• الخلل قائم قبل الكارثة
• يوتوبيا آفلة.. أطفأها العسكر
ثلاثة فيضانات عاشها العراقيون، احدها عام 1954 في العهد الملكي، واثنان في عهد نوري المالكي، واجه الجيش باشراف الملك شخصيا، الفيضان؛ طالبا نجدة دولية، ماذا فعل المالكي لشعبه؟
لا شيء، مكتفيا بالقاء اللوم على الكتل السياسية، التي تعيق تنفيذ المشاريع، ما يدل على دولة فاشلة، متهافتة، وفق حكمة الامام علي.. عليه السلام: “لا امر لمن لا يطاع”.
العذر أسوأ من الذنب نفسه؛ كيف يتشفع رئيس وزراء بعدم نفاذ كلمته على دوائر دولة هو رأسها، واذا كان رب البيت بالدف ناقر، فكل اهل البيت شيمتهم الرقص، اي بالمثل البغدادي : “السمكة خايسة من راسها”.
فالضعف والهوان وهناً على وهنٍ، السمة الغالبة لدولة ساقها القدر الى مخالب رؤساء لا يعنون الا بالحفاظ على كراسيهم، يتلاقفونها من طاغية الى ديمقراطي، وبالنتيجة، الشعب لم يحصل حتى على الحد الادنى من سلامته، لا في عهد ذاك ولا في عهد هذا.. إهمال تلو إهمال.
لا شيء، فالبركة والخير والوئام، بين الشعب وحكومته، ولى مع مجيء آفة العسكر، في 14 تموز 1957، بعدها بات العراق، دولة مفتقرة للوضوح الاخلاقي.
اعتمدت الحكومة، خلال فيضاني المالكي، على الاعذار، وبرأت نفسها، بفذلكات لغوية، ان لم تسفر عن تقصير، فهي تدل على انها حكومة لا هيبة لها، بينما وظف الملك فيصل الثاني، الامكانات البسيطة المتاحة، واستعان بمدد دولي، لم يتردد عن نصرته إزاء الطبيعة؛ لأن شعوب العالم تحترم حكمة الملك ومواقفه الدولية المتوازنة، وتحترم علاقته بشعبه، وحرصه على ارواح وممتلكات العراقيين؛ لذا هب العالم لنجدته وتخفيف آثار الفيضان عنه.
هل حقق المالكي هذا المستوى من الانتظام تناغما مع المحيط الدولي؟ أشك؛ لأنه يتخبط من الداخل، بما ادى الى قطيعة اقليمية، بينه والعالم، متعذرا بعجزه عن إدارة شؤون الدولة، من الداخل، وفق سياقات العمل الخارجية؛ فالعالم لا يثق بطائفي يهمش مكونات شعبه، انحيازا لقناعات احادية.
ومن اغرب الاعذار الحكومية، ان الكارثة لم تختص العراق وحده، في حين العراق لم تجتاحه سيول كمثل تلك التي ضربت السعودية والكويت، لكنهما سيطرا عليها.
المشكلة العراقية تكمن في مجاري الصرف الصحي، التي لا تتسع لزخة مطر من مليمين، وما تفرزه البيوت، اكثر من ثلاثين مليما، كمعدل عام، اذن الخلل قائم قبل الكارثة.
ونحن لا نعنى بالمعالجات الا عند وقوع المشكلة، اما الحلول الاستباقية، فيدعى لها؛ كي تصرف تخصيصات المشاريع الى ارصدة المسؤولين شخصيا.
كم “لا” تكررت في هذا العمود، من دون “نعم” واحدة، بودنا لو وجدنا ما نقول بشأنه نعم كما نقولها عند قراءة تاريخ الملوك، حنينا الى يوتوبيا آفلة، أطفأ العسكرانوارها المشرقة، ثم تذابحوا في ما بينهم، استحواذا على الكرسي، وتركونا مكشوفين للاعداء والطبيعة و… كوارث.