18 ديسمبر، 2024 6:25 م

ثلاثيات وآفات اجتماعية مقلقة!!

ثلاثيات وآفات اجتماعية مقلقة!!

(1)

حِكَمُُ بحاجة الى إعادة فهم …
حقيقة لقد بت أخشى من سوء فهم كثيرين للحكمة ذائعة الصيت التي تتردد كالببغاء على ألسنتهم وإنزالها أو التعامل بمقتضاها في غير موضعها ألا وهي”أميتوا الباطل بالسكوت عنه” فهذه الحكمة مخصوصة بالباطل المنتشر على نطاق ضيق جدا ، بالرذائل المستشرية في حيز محدود جدا، بالآثام التي يرتكبها بعض من سقط المتاع وشذاذ الآفاق من الفسقة والمنحرفين في السر وفي بعض الأماكن المنزوية، فنسكت عنها حتى لا نشيعها ولانذيعها بين الناس ومعظمهم لا يعلم بها من حيث نريد أن ننكرها ونلجمها، أما أن يظهر لنا الباطل بنفسه مستعرضا مخالبه وعضلاته ومكشرا عن أنيابه وعلى الهواء مباشرة ليشكك بالثوابت ، ويسفه بالفضائل ، ويجاهر بالرذائل ( دعارة ، مخدرات ، قمار ، إباحية ، تجارة أعضاء ، تسول ، عقوق، رشوة ، اختلاس ، سرقة المال العام ، تزوير ، ابتزاز ، سلاح منفلت ومؤدلج وموازي ، تهريب نفط وآثار ، دكات عشائرية ،غش صناعي ،الاستيلاء على أراضي وممتلكات الدولة ..الخ ) ويطعن بالرموز أمام أنظار الملايين ليعاد بث الحلقة مرات ومرات وفي ذات القناة ، قبل أن يتم نشر الحلقة على اليوتيوب وانستغرام ومنصة أكس (تويتر سابقا) كذلك فيس بوك وتيليغرام وتيك توك لمن فاتته المشاهدة،ولمن لم يحظ بشرف المتابعة ، وإذا بالمعجبين والمتابعين والمعلقين والناسخين بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين ،فهنا يصبح الواجب هو”أحيوا الحق بعدم السكوت عن الباطل”وليس العكس ياقوم !
حقا وصدقا إن بعض الحِكَم والأمثال الماضية بحاجة الى إعادة فهم جديد يتناسب وحجم التحديات الكبرى والظواهر الحادثة التي انتشرت بيننا كالنار في الهشيم وبما لاتؤمن عواقبه البتة في حال ظل السكوت عن الباطل ديدننا،وفي حال ظل شعارنا في هذه الحياة الدنيا هو ” دع الكلاب تعوي والقافلة تسير ” كذلك شعار :
لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا …لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ
وشعار :
لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ … لَكِن سَيِّدُ قَومِهِ المُتَغابي
وشعار :
وها أنا ألقَىٰ في التغافل راحتي ..بهِ طاب لِي عيشي وطابت لياليا
أداري وأنسى ما يكدر خاطري …وأغمِضُ جفني لا عليَّ ولا لِيَا
وشعار :
أنام ملء جفوني عن شواردها …ويسهر الخلق جراها ويختصم
ففيما سلف من أبيات وحكم تدور كلها ككواكب المجموعة الشمسية في فلك فنون “التجاهل والتغافل”إنما قالها أصحابها لتنظيم العلاقات الشخصية بعيدا عن المشاكل والأزمات في بعض الأمور العائلية، سوء التفاهمات الأسرية ، في جانب من الخلافات الوظيفية، في قسم من الاحتكاكات المجتمعية اليومية لتسير الأمور على أفضل ما يرام ، أما في القضايا العقدية والاخلاقية والمصيرية الكبرى فإن”التجاهل والتغافل” إما دليل كسل ووهن وضعف وجبن وخور، أو دليل قناعة وتأييد وحب ورضا ، ولله در القائل “حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق” ، وأضيف ” وتوهم بعض أهل الحق أنهم على باطل ” .

