لسنا من هواة التشهير والاساءة لأحد ، ولكننا جادون بالرد على تلك العقول التي تبحث عن فرص الدعاية الانتخابية على حساب دموع الآخرين ، ما حدث مع الاستاذ الشهيد محمد البديوي الشمري يتطلب منا جميعا وقفة جادة لتشخيص الاسباب والعوامل التي ادت الى ان تنتهي المشادة الكلامية بينه وبين احد افراد الحرس الرئاسي بهذا الحادثة المفجعة التي تألمنا بها جميعا ، وتركت في قلوبنا حزنا يضاف الى حزن بلادنا الطويل ، بلاد الالم والحسرة والخوف المستمر من غد لا يمكن تصنيفه الا بغد مظلم ومجهول …
طلقة غبية تاهت سبيلها لتوقف نبضات قلب انسان ، وتتحول الضحية بعد دقائق محدودة الى مادة سياسية واعلامية دسمة يتناولها الالسن بمزيد من الحقد والكراهية على امتنا الكوردية ، وكان الذي حدث هي من الحوادث الفريدة التي لم يشهدها العراق سابقا خصوصا في هذا (الزمن الديمقراطي ) الذي يقود دفته السيد نوري المالكي منذ دورتين متتاليتين ، ورسم من ((المعالم الديمقراطية )) في العراق الممزق على اشلاء المغدورين ، ما لم يرسمه أحد من قبله ، حتى أصبح العراق (بفضله وكرمه ) اللامحدود الى باحة للقتل العمد التي لا تفوح منها سوى رائحة الفتنة الطائفية والمذهبية ….
لسنا هنا بصدد الدفاع عن الجاني رغم كونه كورديا بل ولن ندافع عنه الا في حدود مبدأ القانون الذي يحتمنا جميعا ان نخضع لسيادته ، ولكن اذا ما حضر وفق معايير العدالة الاجتماعية والانسانية ، لأن الثوابت المبدئية التي نؤمن بها نحن الكورد تلغي تماما لغة العواطف والحياد الى جانب من يستحقون المساءلة والعقاب ، مما يؤكد اننا الكورد عازمون على تطبيق العدالة ولا نتردد في تحقيقها بعقلية منفتحة ناضجة تنظر الى الانسان كقيمة عليا الذي خلقه الله في احسن تقويم ، وهذا يعنى ان الكورد يختلفون في المزايا والخصال ، ولا يصنعون الضجيج ولا يفقدون توازنهم عند مواجهة اية معضلة كالتي حدثت بالقرب من المجمع الرئاسي في منطقة الخضراء ….حضور السيد نوري المالكي الى مكان الحدث بصحبة قواته العسكرية ، وانفعاله الشديد كان تكتيكا سياسيا بارعا أراد به ان يغطي من فشله الاستراتيجي في تحمله للمسؤولية الوطنية ، وما سببتها اجتهاداته الشخصية من يأس واحباط للعراقيين عموما ، في وقت وكل الدلائل تشير انه معاتب ماهر يجيد فن اختيار الكلام ، والذي استطاع ان يتحول من رئيس مجلس الوزراء الى زعيم قبيلة محاطا بالمئات من عناصر حرسه الخاص ، ويردد اما الملأ (الدم بالدم) ، وكانه في ساحة حرب عشائرية مفتوحة ، تأخر عن ملاقاة خصومه ، دون ان يدرك بان القانون هو الحاسم في تبني الاحكام القطعية بشان هذا الحدث أو غيره من الاحداث …. وهذا يعني ان استغلاله لدم الشهيد محمد بديوي نعرف مغزاه ومعناه الذي راح ضحية قلة وعي وثقافة مهنية ، وان حضوره تلك ماهي الا محاولة لتأجيج الفتنة وزرع روح الحقد والكراهية بين الكورد والعرب ، دون ان يدرك ان الحادثة لم تكن متعمدا ولا مقصودا ، وان حضوره على وجه السرعة الى مكان الحدث قد اعطى دليلا واضحا انه يتجاهل مكانته كرئيس لمجلس الوزراء ، التي تحتمه ان يتصرف وفق معايير مسؤوليته المناطة به ، ولا يخرج من اطار مهامه لكي لا يفقد من بريق شخصيته السياسية وهيبته الاجتماعية ….
ما يؤسفنا هي تلك الاصوات الخارجة عن اللاوعي الثقافي والسياسي ، حين يطالب البعض بخروج قوات البيشمركة من بغداد ، وكأننا نحن الذين فرضنا وجود هذه القوات في العاصمة بغداد ، متناسين ان كل الاطراف المشاركة بالعملية السياسية هي التي طالبت بضرورة وجودهم في بغداد بالاستناد الى قوة تاثيراتهم الميدانية في الوقوف بوجه التهديدات المضادة للعملية السياسية وشخوصها ، وهي التي ساهمت في تثبيت دعائم السلطة الاتحادية فلولا وجود هذه القوات لتحولت بغداد الى مدينة للانقلابات العسكرية الهادفة بالعودة بعقارب الساعة الى ما قبل عام 2003 ، ودون ان تدرك تلك الاصوات بحجم العاصفة العاتية التي بدأت تقترب شيئا فشيئا من جراء عقليات سياسية ضعيفة منهكة التي تهيمن على دائرة القرار السياسي ، ولا تقوى على التكيف في اطار المصلحة الوطنية العليا ، وتنظر الى الآن للكورد الشريك في العملية السياسية بمنظور طائفي ضيق ويتنكرون لخصوصيته الانسانية والاجتماعية التي ساهم بها بعصارة جهده وكفاحه الطويل لكي يضمن سلامة العراق وابنائه …
صفوة القول التي لا نخفي فيها صراحتنا ان الاصوات التي دخلت اسواق المزايدة بدم الشهيد المغدور محمد بديوي الشمري ، وتراهن الى الآن ببضاعتها الفاسدة ستخرج خاسرا كل شيء ما دام الجاني في امرة القضاء ، والذي يتحمل بدوره سلامته لحين ينطق القضاء بحكمه العادل حتى لا يتحول في نظر المزايدين الى ارهابي كما هو الحال مع كل من يدفعه الاقدار الى السجون والمعتقلات … رحم الله الشهيد محمد البديوي الشمري برحمته الواسعة ، والهم اهله وذويه الصبر والسلوان ….