19 ديسمبر، 2024 6:50 ص

ثلاثون عاما في الهباء

ثلاثون عاما في الهباء

كنا شبابا من ما يسمون بالدم الحار، لا نعرف غير ما موجود امام اعيننا و في عقليتنا و ما تعلمناه من البيت الى حد ما والشارع و المدرسة والاقرباء و الاصدقاء بشكل عام، و من ما كانوا قبلنا من ما يمكن ان نسميهم بالجيل الذهبي، و منهم اعتبرناهم القدوة التي لا يمكن ان الا ان نقتدي بهم في كثير من الامور و بعضها يشكل مطلق للاسف، و بالاخص في الفكر و النضال و العقيدة و الفلسة، عدا ما تعلمناه في البيت المتواضع من العادات والتقاليد و منها المبتذلة حتى في حينه، و فرض الواقع علينا الالتزام بالكثير منها بدقة متناهية، الى ان وصلنا الى حال في حينه ايضا بوقت ربما يمكن اعتباره قياسيا في تغيير العقلية و الفكر والفلسفة بشكل ملحوظ في كل مرحلة نقطعها، و لكن بعد ان تعارض الموجود مع المتغير اي ما اخذناه عفويا مع ما اكتسبناه من خلالتعليمنا و نشاطنا او جهدنا الشخصي او ما احتكنا بهم في محيطنا بشكل مباشر، و لكن كل تلك التغييرات كانت بفضل التنظيمات اليسارية المؤثرة على حياة الشباب في حينه، لكونها مخفية او ممنوعة و مرغوبة في نفس الوقت يضا، و استنتجنا من التقاطع بين الارضية التي عشناها و ما تعلمناه في غير محله، اي؛ لم يكن في زمانه و مكانه، لاننا اصبحنا وسط التقاطعات التي فرضت نفسها نتيجة عدم توفر الظروف الموضوعية وا لذاتية معا في ما يخص تلك العملية المعقدة التي اثرت فينا مبدئا و ما عشناه على ارض الواقع، اي بين حياتنا الخاص التي عشناها و المواضيع التي فرضت نفسها علينا بعدما امنا بما نحن نعمله فكريا و فلسفيا و سياسيا، و ان كانت هذه كلها من نتاج الداخل او منها المستوردة؛ الملائمة للواقع بنسبة معينة او منها لم تلائم و لو بنسبة قليلة جدا، و دخلت في مربع الخيال . انا من جانبي تاثرت بعصبة كادحي كوردستان و اخلاقيات المنتمين اليها والملتزمين بها، و الفكر و الفلسفة اتي حملتها و الصفات و العقلية التي اكتسبها المنتمون في فترة قياسية و السمات التي تمتع بها المنتمين الي هذا التنظيم من كافة الجوانب، و ان كانت بعضها تدخل خانة المثاليات، وفق الالتزام المطلق بالتعليمات و النصائح التي كانت تصدر الينا على حساب الحرية الفردية و ما فرضته حياة الناس المتغيرة نتيجة امتداد ايدي الراسمالية و افعالها الينا، و ما جلبته لنا الثقافة الغربية ايضا قبل كل شيء دون ان تكون لنا يد فيها، و لم تكن لدينا خبرة او علم بما يدور وراء الستار من قبل الكبار عالميا كانت ام في المنطقة، او حتى ضمن الحركة التحررية الكوردستانية التي كانت تدار من قبل مجموعة من السياسيين المخضرمين المصلحيين من الاجيال السبقة ايضا، ايمن قبل شخصيات و قوى محتكرة و فوقية، و سيطرت هذه العقليات على التجدد الذي حصل جراء بروز عصبة الكادحين، مستغلين هذه الخلافات الشخصية و الفكرية المبدئية التي برزت فيها و دامت، و كانت من افعال الجيل القديم و بدهائهم استغلوها و شتتوا الصفوف من اجل السيطرة على الموجود بحسب فكرة فرق تسد، او كما تعلمنا من خلال مسيرة نضال تنظيمنا ايضا، و كما حصلت فيها تشويهات او تخبطات كما اعتقد هو التعريف المناسب لها، اثناء الحركة التحررية او بعد التغييرات المختلفة في المنطقة والعالم و كيف تاثرت بها تنظيمنا الحديدي و اكثرنا من الشباب الجامعيين و المحسوبين على المثقفين .

