ثلاثون دقيقه، هي المدة الزمنية للعبور من الكرخ الى الرصافة، مروراً بالمنطقة الخضراء وصولا الى الكرادة عبر الجسر المعلق، قد يتسائل القارئ فيما لو كنت اُبالغ في ذلك كما تسائلت أيضا عندما أخبرني أحد الأصدقاء بقصته لدخول المنطقة، حتى اخذني الفضول للزيارة والتأكد بنفسي عما يجري هناك، وأسرد عليكم قصتي في المنطقة الخضراء.
توجهت عبر البوابة التي اُفتتحت مؤخراً، وطلب مني احد الجنود مستمسك عائدية العجلة (السنوية) وهوية الاحوال المدنية، وما أن إنتهيت وتحركت مسافة مترين حتى تقدم جندي اّخر يسئل عن السنوية والهويه!! الأجراءات سليمة لغاية اللحظه، ولن أتحدث عن المطبات الصناعية، فهي قصة لوحدها.
أتقدم بعجلتي بحذر فأتوقف مرة اخرى بأمر من احد الجنود! هذه المرة الفحص بجهاز مايسمى ( كشف المتفجرات الاّيدي) أو “ابو الأريل” وحقيقة لا اُخفيها عليكم في كل مرة أرى هذا الجهاز المشؤوم أتذكر الأربعاء الدامي والخميس الدامي وأيام اخرى كلها دماء بسبب هذا الجهاز، لا اُريد أن أتذكر واٌذكركم بأوجاع مضت، ودعوني اكمل بقية الحكايه، وبحسب توجيهات عسكريه تقدمت الى الامام، وتوقفت امام عارضة ارضيه حديدية صفراء اللون لا اعرف تسمية صحيحة لها الا انها تحتوي على رؤوس مدببه تمنع اختراق العجلة لنقطة التفتيش، هذه النقطة يجلس بها اجانب مهمتهم تفتيش العجلات بالكلب المدلل!! أطفئ المحرك، إفتح النافذه، هكذا كانت الاوامر كي يفتشني الكلب، وكان لزاما علي ان اخضع لتلك الاوامر، انتهى المستر كلب من الشمشمة بأنفه الكريم، ادرت مفاتيح العجلة وقلت (الحمد لله خلصنه)، وما ان انتهيت من حمدي لله حتى امرني العسكر ان اترجل من العربة مع فتح الابواب والصندوق وغطاء المحرك، والوقوف بعيدا مرورا بالتفتيش الجسدي، تسائلت في نفسي ربما يكون مزاجي سيء اليوم، تعمدت بالحديث مع جميع من نزلوا من العجلات الاخريات، ورأيهم حول الموضوع وبأجابة موحده للجميع ( هاي اول مره واخر مره) حتى ان احدهم تكلم بصوت عال مقسماً متعمدا اسماع صوته ( والعباس بعد ما افوت منا) وبدء الانتقاد والحديث يدور، ويتوسع، فأدركت ان هذه الخطوه هي واحدة من الاصلاحات التي لاتصلح.
انتهت المعضله ودخلنا المنطقة الخضراء، فأستقبلني احد جنودنا الابطال وسئلني إن كنت مدنيا أم عسكري؟؟ مع اني مدني ابن مدني ولا شيء يوحي للعسكرية في مظهري سوى حلاقة ذقني التي وعلى مايبدو أصبحت ميزة العسكريين فقط، وعرفت ذلك من كلام الجندي.
المنطقة اجوائها قلقة للغاية انتشار امني كثيف، وعجلات سوداء مخيفه، تغاضيت النظر لان هناك ما سرق نظري وجعل عيناي تدمعان، منظر لم اره منذ ثلاثة عشر عاما، او اكثر، انه نصب الجندي المجهول الذي اصبح حتى النصب بعينه مجهول، حاولت التوقف كي اتمتع بمنظر جميل غاب عن ناظري واني والله له لمشتاق.
التوقف ممنوع، والتصوير ممنوع، استخدام الهاتف ممنوع، هذا ما اخبرني اياه احد المقاتلين عند سيطرة اخرى استفسر مني عن جهة توجهي وارشدني مشكورا الى الطريق للجسر المعلق، وصلت للمعلق وفي اخر نقطة سئلني الحرس ( منين جاي ووين رايح) ؟؟
جئتكم من العراق من منطقة المنصور وذاهبا الى العراق لمنطقة الكرادة.
كانت هذه ثلاثون دقيقه داخل المنطقة الخضراء.