(2)

الفقراء لا يأكلون اللحم”الحقيقي”!
قبل قليل ظهر لي على الصفحة العامة منشور في إحدى الصفحات العراقية يدعو العراقيين الى مقاطعة اللحم – الاصلي معلوم المصدر – بعد أن وصل سعر الكيلو الواحد منه الى 25 ألف دينار ما يعني احتمال وصوله الى 30 الفا في رمضان ، وتحت المنشور هناك صورة لحوم داخل محل للقصابة مكتوب عليها ” قاطعوها خليها تخيس …ويرجع سعرها الى 12 الف دينار !!” فعلقت بالاتي :
هل هذا الكلام موجه للأغنياء أم للفقراء والكادحين ومتوسطي الدخل ؟! اذا كان للفقراء والكادحين ومتوسطي الدخل فهؤلاء “قد قاطعوا اللحوم حتى قبل أن تقترح عليهم المقاطعة ” لأنهم غير قادرين على شراء اللحم – الحقيقي – أساسا سواء كان بـ 16 أو 20 وكل أطباقهم من اللحوم – الوهمية – عبارة عن لحم هندي أو لحم مجمد مجهول المنشأ أو لحوم معلبات غير معلومة المصدر يأكلونها تارة على هيئة شاورما ، وأخرى على هيئة بيتزا ، وثالثة على هيئة مخلمة أو همبركر ، وكبة ، وكباب ، وفضلا على كون اللحوم – الوهمية – غير معلومة المصدر ، وغير مذكاة شرعا ، فأزعم بأنها السبب الرئيس لمعظم الامراض التي يصابون بها ويزدحمون من جرائها على العيادات الاستشارية وأقسام الطوارئ مكتفين كعادتهم بإلقاء اللوم على العين والسحر والحسد” من دون أن يمروا ولو سريعا على اللحوم المجهولة التي يتناولونها في المطاعم، والكافيتريات وعلى الأرصفة من دون أن يسأل أحدهم عن مصدر هذه اللحوم ” وهل هي لحوم أبقار أم أغنام أم كنغر أم تراها لحوم حمير ونافقة أيضا ؟” اما اذا كان كلامك موجه للاغنياء فهؤلاء الا ما رحم ربك ، لن يقاطعوا لأن الكروش التقدمية ، والخلفيات الرجعية تتقاطع تماما وتخفيض أسعار اللحوم ..هذا في حال لم يكن ارتفاع اسعار اللحوم بسبب احتكارهم للحوم ، وتهريبهم لقطعان الماشية، ومن جراء تجارتهم بها، وتكالبهم المحموم عليها أساسا “أما بخصوص اللافتات المعلقة في مداخل بعض المطاعم ” لحم عراقي خالص 100% ” ، فهذه مجرد – نكتة سمجة وسخيفة – ولاتعدو أن تكون مجرد عناوين براقة لخداع البسطاء ، والضحك على أذقانهم لأن أصحاب وعمال المطعم أنفسهم غير مقتنعين ولا مصدقين بما مكتوب على اللافتة أساسا وحسبك أن تطلب من أحدهم تناول وجبة من هذا اللحم العراقي المفترض والخالص 100% بحسب اليافطة المعلقة واسمع بنفسك كيف سيعتذر منك الموما إليه بعبارة فورية مسلفنة وجاهزة ” قبل شوية أكلت !!
وخلاصة القول أن معظم لحوم المطاعم الشعبية والبين بين يصدق فيها المثل الشعبي الشهير عن اللحوم النافقة أو الإكسباير المشكوك بملاءتمها وصلاحيتها للاستهلاك البشري وله قصة طريفة عن اعرابي كان يأكل المشويات الرخيصة كلما قدم الى بغداد لبعض شأنه من بائع مشويات في الهواء الطلق وبسعر زهيد جدا وذات يوم تفاجأ الأعرابي بأن الأسعار نارحيث أصبحت أربعة أضعاف سابقتها وعندما سأل عن السبب أجابه صاحب المطعم وبكل بجاحة ووقاحة ” قابل يومية يموت زمال بالخندق ؟!” .
وعلى – طاري – اللحوم بعيدا عن لحم البقر ” ولاسيما البقرة – سميرة هيوو – والتي أصبحت ترندا في العراق بعد أن باعها صاحبها ثم ندم على بيعها فأخذ يناديها عبر الهاتف النقال باسمها المحبب -سميرة – ملحقا به صيغة النداء الخاصة بتربية البقر – هيوو- !!” فمنذ اسابيع ظهرت في بيتنا قطة مشردة تلتهم كل شيء وبشهية منقطعة النظير باستثناء – لحم القواطي – فإنها تشمه اربع مرات – وتأخذ من حوله – خمس فرات – ومن ثم تأكل بعضا منه وتترك الباقي …وسؤالي اذا كانت القطة التي تأكل كل شيء حتى وإن كان من المزابل تتحاشى أكل – اللحم المعلب -ترى فما هي حقيقته ، وما هو مصدره ياقوم ؟!

