يتبادر في كثيرٍ من الأحيان إلى الأذهان، سؤال يختص بطبيعة العلاقة فيما بين المنتظرين وصاحبهم المُنتظَر الذي ينتظرونه، هل نحن منتظِرون حقاً، وجديون في إنتظارنا، أم أن هناك أموراً أخرى قد إستهوتنا، لتجعلنا نسلك هذا الطريق ؟، سؤال ليس بغريب وطبيعي جداً، لابد من طرحه يومياً وبشكل متكرر، على النفس والتفكير مليا وبهدوء قبل الإجابة عليه، لضمان حسن العاقبة، فهل ما زالوا ثابتين يسيرون بعزم بإتجاه صحيح في طريق الإنتظار ؟.
وقبل الإجابة على هذا التساؤل المهم الذي لا مفر منه، لابد من معرفة عدة أمور، من شأنها حلُّ ألغاز هذا السؤال، أولاً؛ من هو المنتظَر ؟!، ولما التعجب !، قف هنيئة وإصبر، وإهدأ حتى لا تتسرع في الإجابة، نعلم جميعا وبشكل جيد، مالذي يجول في خاطرك من إجابة، ستقول لتجيب بسرعة كبيرة، إنه الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه)، جميع من طالع حياة أهل البيت (سلام الله وصلواته عيلهم) يعرفه بحسبه ونسبه، لكن عن جد أكلمك من هو، لم غاب، لم حتى شيعته أو لنقول محبيه لا يرونه ؟، ثانياً؛ ما هو طريق الإنتظار، ما شكله، كم يبلغ طوله؟، ثالثاً؛ من هو المنتظِر ولم ينتظِر وما هي صفاته التي أهلته ليستحق هذه الرتبة ؟ .
نأتي فنجيب بدقة دون إستعجال، فما زال هناك متسعٌ من الوقت، لكن لندركه قبل أن يدركنا !، أما علمت إن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فالموت قد يأتي في أي لحظة دون أن يطرق لك باب، فنحن في زمن المتغيرات حيث الفتن العاصفة، قد أصطكت بالناس وأتت من كل حدب وصوب، يصبح المؤمن منا أو يمسي كافرا، إلاّ من تمسك وبقوة بدينه فكان كمن مسك بيديه جمرة من نار، رغم ألم الحرق ما زال صابراً وممسكاً بها، حتى تنطفئ دون أن يتهاون، أي صاحب يقين وعقيدة راسخة .
المنتظَر هو المبشر به من السماء، كُل الرسل والأنبياء فالأوصياء تحدثوا عنه وتمنوا أن يحظوا بشرف نصرته، الوارث الذي تثمر على يديه الجهود التي بذلها المخلَصون، به يملأ الله الأرض قسطاً وعدلا، بعد الظلم والجور الذي لحق بها جراء الإبتعاد عن رسالة السماء ومخالفتها فمحاربتها، يظهر بعدما يعود الإسلام غريبا كما بدأ أول أمره، فلا يبقى منه إلاّ إسمه والقرآن إلاّ رسمه، وعد السماء الذي سينجزه الحق تعالى في آخر الزمان، ليقيم به دولة العدل الإلهي التي كانت وما زالت حُلم المؤمنين جميعهم، به المنتقم الجبّار ينتقم من جميع الظالمين فيثأر للمظلومين ليرحمهم ويخلصهم مما لحق بهم من العذاب والويلات .
ولغيبته أسباب وأسباب، فعُلم بعض منها وخفي الآخر، لعل فيها حكمة كحكم ما فعله الخضر هذا العبد الصالح مع الكليم النبي موسى (عليه السلام)، فنذكر بعضها، فقلة الناصر أهمها، حيث كان لكل إمام شرط بالقيام، ألا وهو أن لا يقوم حتى تكتمل العُدّة الموصوفة، كما إكتملت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإبنه الشهيد الإمام الحسين (صلوات الله عليهما)، وغاب خوفا لا على نفسه فهو مشروع إستشهادي بين يدي الله، وإنما خوفا على الرسالة السماوية والمشروع الإلهي المتكامل من الضياع وقتلها فتذهب سُدى في أدراج الرياح، وألا تكون في عنقه بيعة لظالم، وحتى يقيم جميع الأقوام دولهم حتى لا يأتي أحد غداً، ويقول نحن أيضا كنا نتمكن من إقامة مثل هكذا دولة .
