23 ديسمبر، 2024 12:06 م

ثوار العشائر وداعش

ثوار العشائر وداعش

من الخطاء الكبير التعامل مع (ثورة العشائر) كما يتم التعامل مع (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) وما أصطلح عليه إعلامياً (داعش) والذي تم الغائه و أقتصر على تسمية (الدولة الإسلامية) فقط . وهذا الخلط ليس من مصلحة العراق والعراقيين و يعقد المشكلة ويضعها في اتجاه الحل العسكري فقط خصوصاً أن (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) لا يؤمن إلا بالحل العسكري فقط لا غير وذلك كارثة وطنية مدمرة للبلاد والعباد لابد من تجنبها وإيجاد حل سلمي لهذا الصراع وعزل قوى التطرف من كلا الجانبين الذين لا يهمهم لا أرواح العراقيين ولا دمائهم ولا يفكرون بمستقبل العراق . والواقع يبين وجود إختلاف واضح جداً بين توجهيين متناقضين جمعهم مشترك واحد هو محاربة السلطة التي ظلمت (مجتمع الثوار) وبغت عليهم والتي يرفضها ويحاربها (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) ؛ خصوصاً بعد أن اعلنت السلطة الحرب على الثوار والحرب على مجتمع الثوار وبدأت تقصف المدن والمدنيين وتحاصرهم ولا تهتم بمواطنيها بل لا تعترف بهم وتعتقد بأنهم جزء من الثوار ولم تعترف بأي جهد للحل السلمي أو السياسي فكان دخول (داعش) معينياً لهم أمام جور السلطة وتعسفها وأستهتارها بارواح الناس طالما أن العدو المحارب واحد.

فما هي أوجه الخلاف بين (ثوار العشائر وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) ؟

أ- جذور ثـورة العشائر تعود إلى (الحراك السلمي) في المحافظات المنتفظة ولقد تمسكوا بشعار (السلمية) رغم معارضة قسم من (سُنة العراق) لهذا المنهج إلا إن الحراك السلمي كان مدعوماً من رؤساء الكثير من العشائر والكثير من علماء الدين وعلى بعض الخطوط السياسية معتمدين على تجارب (الربيع العربي) بإعتمادهم (السلمية) كوسيلة من وسائل الرفض لسياسة السلطة وتعسفها وكانت اهداف الحراك واضحة تتعلق بحقوق (سُنة العراق) حصراً وليس لها أي إمتدادات إقليمية أو أهداف دولية أو إسلامية خاصة. ولو استطاعت الحكومة إحتواء الحراك السلمي لقطعت الطريق أمام هذه الثورة المسلحة والسلطة و(المالكي) تحديداً دفع بإتجاه تحويل المعارضة السلمية إلى صراع مسلح . بينما الجذور الفكرية لدولة الإسلامية في العراق والشام ليست لها علاقة مباشرة في العراق بل إنها تطرح فكراً إسلامياً أممياً عاماً وتسعى لإقامة دولة إسلامية وتعتبر العالم كله ميدان لنشاطها ولحركتها وإن أسلوب عملهم يعتمد على (الجهاد المسلح) والعنف طريقاً واحداً وحيداً للعمل ولا يعترفون بأي عمل سياسي سلمي. ب- لا يجد الثوار اي تناقض بين (الوطنية) ومنطلقاتهم المذهبية بل ان أصل مطاليبهم تتعلق بحقوق الانسان في العراق وعدالة السلطة والقضاء العراقيين وحضارية الدولة العراقية وحرية إعتناق العقيدة وحرية الممارسات الدينية والحرية الفكرية في العراق بشكل عام والمساواة بين العراقيين امام القانون بغض النظر عن المعتقد والجنس والعرق واللون وتحريم الارهاب بكل اشكاله واصنافه وعلى وجه الخصوص الإرهاب الديني الطائفي الذي أستحكم في العراق لتدميره ؛ فالثوار (تنظيم محلي) . بينما (دولة الإسلامية في العراق والشام) تنظيم دولي عابر للقارات ولا يعترف (بالوطنية) ويعتقد انها (وثنية) وشرك كما هي (الديمقراطية) التي يسعى اليها ثوار العشائر وانها تتناقض مع الاسلام الاممي لذا فهو تنظيم غير عراقي (أممي) عابراً للحدود ولا توجد عنده مطاليب محلية. (ولم تكن اممية الإسلام تتناقض مع الخصوصية الوطنية للشعوب الاسلامية في الدول والحضارات الإسلامية على مدار التاريخ الإسلامي وإنتهاء بالدولة العثمانية ؛ كما لم تكن أممية الشيوعية تتناقض مع خصوصيات شعوب الإتحاد السوفيتي المتنوعة الإعراق والديانات)

