أوصاني أبي عن جدّه عن أجداده (( إذا رَأيتَ دَمَ الأبرياءِ يُسْفَكْ .. فَلا تَسْكُت عَنْ مَنْ سَفَكْ ))
تأسفتُ كثيراً على ماحلّ بجناب السيد علي العلّاق من أهل بلدته، وهم يهتفون بطرده منها، ويطلبون منه أن لا (ينتوي) التشرح عنهم للبرلمان العراقي، حتى قال قائلهم على ابن رسول الله ( كيف تكذب وأنت سيد ؟) ، فليت السماء اطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل، قبل أن أسمع هذا الخطاب وهذا الهرج والمرج عليك فُديت.
مايريدون من الرجل ؟ ولم عاملوه بهذه القسوة ؟ أمثل أبي جعفرٍ العلّاق تخرج الجموع هاتفةً ضدّه ؟ هذا المناضل البطل الغيور، هذا الدعوچي الأصيل .. إنها لعمري من علامات الساعة، حين ينتفض شعب المگاريد على عمامات الصناديد، ولو عرفوا الرجل ما فعلوا فعلتهم الشنعاء تلك.
السيد النائب علي العلّاق، مهندس كيمائي ذكي ومثابر، أفنى حياته بالنضال والدعوة الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة، شكّل خلايا حزبية، بعيدة عن أعين رجال الأمن في دولة الطغاة، يتواصل معهم بكل حذر ورصانة، كان يسعى لقلب نظام الحكم الصدامي في سبعينيات القرن المنصرم، لكن حالت الأقدار دون تحقيق حلمه، ففي ليلة هوجاء، ألقي القبض على كل أفراد التنظيم، وشائت العناية الإلهية أن تنقذ البطل علي العلّاق، فأعدموا جميعاً ونجى السيد علي العلّاق ! ولعل الله أراد لهذا الرجل قدراً أسمى وأرقى من نيل الشهادة، إذ حملته الأكف المباركة لتخرجه من العراق الى بلاد فارس، حيث التقى بمن سبقه من رفاق الدرب، في مشهد يدمي قلوب العذارى، وكلٌّ ينوح على ربعه، كيف زُهقت أرواحهم وكتب الله لهم النجاة ؟
ثم لبس العمامة، تفرغ لعلوم الفقه والتفسير، ومناجاة الرب الكبير، كان حينما يمشي ينسكب منه النور يميناً وشمالا، يجوب المدن والقصبات والقرى النائية في بلاد فارس، ينشر إسلام جدّه وعلوم أهل البيت عليهم صلوات الله وسلامه.
ثم لبس القلنسوة، واعتلى صهوة جواده، شاهراً سيفه في جبهات القتال، في الجانب الآخر ضد أبناء عموته ومگاريد شعبه، اسوةً بمحنة جدّه علي ابن أبي طالب في معركة الجمل، وتمثّل بقوله وهو ينظر الى قتلى الجيش العراقي ( قتلتُ أهلي قتلتُ ربعي .. ليتني متُّ قبل هذا بعشرين حجة ).. فللّه درّك أبا جعفرٍ على هذا القلب الكبير.
ثم طالت المحنة، وانتهت الحرب الطاحنة، بلا غالب أو مغلوب، جاءت سنين الحيرة والإبتلاء المطلوب، فكان لها خير عبدٍ لنعم الرب، واستخار الله في انتفاضة الشعب بعد حرب الخليج وتحرير الكويت، استخار الله في الالتحاق بركب المنتفضين في الوطن وليقود جموع الثائرين نحو الصنم، لكن تشاء العناية الإلهية مرة أخرى ، ويشاء اللطيف الخبير دون مراد الرجل، فتخرج الآية الكريمة أمامه (( ألم ترَ كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل )) فعلم أنّ الله من سيرسل الطير الأبابيل، على حاكم بغداد، لترميه بحجارة من سجّيل، واكتفى بالدعاء للمنتفضين عقب صلاة الليل، وعند ضريح فاطمة المعصومة في قم المقدسة.