(3)

سياسات شرق اوسطية ….
لا أدري لماذا لا تريد معظم الشعوب العربية تصديق الحقيقة الدامغة التي لاتحجب بغربال وخلاصتها “في السياسة لا صداقات ولا عداوات دائمة ، وإنما مصالح دائمة ” أو وعلى قول ثعلب السياسة البريطانية ونستون تشرشل ” لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة” …
ولاشك أن بعضا من الصحفيين والمعارضين السياسيين ، وكثير من الطبالين ، والمتزلفين ، هم من أكثر المتضررين وأشد المفضوحين بعد كل “محبة سياسية تعقب عداوة سياسية ” فهؤلاء وبعد كم لايحصى من المقالات والتقارير والاعمدة الصحفية والبوستات والتصريحات والكاريكاتيرات وكيل الشتائم على مدار الساعة لأحد طرفي النزاع – السياسي – سيجدون أنفسهم مجبرين صاغرين لحذف المئات منها تمهيدا لمرحلة – الصمت السياسي – أو التعريص الايجابي -التي أعقبت مرحلة ” التعريص السلبي ” وبين هذه وتلك سيظل المثقف العربي يتوهم بأن أشد الانظمة عداوة لنظامه هي الاصلح للعيش بكنفها ، والحديث بحرية مطلقة بظلها والمسكين ولا أريد أن انعته نعتا آخر لايدري ولا يريد أن يدري بأن “صداق ومهر وفلنتاين كل صلح سياسي شرق اوسطي بين نظامين متخاصمين إنما يبدأ بتعرية وتجريد وتجميد وأحيانا تسليم معارضة كل منهما الى نظيره كعربون صداقة لطي صفحة الماضي القريب” وكان حري ” بالمثقف العربي المستجير بعمرو عند كربته ” أن يتابع عن كثب ويسأل نفسه مرارا وتكرارا ” ترى هل النظام الذي يستظل بظله ويمدحه صباح مساء ، هو خال من العيوب ، طاهر من الآثام ، مطهر من الرذائل ، نقي من المظالم التي يهجو بها نظامه من بعيد أم أن الاثنين في الهوا سوا ؟ ولكن وبما أن عين الرضا عن كل عيب كليلة ، وعين السخط تبدي المساويا فإنه سيظل يكابر ويتحايل ويغمض عينيه عن هذه الحقيقة المرة لحين – الصلح – بين المتخاصمين ، هنا فقط سيصدم بواقع الحال ليكتشف على حين غرة بأن استجارته بعمرو عند كربته كانت مجرد ” استجارة من الرمضاء بالنار ..” لا أكثر .أودعناكم أغاتي