فالغيبة هنا غيبة عنوانية، وليست تامة فما يزال موجودا بيننا، يمارس الحياة الطبيعة كغيره من البشر، يرابط على الجبهات يقاتل من أجل حفظ الإسلام المحمدي وأهله، ينتفع الناس بوجوده كإنتفاع الأرض بالشمس إن غيبها السحاب، فلم يُرفع من الأرض كروح الله عيسى (عليه السلام)، لأن الأرض لا تخلو من حجّة، فهو أمان لنا، كما النجوم أمان لأهل السماء، إن غاب بضع من الوقت لساخت الأرض بأهلها ووقعت السماء، هو عين الحياة وشمسها التي لن تغيب، الواسطة بين الله وعباده، ولا يراه أحدٌ إلاّ من أمتحن الله قلبه الإيمان، وأثبت أن يستحق أن يلتقيه فيتشرف بخدمته، حينما يشاء الله بذلك طبعاً، أو كان للقاء الإمام (عجل الله فرجه) مصلحة ضرورية يراها الإمام هو بنفسه كما حدث ذلك في مواطن عدة .
الإنتظار؛ هو خارطة الطريق، التي شرع أهل البيت (صلوات الله عليهم) برسمها بدقة، ووضع لها الخطوط الصحيحة لكي يسلكه المنتظِرون ليصلوا بمأمن للمُنتظَر دون أن يكون هناك أي خطر قد يُهددهم، أجل؛ هو منهج أعدّ له بعناية، كي لا ينحرف السالك مهما إشدت العواصف التي ستهب في طريقه، فصفته العامة الغربلة والغربلة والغربلة فالتمحيص، حتى يصل السالك إلى مرحلة التكامل في إنتظار المُنتظَر، فخير الأعمال هو إنتظار الفرج الذي يرافقه الصبر على الكرب والبلاء، والأجر كمن قاتل مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إستشهد في معركة بدر، يعيش فيه أجمل اللحظات الفناء التام في المنتظَر، حيث لا يرى لوجود أي معنى سوى أنه ينتظِر في كل حركة من حركاته وسكنة من سكناته، ورسم نهج لحياته على وفق هذا النمط، غريب عن الدنيا دون أن يكترث إليها يعيش فيها قدر ما يريد منه المنتظَر، فهو قريب من الآخرة .
والمنهج بجد دقيق، كل فعل له أثر، إما أن تتقدم سريعا وفق خطوات ثابته فتسبق الآخرين، أو ترجع من حيث بدأت هذا إن لم تسقط من الإختبار فتهوى فالحذر كل الحذر، كل لحظة أنت في إختبار فلا تهاون أو تسامح، لأن في الأصل مشروع الدولة العادلة يتطلب رجالاً قريبين بجد للمنتظَر، كي يعتمد عليهم في شؤون
دولته القادمة لا محالة إن شاء الله .
والآن نصل لنتكلم عن المنتظِر؛ المنتظِر هي صفة تنم عن حقيقة الإنسان، فحينما ينتظِر الإنسان أمراً ما، يعد من أجله اللحظات، وكلما إزدادت أهميته إزداد ترقبا وشوقاً للوصول إليه وبعجل، وعمل على الفوز به مهما كلفه الثمن غالياً، وكيف إذا كان الإنسان ينتظِر أهم شيء في الوجود، كُل حياته متعلقة بسببه، يعيش بأنفاسه، نعم؛ إن العشق الطاهر والحقيقي لابد أن يتجسد في شخص المنتظِر للمنتظَر لا غير، عشق خال من الماديات، عشق كتب له البقاء حيث لا فناء، وللفوز به، لابد أن يتكامل شيء فشيئاً، ووفق المنهج المعد مسبقا من أهل اليبت، حيث كل فعل يفعلونه يرسمون على وجه المنتظر إبتسامة الفرح .
رفع المنتظِر رايته في الإنتظار، حيث عزم على الشهادة بين يدي المنتظَر، فينصره في زمن الغيبة، بتطبيق تعاليم السماء، ويخدمه في نشر ثقافة الإنتظار والتمهيد لظهوره المبارك، ليتعلم الصبر في الإمتثال لأوامره في غيبته أو بعدها، حتى يتكامل فيصل لمرحلة التسليم المطلق والتام للإمام وهنا الوصول الحقيقي .
ثلاثية الجد؛ حيث لم يستهو القلوب إلا المنتظر بشخصه، الشوق لرؤية الحق منتصرا عزيزا، والباطل منكسرا ذليلا، الثأر لمظلومية أكبر ظلامة بالتاريخ، المصائب التي حلت على أهل البيت هي غايتهم، لا حاجة دنيوية لديهم في إنتظارهم إياه، فهم والدنيا في طلاق نهائي، أرواحهم تعلقت في السماء تصرخ يا منصور أمت، عجل فهي تنتظر الظهور وبفارغ الصبر، والسلام على المنتظر الذي أجن المنتظرين وتكاد القلوب تبلغ الحناجر للقياه ورحمة الله وبركاته .