المختص في علم السياسة ودارس العلاقات الدولية لا يجد صعوبة في ادراك ، وتعقب السياسة الامركية على مر العقود التي تلت خروج هذه الدولة الكبيرة من حصنها بعد الحرب العالمية الثانية ، فاذا كانت العلاقات الدولية هي سلسلة تبادل طويلة يقع بضمنها تبادل السلع والافكار والعيارات النارية ، فان الويلايات المتحدة كانت ولا زالت تسير وفق هذا التعريف ولا حدود لسياستها غير المصلحة الذاتية في مجتمع دولي تسوده الانانية المطلقة والتوتر المستمر والحركة الدائبة للراسمال وتوجهه نحو استثماراته تلحق به القوة العسكرية لتحميه من المنافسة والاعتداء لان الراسمال جبان وملهم طرائق الحفاظ على النفس والموجودات المادية وعلى مساحة العالم كله ولذا وما دام للراسمالية صفة الثبات والبقاء فان السياسة الامريكية تتبع هذه الطبيعة فهي ثابتة في الاهداف متغييرة في الوسائل ، ومهما تبدلت الادارات ، لان الرئيس وطاقمه ، انما هم تابعين لنظام مؤسساتي ثابت الاداء مهما تغييرت الوجوه وان مجلس الامن القومي هو الجهة الوحيدة القادرة والمعنية بالتغييرات الحوهرية للسياسة الامريكية.
والمتتبع لهذه السياسة في الشرق الاوسط على سبيل المثال منذ الخمسينات يجدها سياسة الحفاظ على اسرائيل ، والعمل على التضحية بمصالح الدول العربية وبالمصالح الاسلامية بعد احداث افغانستان ولغاية تاريخه ،ولو اردنا تحديدا فهم ما يجري الان على الساحة العربية بعدما اطلقت الويلايات المتحدة شعارها المشهور الشرق الاوسط الجديد (على لسان جورج بوش الابن)وما تلاه من احداث الربيع العربي وعلى قاعدة الفوضى الخلاقة ،يجد ان تنفيذ هذه السياسة قامت على الانقلابية المفاجئة على الحكام القوميين التي جاءت بهم هي منذ انقلاب البعث الاول في شباط 1963 وبعده بشهر واحد انقلاب اذار في سوريا ايضا عام 1963 ويا للصدفة بعد شهر من انقلاب بغداد ، وفي عام 1968 جاءت بنظام البكر صدام ، وفي عام 1969 جاءت بنظام الملازم معمر القذافي ، وفي عام 1970 جاءت بنظام حافظ الاسد ، وفي عام 1970 ايضا هياة لمقتل عبد الناصر ليحكم مصر انور السادات ليوقع معاهدة الصلح مع اسرائيل وفي عام 1978 مكنت العقيد علي عبد الله صالح من السلطة في اليمن ، وهكذا وصولا الى مقتل انور السادات في 1981، ليستلم السلطة عراب امريكا في الشرق الاوسط محمد حسني مبارك ، ومن بعده زين العابدين بن علي في تونس، وقبل كل هؤلاء القوميين كان جعفر النميري في السودان يعادي كل تقدم يحصل في افريقيا ، وبعد اربعين عاما وبالتحديد منذ عام 2003 بدات بقلب النظم القومية لتمكن الاسلاميين من السلطة ، وهكذا مكنت الاحزاب الدينية في العراق ، وجبهة الانقاذ في تونس ، واسلاميي ليبيا ، او الاخوان المسلمين في مصر واليوم وبعد ستة اعوام من الصراع في سوريا لا زالت تدعم الاسلاميين المتطرفين فيها ولا زالت تدعم داعش بطريقة او باخرى ضد اسلاميي بغداد لامر في نفسها ، والمطلع على سياسة بوش الابن او من قبله مثلا سياسة بوش الاب او كلنتون يجدها هي ذات السياسة
معادات العرب والمسلمين ولكن باساليب مختلفة فقد كانت قبلا تسلح اسرائيل وتخلق الظروف لها لتضرب العرب ، واليوم تسلح اجنحة اسلامية سلفية للضرب في الدول العربية ، والاهداف واضحة هي اضعاف العرب والمسلمين مقابل تقوية اسرائيل ، والابقاء على سياسة بيع السلاح والعتاد للاطراف المتحاربة ، عليه سيرى القارئ ان السياسة الامريكية ستستمر دون تغيير جذري مهما تغرت الرئاسات او الاطقم ما دام الهدف لم يتغيير والمسالة اصبحت مسالة وقت على العرب والمسلمين اما الصحوة واما الاندثارتحت اقدام امريكا وحلفاؤها ما دامت هي المسموح لها من قبلنا نحن العرب المغفلين ان تصنع هي ذاتها لنا التاريخ ، وان نبقى تحت تاثير اشكالية الفهم الحقيقي لدور هذه الدولة في بث الفرقة والتخلف بين الشعوب….