حالة من التشاؤم و القنوط تهيمن على اولئك الذين يحلمون بعراق ديمقراطي و حر بحق، لأن أجواء الفساد و المزايدات الرخيصة و اللف و الدوران و المخططات المشبوهة، تهيمن على المشهد الانتخابي في العراق، لکن الخوف الاکبر لازال من رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي نفسه لأنه يجمع کل أسباب القوة بيده و يوظفها جميعا من أجل عودته لولاية ثالثة.
الانتخابات تجري في أجواء غير طبيعية بالمرة و حتى انها تثير شکوك و توجس العديد من الاوساط الاقليمية و الدولية، ذلك أن المالکي لايزال هو القائد العام للقوات المسلحة و جميع القوات العسکرية و الامنية بأمرته دونما أية رقابة قانونية ولأکثر من أربعة أعوام يتحکم المالکي و بصورة مباشرة بوزارتي الداخلية و الدفاع و الامن و الاتصالات، وهو بذلك ينتهك و بصورة واضحة إتفاق أربيل، کما انه قد عين مقربين و محسوبين عليه من خاصته في کل المناصب الرئيسية.
السلطة القضائية هي الاخرى لم تسلم من سطوة و نفوذ المالکي المتعاظم، حيث انه و من خلال التأثير على السلطة القضائية بوسائل مختلفة إنتهك و إخترق استقلاليتها و بادر الى تعيين قضاة عراقيين يخضعون للسلطة التنفيذية، وان هذا الامر يثير الکثير من المخاوف ولاسيما عندما أخذ إحتمالات أن يستغل السلطة القضائية”الخاضعة له حاليا”، لإصدار أوامر او قوانين لصالحه، بل وانه قد شرع بإستغلال السلطة القضائية بهذا الاتجاه ولاسيما بعد أن إعتمد البرلمان العراقي في العام الماضي قرارا يقتضي بموجبه أن لا يحتل شخص واحد أي من المناصب الرئيسية الثلاثة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، لأكثر من ولايتين. ومع ذلك من خلال التأثير على النظام القضائي أعلن أن هذا القانون غير دستوري، على الرغم من أن الدستور لا يمنح هذه السلطة للنظام القضائي.
المعلومات الواردة من العراق و مايقال هنا و هناك، تؤکد بأن المالکي و تابعين له متورطين بقضايا فساد من خلال تخصيص مئات الملايين من الدولارات لشراء أصوات الناخبين، مثلما أن هناك أقاويل بخصوص إستصدار بطاقتي إقتراع لأکثر من مليون شخص من منتسبي القوات المسلحة و القوات الامنية و قوات الشرطة و التي ستمکنهم من الادلاء بأصواتهم مرتين للمالکي.
تحجيم السنة و التقليل من دورهم خصوصا وانهم يمثلون أحد أهم الاطراف المعارضة لإنتخاب المالکي لولاية ثالثة فإن إستمرار الحرب المفتعلة اساسا من قبل المالکي في بعض مناطقهم الى الحد الذي يمکن القول انهم يواجهون مايشبه إبادة جماعية، هي نقطة أخرى لصالح المالکي و يوظفها من أجل ضمان إنتخابه لولاية ثالثة.
أما تدخلات النظام الايراني المستمرة و بصور مختلفة، فإنها هي الاخرى تصب في صالح المالکي ولايوجد هناك دليل واحد بإمکانه إقناع الاطراف العراقية المعارضة لإعادة إنتخاب المالکي لولاية ثالثة بشأن ضمان عدم تدخل النظام الايراني بهذا الخصوص، بل وان التصريحات الاخيرة لقادة بارزين في طهران قالوا فيها ان إرادة النظام الايراني هي التي أبقت نظام بشار الاسد و حافظت عليه من السقوط ولم تفلح إرادة قرابة ثلاثين دولة في إسقاط الاسد، بإمکانها أن تعطي أکثر من إنطباع بأن يعيدون نفس السيناريو بالنسبة للمالکي خصوصا وان نفوذهم و کلمتهم في العراق هي العليا.
المالکي من خلال ثلاثية المال المتوفر بين يديه و الذي هو اساسا للشعب العراقي، و السلطة التي يتمتع بها خلافا للدستور و القانون، و الدعم الخارجي و تحديدا الايراني الذي يتمتع به، يجعله بمثابة کابوس مهيمن على الانتخابات العراقية القادمة التي لو جرت فإن المالکي و بنائا على ماقد أکدناه آنفا، سيحسمها لصالحه، و يبقى السؤال اللغز: هل سيبقى الامريکان ناطور خضرة کما يقول المثل العراقي الدارج؟