الرتل الأول يمثل خطورة بالغة كما تراها قيادة المعركة بغية الحفاظ وتأمين طريق الانسحاب لهم ولعوائلهم , فقروا مقاتلته أولا والأشتباك معه ليكون بداية المعركة مع الرتل الأول قبل وصول الرتل الثاني من جهة الزريجية،وهكذا كان قرارهم حكيماً وناجحا من الناحية العسكرية والميدانية من الجانب الخططي ,وبالفعل اشتبكت طلائع الثوار مع الرتل المدرع الأول ,لكن النتائج لم تكن متسقة مع واقع الحال فقد كان النظام البعثي قد سبقهم في وضع مفارز من المتعاونين على طريق الثوار بهدف ضربهم من الخلف أثناء الاشتباك مع قوة النظام , الأمر الذي جعل تلك الطلائع الثائرة ضد النظام البعثي تخوض المعركة وهي شبه محاصرة ,ولم تكن القوة متكافئة بين جيش مدجج بالأسلحة الأوتماتيكية الثقيلة وناقلات الجند والدبابات ,وبين ثوار يستخدمون البنادق اليدوية البسيطة والعتيقة بذخيرة محدودة..وبعد ان حمى وطيس المعركة بين القوتين إستشهد كل من الثائر البطل علاج ماهود والثائر ثجيل مبدر ناهي وكلاهما من شباب الحمادي الشجعان,وقد بقي هذان الشهيدان في مقر الثورة لصعوبة الموقف ولم يتم أخلائهما .
في الجانب الآخر المتعلق بالمعركة الحاسمة فقد وصل الرتل الثاني الذي يتلخص واجبه للسيطرة على المضيف حيث مقر الثورة , بعدما تلقى الثوار خسارة معركة الأزرق وإستشهاد الشابين علاج وثجيل كما أسلفنا,فضلاً عن تزامن ذلك مع تخاذل وإنسحاب العديد من الثوّار بعد تخويفهم من بطش النظام الأمر الذي ترك ال حمادي وأخوتهم ال علي لوحدهم في معركتهم المصيرية مع عدو مجرم فتّاك, وهكذا أصبح الأمر بمثابة مفتاح القضاء عليهم وإبادتهم,فحين وصل الرتل الثاني (سماوة –زريجية) المكلف بالواجب الرئيسي والمهم , الى أرض المعركة بالقياسات العسكرية وهو مدى استمكان نيرانه، فقد حدث كما حدث في معركة طريق الأزرق إذ ان هذا الرتل كان قد قام بتكليف المتعاونين معه من  العشيرة في بداية المعركة وقد اشتبك الثوار مع تلك الزمر من جهة والتهيؤ للمعركة الفاصلة مع القوى المعتدية من جهة ثانية,وفي الوقت نفسه واصل الرتل الأول المكلف بالالتفاف على الثوار من الخلف فيما المعركة مستمرة في جبهة المضيف وقد انفتحت أكثر من جبهة على الثوار وعلى مسافات قريبة جداً بمدى البنادق التي يقاتلون بها (يعني أقل من كيلو متر واحد) .
وفي الحال أدركت قيادة الثوار خطورة الموقف وإستشعرت تبعاته لذا أمرت على الفور بأخلاء البيوت من العوائل والانسحاب الى الخلف على خط وحيد بقي بعيداً عن سيطرة الجيش والمتعاونين معه ,بينما استمرت الإشتباكات مع مفارز المتعاونين وبدعم من الجيش النظامي المهاجم, فكان من حكمة قيادة الثورة عدم الاستمرار بخوض معركة شبه محسومة للجيش المدجج بأسلحة ثقيلة ومفارز مزروعة خلف خطوط الثوار , فقرر الثوار الانسحاب الى هور اللقطة وهي منطقة يمكن اللجوء اليها آخذين بنظر الاعتبار صعوبة إقتحامها من قبل مدرعات جيش النظام.
وهكذا كان اعتقاد الثوار,فيما وصلت الدبابات والمدرعات الى مضيف آل معجون , وأول أعمال السلطة البربرية تجسد بحرق المضيف وهدم البيوت لكل أفراد العائلة المذكورة وإحكام طوق ومحاصرة المنطقة لثلاثة أشهر متتالية, وفي الجانب الآخر وفي مقر إقامة المجرم جاسم الركابي فقد دارت مباحثات بين شيوخ بني حجيم والمجرم الركابي، مباحثات كان يأمل منها شيوخ بني حجيم إيقاف نزيف المعركة والبحث عن حلٍ توافقي يلبى فيه جزء من مطالب الثوار وهو إطلاق سراح الشيوخ من آل معجون.
وبمجرد ان حققت السلطة الغاشمة أهدافها بإشاعة الرعب والترهيب بين أوساط الشعب،ولخشيتها من أن تكون هذه الثورة بداية لسلسلة ثورات أخرى أو الانجرار لأمور لاتحمد عقباها، فقد استجابت لمطلب الثوار بعد ثلاثة أشهر بإطلاق سراح الشيخ مهلهل عزارة المعجون من سجن مكافحة الرجعية في الديوانية والشيخ لهمود المعجون والنقيب الحقوقي الطيار سامي عزارة من سجن قصر النهاية ,شريطة أن لا يبقى الشيخ سامي عزارة في العراق وعليه الخروج من الوطن حالاً.
مرت عدة أشهر من التهجير للعائلة توزعت على بيوت شرفاء وأحرار عشائر بني حجيم , حيث لجأ الشيخ نوري عزارة القائد الميداني للمعركة وأبن عمه المرحوم حسن حاتم المعجون الى رفحاء في السعودية, وبقيت العائلة برعاية المرحوم الشيخ نايف العزارة وكان عمره لا يتجاوز الثلاثين سنة, يتنقل من هنا وهناك سرا وليلا للاطمئنان على عوائل المعجون .
وحين عاد الشيوخ المطلق سراحهم الى الديار المهدمة والمضيف العامر الذي تحول الى رماد متفحم, رأوا انها ديار حزينة منكوبة , تتباكى قبل محبيها,عادت العوائل لكنها لم تجد ما تسكن تحت فيئه.
وبرغم إجهاض ثورتهم في مهدها لكن النظام ظل يتربص بآل معجون ويناصبهم العداء نظراً لتاريخهم الوطني والسياسي المشهود، ففي منتصف العام 1971، أراد النظام البعثي الخلاص نهائيا من خطورة عائلة آل معجون وإنهاء نفوذها وتأثيرها الوطني الى الأبد،فقرر التخلص من الشيخ الشهيد مهلهل العزارة وتصفيته بدس السم له, بحجة طي صفحة الماضي وتصفية الأمور وجبر الخواطر حيث طلب رئيس النظام العراقي احمد حسن البكر لقاء الشيخ المغدور في بغداد ,وقد تم اللقاء الحصري بين البكر والشيخ مهلهل دون غيرهما لمدة لم تزد عن النصف ساعة، (لن نورد ماذكره الشيخ المغدور حرفياً لذويه عن مادار من حديث بين الرجلين قبيل استشهاده مسموماً)..وفي تلك اللحظات دخل صدام وقدم نفسه للشيخ مهلهل ومن خلال البكر الذي قال هذا السيد النائب صدام ,فرد الشيخ أعرفه جيدا , سادت لحظات صمت أعقبها وبتدبير من صدام إصداره أمراً بجلب فنجانين من القهوة بعدما قال , هل ضيفتم الشيخ أم لا؟… فقال البكر لم نطلب له أي شئ , جاءت القهوة بفنجانين فقط لا غيرهما , قدم الفنجان للشيخ المغدور والثاني وضع أمام البكر ولم يستقبله بحجة مرضه ومنع الاطباء له من تناول أي مشروب يحوي مادة الكافيين المنبهة ,فأحتسى المرحوم الشيخ مهلهل عزارة المعجون القهوة وخرج من اللقاء متوجها الى حي اليرموك في جانب الكرخ حيث تسكن عائلة أخيه الطيار سامي ليكمل إجراءات السفر للالتحاق به, قضى ساعتين هناك وكان ينوي الرجوع الى السماوة في يومه الثاني , فأحس بنوع من الدوار في رأسه، وقد شكى لعائلة اخيه وقال لهم لم أكن أعاني من أي شئ ولكن حين يحصل لي شئ فسببه ذلك الفنجان الذي احتسيته عند البكر ,في اليوم الثاني توجه مهلهل الى السماوة وصل الى المدينة متعباً تظهر عليه أعراض الإعياء والتعب ,فاخذ يشتكي من رأسه , ونقل على أثرها الى المستشفى , وهو مغمى عليه ,بقى على هذا الحال مدة أسبوع ممنوعاً من أي علاج بأمر مفارز الأمن التي كانت تراقبه.
وقرر الأطباء المشرفين عليه أن ينقلوه الى مدينة الطب ببغداد، لكن الدكتور المشرف عليه واسمه جمال الخطيب من أهالي البصرة وكان على علاقة طيبة مع الشيخ وصديقا له قال بالسر وطلب من الشيخ نوري أن لا يفشي سره والا سوف يلاقي مصيراً غير محمود إذا اكتشف النظام أنه كشف سبب الجلطة الدماغية وهو سم دس أليه , وأخيراً وصل الشيخ مهلهل الى بغداد وهو في عداد الموتى , رقد في مدينة الطب ليلتين وكان على علاقة لم ترتقي الى الصداقة مع خير الله طلفاح وكانوا يلتقون في مقهى السفير ملتقى ساسة العراق وشيوخه ورموزه،وقد زاره عدنان خير الله ولم يكن وزيراً حينها , وكان عدنان طالبا في الكلية العسكرية وكان آمر فصيله النقيب سامي عزارة عندما كان يحاضر في الكلية العسكرية, وبعد الزيارة مباشرة وبالتحديد بساعة واحدة ،انتقل الى رحمة الله الشيخ مهلهل في اليوم الاول من شهر تموز في العام 1971، لتنطوي مع رحيله ثورة وئدت مع رحيل روحه الى بارئها,وإمعاناً بالجريمة والظلم والخوف من الشيخ المغدور حتى وهو ميت، أمر النظام بعدم عودة جثمان الشهيد الى مضيفه وأهله في السماوة خشية تشييعه من قبل عشائره الثائرة ومضاعفات ذلك على النظام الذي أسهم بإغتياله غيلة وغدراً،حيث أمر جلادوا البعث بأن يدفن في النجف مباشرة وبأشراف مفرزة أمن قدمت مع جثمان الشهيد , وقد صلى عليه الشهيد المغدور السيد محمد سعيد الحكيم وكانا على صداقة حميمة …وبوفاته رحمه الله قيّد لعائلته ان تظل نبراساً للنضال ضد نظام المجرم هدام العصر وان تواصل سعيها للإطاحة به وإعادة الحق لهذا الشعب المبتلى حيث أسهم أبناء وأحفاد آل معجون بإعادة البسمة مجدداً لأبناء السماوة وعشائرها مع اولى نسمات الحرية في نيسان من العام 2003 حيث أسهموا بترتيب وإدارة المدينة بشكل مؤقت والتمهيد لتأليف أول مجلس منتخب بشكل ديمقراطي لقيادة المحافظة في نفس العام.

أحدث المقالات

أحدث المقالات