23 ديسمبر، 2024 3:48 م

ثنائية صالح-عبد المهدي وفرص النجاح المتاحة في العراق

ثنائية صالح-عبد المهدي وفرص النجاح المتاحة في العراق

تشير المادة 66 من الدستور العراقي، النافذ في الخامس عشر من شهر تشرين الاول/اكتوبر من عام 2005 الى أن السلطة التنفيذية تتألف من رئيس مجلس الوزراء – ومعه التشكيلة الحكومية – ورئيس الجمهورية، وتفصّل في مهام ووظائف كل واحد منهما.
ورغم أن مساحات مهام ووظائف وصلاحيات رئيس مجلس الوزراء أكثر بكثير من مهام ووظائف وصلاحيات رئيس الجمهورية، بحكم طبيعة النظام البرلماني في العراق، الا أن تجربة ادارة الدولة خلال خمسة عشر عامًا مضت، أشارت الى حقيقة مهمة للغاية، ألا وهي أنه كلما كان التفاهم والتناغم والانسجام بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية كبيرا، سارت الأمور بشكل جيد نسبيًّا، والعكس صحيح، كلما كان التقاطع والخلاف والاختلاف هو السائد والمهيمن على العلاقة بين الرئاسات، كلما تأزمت الأمور وتعقدت، لينعكس ذلك على مجمل الحراك السياسي، وسياقات عمل الدولة.
على امتداد خمسة عشر عامًا لم تكن العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في أفضل حالاتها
وعلى امتداد خمسة عشر عامًا، لم تكن العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في أفضل حالاتها، بل انها اتسمت بحالة المد والجزر، أو البرود، إن لم يكن التأزم والتقاطع في بعض الأحيان، الأمر الذي انعكس سلبًا على مستوى الأداء الحكومي، وعلى تشريع القوانين والمصادقة عليها.
وفيما يتعلق بالدورة الجديدة التي انطلقت منذ نحو شهرين، وتستمر الى أواخر عام 2022، تلوح في الافق مؤشرات إيجابية، ترتبط أساسا بشخصي رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
ومن بين تلك المؤشرات الايجابية، أن الرجلين يمتلكان تصورات عميقة وواقعية لعملية بناء الدولة، واصلاح ومعالجة الضعف والخلل الذي يعتري مجمل هياكلها ومفاصلها، ولديهما فهم مشترك لما يحتاجه العراق، وتربطهما علاقات إيجابية طويلة، فضلا عن أنهما جاءا على خلفية تراكمات سلبية كثيرة وكبيرة، واجماع وطني على ضرورة إجراء الاصلاح والتغيير الحقيقي.
وما يساعد ويساهم بتوفير مناخات وفرص ملائمة للنجاح بالنسبة لصالح وعبد المهدي، يتمثل في التالي:
– نيلهما تأييدا ودعما وطنيا كبيرا وواسعا، يضاف إليه دعم وترحيب وتأييد اقليمي ودولي، وسيكون لذلك الدعم والتأييد أثر مهم جدا فيما لو تمت ترجمته الى واقع عملي على الأرض.
واذا كان برهم صالح قد حظي بمنصب رئيس الجمهورية بعد نيله أصوات الغالبية العظمى لاعضاء مجلس النواب، فإن عادل عبد المهدي، لم يكن مرشح الكتلة البرلمانية الاكبر، بقدر ما كان مرشح كل الكتل البرلمانية تقريبا، وهو ما لم يحصل في الدورات السابقة، اضف الى ذلك فإنه حظي بمساحة واسعة جداً من الحرية لاختيار أعضاء كابينته الوزارية.
– الانسجام والتفاهم بين الاثنين، سيكون عاملا اساسيا وجوهريا في تفعيل وتسريع تشريع قوانين مهمة لها مساس بمصالح الناس واوضاعهم الحياتية الاقتصادية والامنية، لاسيما اذا اتسع ذلك الانسجام وامتد ليشمل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
طبيعة توجهات ومواقف كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يمكن أن تدفع باتجاه خلق توازنات داخلية
