ثلاثة تجلو عن القلب الحزن الماء والخضراء والوجه الحسن
لا أظنها مصادفة أو اعتباطا أو رجما بالغيب، تلك هي طبيعة استخدامنا الرقم 3 في مفردات حياتنا اليومية. فعادة ما نستشهد بمثلنا: (الجدر مايتركب إلا على تلاثة) إذ نلجأ الى هذا المثل لإثبات أن ثلاثة أشخاص، أو ثلاث خصال، أو ثلاثة أشياء، خير من اثنين في حزم أمر ما وإتمامه على أتم وجه.
وعن الصديق والعدو نقول: أصدقاؤك ثلاثة وأعداؤك ثلاثة. فأصدقاؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدو عدوك. وأعادؤك: عدوك، وعدو صديقك، وصديق عدوك.
ويبدو أننا لسنا الوحيدين نرتبط بالرقم ثلاثة ارتباطا وثيقا، فهذا شاعرنا أبو نؤاس، له حكاية مع الأثلاث، إذ اختار نسبة الثلث ليقسم بها قلبه وفق ما يشتهي. حيث قال يتشبب بجارية اسمها جنان:
جنان حصّلت قلبي
فما إن فيه من باقي
لها الثلثان من قلبي
وثلثا ثلثه الباقي
وثلثا ثلث ما يبقى
وثلث الثلث للساقي
فتبقى أسهم ست
تجزا بين عشاقي
وللحفاظ على جسم سليم صحيح، نصحنا الأطباء بإعطاء معدتنا حقها في ثلاث هي؛ الماء والهواء والغذاء. وتتعدد الثلاثيات ومناشئها وقائلوها وأهدافها وفوائدها لمن يستغلها بالشكل الأمثل خدمة لمصالحه، وباتت أساسا في تفاصيل يومياتنا بشكل يضفي عليها معنى وشأنا. فالرقم ثلاثة إذن، يشكل رقما مميزا في حيثياتنا، كما أن فيه من الماضي شيئا، وفي الحاضر أشياء وللمستقبل أشياء أخرى.
في مقالي اليوم لن أتحدث عن العراق والعراقيين، مع أن لديهم من الثلاثيات والأثلاث ومضاعفات الرقم 3 ما (يسد عين الشمس) وهم كما يقول مثلنا: (البيهم مكفيهم) وبالإمكان استيحاء مئات بل آلاف المقالات مما يثلثون. لكنني سأروي ما قرأته عن اليابانيين، وكيف تعاملوا مع الأحداث في منتصف القرن المنصرم وهم المنكوبون آنذاك. فقد سخروا الرقم ثلاثة لخدمة بلدهم، لاسيما بعد خروجهم من الحرب العالمية الثانية عام 1945 متكبدين خسائر جسيمة من جراء قنبلتي هيروشيما وناكازاكي النوويتين. حيث وضع اليابانيون -قادة وشعبا- نصب أعينهم ثلاث ركائز أساسية، للنهوض بقوة تمكنهم من مواكبة عجلة البناء والتقدم، بل اضحى هدفهم المنشود التفوق على أقرانهم من الدول، واتخذوا من تلك الركائز قاعدة مثلثة تستند عليها باقي مرافق الدولة المتحضرة، اما رؤوس ذاك المثلث فهي: القضاء والصحة والتعليم.
أما الرأس الأول، فمادام عادلا ومنصفا للمذنب والبريء معا في آن واحد، ونائيا عن المحسوبية والمنسوبية والنظر الى المواطن والمسؤول وذوي المناصب الرفيعة نظرة القانون، بلا انحياز الى فئة او ضغوط من جهة او تواطؤ مع جانب، تحققت بذلك المساواة، ولم يطمع أحد بأخذ أكثر من حقه، او ييأس آخر من فقدان حقوقه، وساد بذلك العدل وعم السلام.
وأما الرأس الثاني، فمن منطلق ان “العقل السليم في الجسم السليم” وان الجسد المعافى يرقى بالعقل السوي الى حيث الإبداع والابتكار، فقد أولت السلطات اليابانية اهتماما جديا بجانب توفير الخدمات الصحية في أبعد مناطق البلد، وفتح مراكز طبية تعليمية وتفعيلها بشكل استثنائي وبطاقة قصوى، لإيصال الوعي الصحي الى أفراد المجتمع بشرائحه جميعها، فنشأ مجتمع بجسد سوي صحي، أثمر عقولا سليمة تفتقت عن اختراعات في مجالات العلوم كافة.
وأما رأس المثلث الثالث فهو التعليم بدءا من مراحله الأولى، حيث ينقش التعلم في ذهن الطالب وهو يافع، ليأتي أكله في المراحل المتقدمة من العمر كمهندس او عالم او باحث، أو المكانات المتقدمة في قيادة مناصب الدولة، كمدير ووزير ورئيس وسفير متعلم، يصلح لقيادة مجتمع قيادة صحيحة.
حديثي عن اليابانيين انتهى، حيث لا حديث أبدأ به بشأن بلدي العراق، لكن، ماذا لو سأل ساستنا أنفسهم: أين نحن من المثلث الياباني؟ أتراهم ينتظرون أن يصبح مربعا او مخمسا او مسدسا؟ أوليس ماحصل في العراق خلال العقد ونصف العقد المنصرم يوازي أضرار قنبلتي هيروشيما وناكازاكي؟.