مرت الايام و كنا من المتابعين و النشطاء و بدافع اساسه نابع من الايمان الذاتي بما نعتقد و نسير عليه و ما نحمل من العقليات و الافكارو ليس بدافع ما( كما يجري اليوم )، استندنا على الحركة و البحث و لم نعتمد على التوصيات او الاشارات او حتى ما يحصل اليوم من الاوامر العسكرية باسم التحزب و القادة المحتكرين فيه . الجراة سيطرت على العقلانية في اكثر الاحيان و غامرنا دون اية حاجة للمغامرة لامور اعتيادية بسيطة، و كان الدافع هو التهلف في العمل من اجل ما نؤمن فقط . و انا من جانبي قمت بنشاطات كان بيني و بين الاعدام لحظات و من ثم اعدم عدد غير قليل من الاصدقاء في فترتين متقاربتين من البعض، و حتى حين شكوا بتحركاتنا، كان للخيرين الذين كانوا المخبرين السريين او من حواشي السلطة دورا ايجابيا بالنسبة لي، حيث اخبروني بشكل غير مباشر قبل ان يحدث شيء لي، عندما سالوا عني و بحثوا في ما انا فيه و تابعو نشاطاتي، و كان لي صديق و هوالابن جيران و اخوه من اصدقاء مرافق الدكتاتور السابق صباح ميرزا، كان له دورا حسنا في انقاذي حينما وصف للباحثين و هم (معزومين ) في بيته، تحدث عني في بيتهم وعن عائلتي الفقيرة المعدومة المنكوبة، و وصفني بالمقؤود وليس لي اي نشاط مريب كما قالوا له، و ربما من تكلم عنه يحسدونه لانه مجتد في دروسه، اقتنعوا بشكل ما، و لكنهم حسب قول احدهم فيما بانهم اعتبروه اخر انذار للكف عن ما اتحرك خلاله، و لم يسع الوقت الا ان اخفيت نفسي في منطقة بعيدة عن بيتنا، و لم يعثروا علي منذ ذاك الوقت . بعد برود الموضوع، و انا صادفت يوما من المخبرين من الجيران، و لم اعلم عنه شيئا في حينه، و تيقنت من عمالته بعد حادث معه واثناء الانتفاضة عام 1991 عندما عثر اصدقاء لي ما كتبه هذا العميل من التقرير عني، ضمن اوراق دائرة امن خانقين عندما استولينا عليه، و كان الموضوع هو عند ملاقاتي به وعند تعليقي عن صورة الدكتاتور التي كانت في يده و انا لم اعلم و تكلمت بعفوية، و لم اعلم انه اخبر عني فاجبرت على ترك المنطقة ايضا في حينه نتيجة هروبي منهم و ليس لهذا السبب و انما لامر الهروب من العسكرية، و من وشى بي الان هو مسؤل لدى احد الاحزاب الكوردستانية، و لله في خلقه شؤون .

كانت كلار بيتا امنا لمن كان له نشاطات من هذا النوع، فكان بالامكان الابتعاد عن الاعين و اللجوء اليها لحين ابتعاد الخطرعنك كما فعلت، لمرات و من ثم عدت للنشاطات ذاته، و اكثرها لم تات الينا باوامر مركزية، بل نحن من خلال حلقة ضيقة اصرينا عليها، لما كنا عليه من الايمان العميق بما نعمل .

من ضمن التنظيمات التي نشطت وفق افراد من الحزب الشيوعي العراقي، كان لي اصدقاء ممن اُعدم ومن اُسفر مع الذين سموا بالتبعية الايرانية و من سُجن و لم يعثر اهلمهم عنهم حتى ما بعد السقوط ايضا، كنا نعلم عن البعضو ما نفكر و نعمل دون ان نتصارح بما نقوم، نحن مع عصبة الكادحين و هم من الحزب الشيوعي العراقي في حينه . اكملنا الاعدادية و تخرجنا و ابتعدنا عن البيت اعوام الجامعة و اصبحت فرصة سانحة للتجديد و اعادة التواصل و النشاطات،بعد المظاهرات في اول السنةالجامعية مرت بخير على الرغم من وحشية التعامل معنا في اربيل من قب امنه و قواته، و صادف ان ضربني احدهم و تعرفت هليه انه كان ضمن سلك الامن و هو من اهل مدينتي خانقين، ففي الصف الثالث في جامعة رايت مسؤلا في الاتحاد الوطني و كان من عصبة الكادحين، و هو الان من الكبار، و استقبلته في القسم الداخلي ايام المفاوضات مع الحكومة، و طلب مني الانضمام و لم اقل له اني منضم و قبلت دعوته و حينما انفضت المفاوضات قلت له اني قبل ان اقبل بطلبك اعمل لهذا التنظيم و منضم اليه من قبل صديقك هذا منذ خمس سنوات، و لم اره فيما بعد الا بعد الانتفاضة، و كان كما هو اليوم ما يهمه هو مصلحته، و لاؤكد للقاريء ما كان و ما هو عليه اليوم اذكر لك هذا الحث المعبر عن كل جوانب القضية. في الاضراب العام ايام الجامعة و كنا في الصف الثالث عند احتجاجانا على تدريبات الجيش الشعبي و امتناعنا عن الدخول الى قاعات المحاضرات، و فصلنا في تلك السنة، ال ان هذا المسؤل المعتبر هو من طلب من بنت اخته ان تعود الى دوامها و تمتحن دون سائر الطلاب لكونها ابنة اختها و نحن الغرباء، و من تلك العملية اكتشفت بانه غير مؤمن بما يقوم به، و الا كيف يحتسب لمصلحة ابنة اخته دوننا، نحن ايضا الذي كنا معها في الكلية ذاتها . و للحديث بقية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات