هذولة احنة السرجنة الدم على صهيل الشكر يسعود
يسعود خلي الدم يجري طوفان كلنة نخوض عبرية
يسعود احنة عيب نهاب يا بيرغ الشرجية
من قصيدة سعود لشاعر الثوار الجميل مظفر النواب
منذ اليوم الأول من تشرين عندما تداعى شباب العراق في بغداد ومدن الوسط والجنوب ، وبعد ستة عشر عاما” من حكم المحاصصة الطائفية ونهب ثروة العراق وتدمير كيان الدولة وذلك بوجود وزراء غير مؤهلين لقيادة هذه الوزارة او تلك ، مع وجود عدد غير قليل من مزوري الشهادات في فروع متعددة العلمية والإنسانية ، ولذلك ان هذه السلطات المتعاقبة بعد الاحتلال الذي جرى عام 2003 لم تقدم أي عمل يخدم الشعب في بناء المدارس والمستشفيات والمصانع وبناء المساكن والتوزيع العادل للطلاب بعد التخرج كلا في مجال تخصصه ، بل كانوا مشغولين في كيفية سرقة أموال الدولة من خلال العقود الوهمية ، والتسابق في عملية الرشى في التوظيف لدوائر الدولة و لمجلس النواب ، كل هذه الأمور المتراكمة خلال الفترة المنصرمة وكما يقال في تص فلسفي في قوانين الديالكتيك الماركسي ان التغير الكمي يؤدي الى تغير نوعي ، ومن هنا انطلق المتظاهرين منذ الأول من تشرين في شعارين مهمين هما اريد وطن وهنا يفهم من الشعار اريد وطن ذو سيادة بدون أي احتلال وفرض الهيمنة عليه ويتمتع مواطنيه بوثيقة سفر تحترم في بلدان العالم ويفتخر العراقي بانه مواطن ببلد يتمتع بثروات نفطية وكذلك ثروة تراثية منذ الف السنين في حضارات سومر واكد واشور وبابل ، والشعار الاخر نازل اخذ حقي وهو يعني اني نازل الى الشارع اريد حقي في هذا الوطن لكي اتمتع بالعيش الرغيد في ظل بلد امن لا في ظل حكومة تسيطر عليها وتوجهها مليشيات محسوبة على أحزاب ، تعتقل وتصفي من يعارضها في ممارساتها القمعية ، وكذلك اريد ان اوفر المدرسة والمستشفى والمصنع للأجيال القادمة ، نعم انها مطاليب عادلة وتنسجم مع حقوق الانسان ، وما اقرته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية .
وامتدت التظاهرات الجماهيرية وشملت بغداد والبصرة وذي قار ، وواسط وميسان والديوانية والمثنى وكربلاء وبابل والنجف وهي كما اعلن المتظاهرون في البداية كانت ولازالت تحمل طابعها السلمي ، على الرغم من ان السلطة قامت بالرد على سلمية الناشطين والمتظاهرين والذين لم يحملوا سوى علم العراق ونشيد موطني ، بالقنص واطلاق الرصاص الحي والغازات السامة والقنابل المسيلة للدموع ، سقط على اثرها المئات من الشهداء الشباب وكان لسائقي ( التك تك) وهي سيارة صغيرة ذات الثلاث عجلات واصحابها بمبادرة منهم تم نقل الجرحى والشهداء الى اقرب المستشفيات ولم يشاهد دور لوزارة الصحة والاسعاف الفوري ، وارتكبت المجازر في ساحة التحرير وتحت نصب الحرية الأسطوري الذي سطر ملحمة الشعب العراقي بالانتفاض على الطغاة والدكتاتوريات التي تعاقبت على حكم العراق ، هذا النصب الذي عمله الفنان الخالد جواد سليم ، واستمرت عمليات القمع في البصرة وفي مجزرة ذي قار ( الناصرية ) اقدم عسكر الشمري وبتوجيه من القائد العام عادل عبد المهدي قبل تقديمه الاستقالة والمجزرة ذهب ضحيتها حوالي 100 شهيد من المتظاهرين وبعدها مجزرة النجف والتي تم تنفيذها من قبل زمرة حاقدة قامة بإطلاق النار من قبر محمد باقر الحكيم ، و مجزرة السنك وساحة الوثبة أقدمت مجموعة ممن يسمونهم زورا الطرف الثالث والسلطة تعرفهم من المليشيات المسلحة واقدمت على عمل مخطط له ومبرمج حتى بالاتفاق مع الفوات الأمنية المتواجدة في المنطقة ، والخدمة التي قدمتها هذه القوات هو أطفاء التيار الكهربائي لكي يطلق النار على اكبر عدد ممكن من المتظاهرين وارباك المتظاهرين وان يدب الرعب بين صفوفهم ، ولكن النتائج كانت عكسية رفدت الساحات بأعداد كبيرة من الشباب و الطلاب والمرأة العراقية الباسلة ، خابت امالهم بكبح جماح الانتفاضة وكسر شوكة الثوار .
اليوم وفي ساحة التحرير وهو المثل نجد ان من الضروري دراسة التجربة القائمة الان في الساحة وما سمي بجبل احد ، نجد اهتمام المتظاهرين بالثقافة ووجود مكتبة كبيرة تضم عناوين مختلفة لكي يتمتع القارئ بمطالعة ما يهمه ، أضافة للعب الشطرنج والدومينو والنرد و ممارسة الرياضة وهناك خيم للإسعافات واعداد الطعام بوجباته الثلاث الفطور والغداء والعشاء ، وهناك فصيل مسؤول عن التنظيف في الساحة ، والابد من نتذكر الفن التشكيلي واهميته في الرسوم على جدران الساحة وكذلك النفق لوحات جميلة معبرة ، ووضع الزهور في الطريق الى من النفق الى الساحة وللشعر دوره ومنه الشعر المعنى والموسيقى . كل هذا يدلل على التنظيم الجميل لهذه الثورة ، وأصبحت الساحة مثال لنقل التجربة في مدن العراق المنتفضة ، ورغم كل التضحيات الجسيمة في العمل البشري حيث وصل عدد الشهداء الى اكثر من 500 شهيد و 15 الف جريح نصفهم معاقين بسبب الإصابات ، وهناك اعداد غفيرة من المعتقلين والمختطفين من قبل السلطة ومليشيات الأحزاب ، وهناك مطالبات واسعة من الرأي العام العربي والعالمي ومنظمات حقوق الانسان بوقف القتل المبرمج من قبل الحكومة والخضوع للمطاليب الشعب العادلة ، المجد والخلود للشهداء الابراء والشفاء العاجل للجرحى والحرية للمعتقلين و المختطفين ، والنصر الأكيد لثورة أكتوبر المجيدة .