ت- أن ثوار العشائر لا يناقشون مسألة التعايش بين المذاهب والطوائف والأديان والأعراق ولا يعتبروه قضيتهم ويعتقدون ببداهة التنوع العرقي والمذهبي للعراق ولا يسعون إلى إلغاء أي مكون من مكونات الشعب العراقي بما فيهم (المسحيين واليهود والشبك) وليس من فكرهم أو إهتمامات الثوار (التكفير) . بينما (الدولة الإسلامية في العراق والشام) يرفض هذا التعايش ويعتبره مناقضاً لمقتضيات الولاء والبراء ويكفر بسهولة كل من يخالفهم الرأي ولا يبايع لهم أياً كان دينهم.

ث- ثوار العشائر ليس لديهم طموح في حكم العراق لوحدهم وليس لديهم امير له صفة مقدسة لابد من مبايعته ويكفر ويقاتل كل من لا يبايعه كما هو الحال في (الدولة الإسلامية).

ج- ثوار العشائر ليس لديهم اجندات اقليمية او دولية وكل همهم محلي صرف بينما (للدولة الإسلامية في العراق والشام) إجندتهم الإسلامية العالمية وهمهم المحلي مجرد هم ميداني عسكري ولا يهتم بأي خصوصية محلية إلا بالقدر العسكري.

ح- إنتماء الثوار الى حاظنتهم الاجتماعية وهم إفراز مجتمعي وتعبير عن معانات اجتماعية محددة و ليس لدولة الإسلام في العراق والشام اي انتماء اجتماعي محلي بل هم حريصين على نزع هذا الإنتماء ورفضه . وفي المقابل فالتنظيم مرفوض إجتماعياً طالما تحقق الأمان للناس وطالما كانت السلطة في صف الناس.

خ- ثوار العشائر عراقيين ولا وجود لأي مقاتلين من جنسيات أخرى بينما الدولة الإسلامية في العراق والشام يظم كل الجنسيات العالمية .

ولن تستطيع الحكومة الحالية بجيشها الحالي حسم الصراع مع (تنظيم الدولة) مهما قتلوا منهم فهم طلاب الموت وسيأتيهم مدد لن ينتهي ؛ والكن الحل الوحيد هو عزلهم (عقائدياً وفكريا) عن طريق (علماء الدين السُنة) ومن ثم عزلهم (إجتماعياً) ومناطقياً بعد تحقيق العدالة والأمان وإقتناع الناس بسلطة التي توفر لهم الأمن والآمان والعدالة والرفاهية و توقف الوحوش الطائفية التي تداهم مساكن الناس وتعتدي على إنسانية الإنسان وكرامته وترهبهم وتتخطفهم لإسباب طائفية واضحة تقتل من تشاء وترمي من تشاء بسجون علنية وسرية وتنتهك كل شيء فيهم وتمزق أشلائهم وتستنزف كل مدخراتهم وتحطم مستقبلهم عندها سيتحالفون مع الشيطان إذا أعتقدوا إنه سيخلصهم من جور السلطان والمليشيات والقتلة والمجرمون السفلة والسراق الهمجيون . إستجيبوا لمطاليب سُنة العراق ليعم السلام ربوع العراق ولا تدوم دولة الظلم والتخلف ؛ليكن لهم دوراً حقيقياً في بناء الدولة وإستعينوا بهم لبناء الحضارة والسلام الإجتماعي.

الحل بالتحضر الإنساني ولا حل سواه غير الموت والدمار للسُنة والشيعة والتقسيم للعراق والعار كل العار للطائفين الجهلة المتخلفين ولكل من لم ينجح في جمع العراقيين وترفيههم ودمر العراق ولم يبنيه وعذراً لكل عراقي شريف ومعذرة وحباً للعراق صانع الحضارة.

*[email protected]