22 ديسمبر، 2024 8:53 م

ثمري هبة السماء فهل رُدّ الجميل.!

ثمري هبة السماء فهل رُدّ الجميل.!

اجتر آلامي بأسنان الأمل, ترفعت نفسي عن طلب الراحة بطول الأجل, تأسيت بالصبر عنوان، وبالفكر حجة وبيان, وبالعمل علو البنيان.

في يوم شتاء دافئ كأحضان أمي المرملة بعز شبابها, خرجتُ وحيداً انشد العزلة ملاذاً والألم قوة, جلست متكئ بجذع نخلة عجوز، عاشت من السنون حلوها ومرها, رأت شتى أنواع العذاب، أعطت من ثمارها البر والفاجر.

 سخرت نفسها لفائدة الإنسان, لم يخطر يوم من الأيام ببالها أن تستعلم حال من يأكل ثمرها، هل هو اسود أم ابيض، هل هو سني أم شيعي, عربي أم كردي, كانت وما زالت محتفظة بكل معاني الوفاء للخدمة والعطاء.

سألتها وعبرة الأحزان لم تفارق تقاسيم وجهي: هل مَرّ عليك في يوم ما “أبي” واستفاء بظلك.. وأكل من ثمرك, هل كان له موقف معك, هل طلب منك شيء.

أجابت وقد اهتز سعفها وارتعدت فرائصها: “نعم مَرّ بي في يوم حار وجلس كما تجلس أنت ألان, طلب مني بعض الرطب لأهله وأحبائه, مقابل ذلك قام بتكريبي وتنظيفي دون طلبي منه, قضى معظم النهار معي لكنه لم يكن بحال يُسًرّ كأنه على سفر بعيد”، فسألته: “مالي أراك مهموماً حزيناً قد بانت ملامح التعب على وجهك الباسم”.

فقال لي: “أيتها النخلة ما هي إلا سويعات وارحل دون رجعة, فالعالم لم يعد لنا فيه مكان, استشرى الظلم والفساد وتبعثرت أوراق الخير دون استطاعة لجمعها فكلما حاولنا تغيير الواقع صدمنا بنفوس ضعيفة تسعى بكل قوة لإبقاء الظلم, لم أشأ مكاشفتك ولكن؛ أعرفي إني لم أكن في يوم ما ممن اسلم نفسه للقدر، أو ساوم على حساب إيمانه ومبادئه احتفظي بتلك الكلمات, عسى أن تشهدي لي بحسن النية والسريرة”.

النخلة: انصرف عني بخطى واثقة, مبتعداً عن ناظري, وكنت خائفة عليه من القدر اللعين، مرت مدة من الزمن وإذا بأحدهم يجلس محتمياً بظلي أكل من ثمري حتى شبعت معدته الخاوية, وعلامات الذعر قد بانت على وجهه رغم محاولة إخفائه لها, سألته ما بك مرتبك خائف, قال: لا شيء، قلت له تكلم فلا خوف مني.

قال: لقد أعدمنا مجموعة من الشباب كانت خارجة عن قانون الحزب ومبادئه الحقة, وكان بينهم شاب طويل القامة صلب الجأش أثار استغرابي، لم يعترف ولم يبح بكلمة رغم كل ما فعلناه به، قالت النخلة: وما فعلتم به؟؟

قال قمنا بقطع أطرافه واحد تلو الأخر ظناً انه سيعترف ولكن دون جدوى؛ فلم يبح بكلمة بل كان يردد كلمات: “سيأتي عليكم يوم تخذلون ولا ناصر لكم”، استدللت من كلامه أن الشاب هو أبيك فلم أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء، وقلت له سيكون ما قاله لكم عاجلاً أم أجلاً, فقام ذلك الرجل واخرج فأساً وضربني بشدة وقال لي ويحك من نخلة عجوز شمطاء, حتى النخل يعارض ما نقوم به.

ذلك حال النخلة البطلة لم تخف أو تهن في إنصاف الحق بكلمة وقالت لي: “اليوم ما أكثر الرجال الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء يأكلون من ثمري و يتفيؤون بظلي خرجوا من مخابئهم اشد قوة وطغيان واستعلاء”.

أجبت النخلة وبركان الحزن بداخلي: “سيبقى الحق أقوى من الباطل”. وموازين السماء أسمى وارفع شأناً.