23 ديسمبر، 2024 6:31 م

ثلاث رايات رفعها الامام الحسين عليه السلام

ثلاث رايات رفعها الامام الحسين عليه السلام

مهما تصاعد غبار الحقد ورسمت الاقلام المأجورة  افكارا تتلاشى بها اثار واقعة الطف والثورة الحسينية ومأساة كربلاء وأن  كبر حجمها واتساع مساحتها  لم تستطع ان تخرج ذرة حبُ من ثنايا  قلوب عشاق الحسين عليه السلام , معركة الطف نزيف يحمل كل معاني الانسانية بمختلف اتجاهاتها حفرة في ذاكرة كل أنسان يستطعم فيها حلاوة الصبر ومعاني التضحية وقمة الوفاء الاخوي وعنفوان الشجاعة  وإثارة النفس على اهوائها في اصعب الظروف , لم تكن واقعة الطف معركة دنيوية تعتمد فيها حسابات الربح والخسارة والا لما كانت وستضل خالدة الى اخر يوم من ايام الدنيا  ان شاء الله وخصوصا انها حدثت في صحراء بعيدة عن أعين الشعوب وتنعدم فيها  وسائل الاعلام التي يكون لها دورا واضحا في ابلاغ الصورة الى العالم , وبما ان التخطيط  جاء من السماء وبرعاية الله ليتم التبليغ والتنفيذ على احد سبطي الرسول صلى الله عليه واله فقد تكفل الله بنشرها عن طريق اهل بيته وكان للسيدة زينب عليها السلام الدور الواضح والكبير في كسر طوق القمع واظهار شلال الدم الذي وضع الاساس لمدينة سينعم اهلها وكل من دخلها زائرا عارفا بحق الحسين  عليه السلام الجنة وتغفير الذنوب ,الحسين حارب من اجل ثلاث رايات بعيدا عن الشهرة وتسلم المنصب كما قال (اني لم اخرج اشرا ولابطرا لاومفسدا ولا ظالما)  وقال الكاتب الإنجليزي كارلس سايكوس ديكنز
إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام, واحدة من تلك الرايات التي رفعها الامام هي الشجاعة وهنا لانقصد بان الشجاعة وهي من يحمل السيف ويقطع الطريق ويحصل على حقه بالعنف والقتل  انما ابلغ من ذلك في نظر الامام, الشجاعة وهي مجموعة من القيم كانت بمثابة الطوق الذي علق في عنق كل مسلم من الكرم والامانة والنزاهة والاستعطاف والعفو عند المقدرة والسماح وأن لايرمي عدوه بعد ان يبصرٌهم ويتفاوض للسلم قبل الحرب ويقيم عليهم الحجة , الامام الحسين عليه السلام خلف لنا عنوانا وطريقا معبدا بالحرية وبعيدا عن الجور والاعتداء , وهي رسالة الى العالم الاسلامي ولكن يؤسفني ان اسجل ملاحظات كثيرة لعشاق الحسين عليه السلام وتصرفاتهم ومخالفتهم لمفهوم الشجاعة وابتعادهم عن اسمى معاني الفداء والاباء , هذا العالم الآثاري الانكليزي وليم لوفتس قال ( لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الانسانية وارتفع بمآساته الى مستوى البطولة الفذة ) اما المستشرق الالماني ماربين قال( قدم الحسين درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته وأدخل الاسلام والمسلمين الى سجل التاريخ ورفع صيتهما , واثبت هذا الجندي الباسل في العالم الاسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لادوام له ) وهذا القول يساير القول المشهور عند المسلمين الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء, والراية الثانية التي رفعها الامام اثناء المعركة هي راية الحق وهي نقيض الباطل والذي يطالب بالحق عليه ان يستمر فيه مهما كان الثمن , وان للامام حقا كبيرا لايمكن ان يتجاهله او يؤجله فاندفع الى سوح القتال مطالبا بالحق الشرعي والثبات على سنة رسول الله بعد ان اوشكت هذه السنة ان تتغير على يد يزيد اللعين فأن لم يخرج الامام على يزيد وبقى في المدينة لتغير مجرى التاريخ الاسلامي ومعنى العبودية الحقيقية وذهبت تضحيات الاسلام في العصر الاول هباءاً منثورا ً, فالحق لم يتقايض عليه الامام ولم يسكت عنه ولو سكت اهل الحق على اهل الباطل فيظنون ان  اهل الباطل على حق  فيتغير مسار الانسانية واطار الدين ويضعف الايمان وتهتك به الحقوق وكما قيل  الحق يعلو ولا يعلى عليه , اما مايخص الراية الثالثة فكانت تخص العدل وهي احترام مشاعر الانسانية والالتزام الخلقي بالمبادىء والافكار والثقافة والابتعاد عن العادات والتقاليد المشينة والعصبية القبلية فمعنى العدل عند الامام الحسين عليه السلام لايتصوره البعض وهو الانصاف فقط ,وانما وضع الشيء في موضوعه واعطاء كل مخلق ما يستحقه وهذه نظرية الله الى البشر , فعدالة الامام الحسين عليه السلام وحلمه وشجاعته هي التي تأسف بها وبكى وقال هولاء القوم سيدخلون النار بسببي , العدالة عند الامام تعني الرحمة والشفقة حتى على اعدائه كما تعني ايضا الالتزام بشرعية الدين في اقصى الدرجات حتى لو تعرض فيها الى القتل , وعدالته تطابق شجاعته قبل المعركة بثواني ان يكون عادلا مع اصحابه ان يضمن لهم الجنة وان لايهتك حق من حقوق الله في الساعات الاخيرة قبل المعركة حينما وجههم الى الالتزام بالصلاة كعنوان وشاهد لجميع المسلمين مهما اشتد بكم الامر ومهما ضاقت عليكم المواجع فركعة واحدة بين يدي الله سيسهل لكم الامر ويخرجكم من الظلمات الى النور , وعدالته ان يقول الى اصحابه في الليل ان العدو يطلبني انا واتخذوا هذا الليل جملا فكل واحد منكم ان ينجوا بنفسه وانتم في حل عن بيعتي , العدالة هي الصراحة والقوة والايمان والتصميم على الارادة , الثورة الحسينية لاتحتاج منا الا ان  نحفظ تراثها من خلال تظافر الجهود والاهتمام بشعائر واحكام ما خلفته لنا واقعة الطف  من الامانة ومساعدة الناس والتخلص من الاثار النفسية  التي تركها لنا النظام البائد ومحاربة الفساد واجهار الحق بصوت الظالم , وان تستثمر منابر الدين ايام عاشوراء كون الفسحة ممتدة في معظم المحافظات والحظور الجماهيري  كبير جدا  على تربية جيل وتنشئة المسلمين بما نادى به الامام الحسين عليه السلام وما يقوم به الخطيب الحسيني الشيخ جعفر الابراهيمي جزاه الله خيرا  من التركيز  على العبر والمواقف واستخلاص النتائج من واقعة الطف وربطها بالمستقبل  وأبراز الجوانب السلبية وشرح احداث تاريخية وعلاقتها بالحاضر ومواجهة التحديات اكثر نفعا من النعي المستمر .