– الظروف والاوضاع التي جاءا فيها، تختلف الى حد كبير عما كان عليه الحال قبل اربعة اعوام، فالجزء الاعظم من التحديات والمخاطر الأمنية زال وانتهى، بانحسار وتلاشي تنظيم “داعش” الارهابي الى حدّ كبير، الى جانب ذلك فإن الانتعاش المالي بفضل الارتفاع الكبير في أسعار النفط، يمكن أن يساعد في اطلاق الكثير من المشاريع والخطط الخدمية، في القطاعات التي تتصدر أولويات واهتمامات مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية العراقية.
– طبيعة توجهات ومواقف كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، يمكن أن تدفع باتجاه خلق توازنات داخلية، وكذلك توازنات في طبيعة علاقات العراق الخارجية، تفضي الى تخفيف الاحتقانات، وابعاد العراق عن ميادين التصادم والتقاطع بين الارادات الاقليمية والدولية، واكثر من ذلك يمكن ان يكون العراق محطة للتلاقي والتفاهم بين قوى واطراف متخاصمة، لتوفير الحد الادنى من الاستقرار والامن والهدوء الذي تحتاجه كل الاطراف بلا استثناء، في ظل بيئة قلقة وملتهبة وحافلة بالصراعات والخصومات.
ومثلما يقال فإن رؤية اصحاب القرار لمجمل الملفات والقضايا الاقليمية والدولية، تنطوي على اهمية كبيرة، لأنها بالنتيجة، تمثل بشكل او بآخر مسارات واتجاهات علاقات العراق مع محيطه الاقليمي والمجتمع الدولي.
على سبيل المثال لا الحصر، كتب رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي في السابع عشر من شهر كانون الثاني-يناير من عام 2017، مقالا تحت عنوان (التحديات والمستقبل.. الفضاء الاقليمي رئة العراق)، قال فيه “ان الحل الطبيعي الطويل الامد لسلسلة من العقد والمشاكل التي نعاني منها، يتمثل بالانفتاح بعقل وخطاب جديدين واطر جديدة، بدءاً من ابسط الاشكال الى اكثرها تعقيداً وطنياً ومع جميع دول الجوار، اي تركيا وايران وبقية الدول الاسيوية، ودول الخليج ومصر وبقية الدول العربية، وسواء نجحنا في تشكيل اتفاقات امن وحقوق خاصة وعامة وحرية انتقال الشعوب وتوحيد الاسواق والتعاون في شتى المجالات، او تحولنا لاطارات سيادية كالاتحاد الاوروبي، أو أي شكل أقل أو أرقى، فإننا سنتحول الى قوة عالمية يتجاوز سكانها المليار نسمة.. قوة روحية ودينية واقتصادية وأمنية وسياسية وثقافية وتجارية وسياحية وحضارية وبيئية وعلمية وتكنولوجية وفضائية ونووية وفي المواصلات والاتصالات والطاقة قل مثيلها.. لها ككل، ولدولها على انفراد، احترام وندية عالمية لا يمكن ان تبلغها بمفردها. قوة تستطيع ان تحوي التنوعات الدينية والمذهبية.. وتستطيع ان تقدم حلولاً للقضايا القومية المختلفة. وتستطيع ان تقف مع كل دولة في الفضاء الإقليمي تساندها في حل مشاكلها المحلية”.
وفي موضع آخر، يشدد عبد المهدي على أهمية “مواجهة التدافعات والتداعيات نحو نهايات تحقق مصالح الشعوب والدول، لا ان نسمح لها لتكون ادوات لمزيد من الانقسامات والتدخل والتضعيف”.
– مساحات التأييد والدعم الواسعة، يمكن ان تساعد في تشكيل فريق حكومي مهني وكفوء ونزيه بمقدار كبير، فريق حكومي غير خاضع بأقصى قدر ممكن للاجندات والمصالح والحسابات الحزبية الضيقة، التي فرضت نفسها طيلة الاعوام الخمسة عشر عاما المنصرمة، وتسببت بتفشي الفساد الاداري والمالي، وغياب التخطيط، وطغيان المحسوبية والمنسوبية، والتخادم السلبي بين الفرقاء.
كل ذلك لا يعني ان الطريق ستكون سالكة ومفروشة بالورود، بل ان المصاعب والعقبات والعراقيل لن تكون قليلة هي الأخرى، ما يتطلب جهودا متواصلة، ومعالجات حازمة، وحلولا سريعة، وصبرا طويلا، حتى تتبدل معالم الصورة، وتتغير ملامحها والوانها، وتتبدد وتتلاشى عتمتها!.