ثم ( ضاجَ ) السيد من طول بقاءه في بلاد فارس، فقرر الالتحاق ببلاد الإفرنجة، ليواصل جهاده ونضاله حتى إسقاط الصنم، وانطلق في الأسفار، من بلد الى بلد، ومن قچقچي الى قچقچي، تحفّه الملائكة وتحرسه بركات الجواز الدبلوماسي الفارسي الذي معه، حتى وطأت قدمه المباركة أرض الدنمارك، وتشاء الظروف المباركة والرحمة الإلهية أن يدخل السيد المناضل إلى غرفتي في أول دخول له في مركز اللجوء، كنت أرى في سيماه نور الأشراف، وفي محيّاه أدب الأنبياء، فحرتُ من أمر الرجل، ومن يكون، وحين أدركت أنه آخر من تبقى من أصحاب حامي الشريعة، وقعت على يديه أقبلهما، ودموعي تسيل على خدي، لكن الشيطان دوماً كان يحول دون خدمته، فخذلتُ السيد المبارك في أكثر من خدمة طلبها مني، وتركت بحث الخارج الذي شرع به معي.
ثم حصل على الإقامة، وتوجه الى العاصمة، وبيده كتابٌ من الأمير، ليعزل الشيخ أبا قاسم ( النائب كمال الساعدي ) من إمامة الجمعة والجماعة، ولبس العمامة بعدما رمى ملابس الإفرنجة، وأتت الجموع المباركة الى بيعته، والقبول بطاعته، ودفع الخمس لسماحته، والسيد علي العلاق كان منصفاً في التصرف بهذه الحقوق، فكان يرسلها بعد حسم نسبته منها الى المقدس الأعظم ( السيد محمد حسين فضل الله ) في بيروت، وانشقت الصفوف، وبدأت الصراعات، والانفعالات، وكنّا أمّة وصار أولاد عمومتنا أمّة، ببركات السيد علي العلّاق.
ثم سقط الصنم، وتحرر البلد من الذئب الذي يفترس الغنم، فالتحق السيد بركب الرفاق في الوطن، كان يتردد على العراق ويعود إلينا بأخبار الوطن، نجلس مقرفصين في حضرته ليخبرنا عن خارطة الطريق، في توريد السيارات المستعلمة الى العراق ! كان حريصاً كل الحرص على مصير الشعب المقهور، ويوصي بسيارات الأوپل واللاندگروز، فهي تباع بسرعة ولا توغّف على القلوب.
ثم صار نائباً، ويشاء اللطيف الخبير أن يعلو ويعلو في مراتبه، ويروّج معاملة الدمج السياسي لحساب سنوات خدمته الجهادية، وصرف استحقاقاته المالية، فزمن طريق ذات الشوكة، قد عبره بعدما أدمت قدماه روحي فداه.
ثم طالبته مملكة الدنمارك الكافرة البليدة، بمستحقاته من الضريبة، ونشرت صورته على أول صفحة في الجريدة، وقالت خاسئة ( الإمام العراقي يغش في الضريبة )، فتباً لهم من هذه الفضيحة، والسيد مطلوب لديهم إن جاءتهم وشاية جديدة، لكنما الله الذي حفظ هذا العبد الصالح كان لهم بالمرصاد، فالسيد بعد ماحصل على الجواز الدنماركي الأحمر، صار يجوب البلدان دون خوفٍ منهم أو وجل.
ثم أتت السنوات المباركة، وملأت صوره وأخباره أرجاء البلد، هذا هو المجد الذي كانت نفحاته بجبهته تتطلع، مبارك لك أيها السيد الجليل من مجدٍ تتوسده.
لكنما الناس، ما رأوا منه مايثبت لهم ولاءه، فلا حال تعدّل، ولا دمٍ توقف، ولا دنيا زهت.
فخذها سيدي العلاق، واضحةً كالشمس في رابعة النهار، إنّ أهالي السدّة الهندية التي تنتمي إليها ينعتوك بالغريب عنهم ويهتفون لك
( علي العلّاق .. هاي السدّة متريدك ) ( ويطلع من السدّة .. أصوات ماعنده ) ( أهالي السدّة يرفضوك رفض قاطع .. ممنوع توصل السدّة )
إعلم رحمك الله إني لست شامتاً بك، ولكنني أحمد الإله الذي في السماء الذي أراني هذا اليوم، فاسعَ سعيك وكد كيدك فوالله لاتطفىء نور إرادتنا.
الرابط المبارك للتظاهرة الشجاعة ضد النائب علي العلاق
http://www.youtube.com/watch?v=XuKZTvCHBmA
والرابط التالي للصحيفة الدنماركية الصفراء
http://ekstrabladet.dk/112/article1210248.ece