9 أبريل، 2024 5:52 م
Search
Close this search box.

ثلاثة ايام صعقت العالم! – الحلقة الثالثة

Facebook
Twitter
LinkedIn

على خلفية، الإحباط الشعبي العام، من النظام السوفيتي، والتنكر لجميع حسناته، مقارنة بأوضاع شعوب البلدان الأوربية، وما يشاع عنها من رفاه، وحريات عامة، تعرف عليها المواطنون السوفيت، مباشرة، وليس عن طريق الأفلام، اثر فتح السفر بعد ان كان حكرا على النخبة الحزبية، و بعض أبطال العمل الاشتراكي، والخبراء والبعثات بأعداد محدودة.
فقد انتعشت تجارة الشنطة، اوغ الرحلات الكوكبة بين تركيا والمانيا، والصين والإتحاد السوفيتي، بهدف التسوق، وممارسة تجارة المفرق،بحشر الحقائب في عربات القطار المزدحم بتجار السوق الموازية .
واذا كانت تجارة العملة، والتعامل مع السوق السوداء ، جريمة اقتصادية، في الحقب السابقة، فانها حقبة غورباتشوف، غدت ممارسة طبيعية، تشترك الأجهزة الأمنية في أرباحها؛ بل إن كبار المرتشين أو من كانوا يعرفون” اللصوص الشرعيين” الذين أطلق سراحهم من السجون، صاروا يديرون تجارة الشنطة، ويؤسسون لأسواق مفتوحة على نمط البازارات الشرقية ، فيها كل ما تقذفه محلات الخردة الأوربية.

وجرى إفتتاح محال تجارية باسم الماركات العالمية مثل بيير كاردان وفيجي وزارا وماركس اند سبنسر وغيرها.

وفي خلال فترة قصيرة، تكونت طبقة من الاثرياء؛ قامت بتمويل وسائل أعلام، لم تبق حجرا على حجر في النظام السوفيتي، الا وقلبته، وتجاوز الأمر الى النقد القاسي، لكل الحقبة السوفيتية، وساهم الكتاب والصحفيون الليبراليون ذوي التوجهات الغربية في تسويد صفحة النظام السوفيتي على مدى سنواته السبعين.
وتحول الحزب الشيوعي الى آلة ضخمة عاطلة، يعقد مؤتمرات شكلية؛؛ يصفق مندوبو المؤتمرات ببلاهة، والية لخطب غورباتشوف الذي كان يغرق في الوعود، فيما خصمة اللدود، بوريس يلتسين، يتجول في الشوارع مع أنصاره ومريديه؛ ينادي بتغيير جذري للنظام، وتجريم الحقبة السوفيتية، واجتثاث الحزب الشيوعي، مع انه كان لوقت قريب جدا أمين عام منظمة موسكو للحرب الشيوعي السوفيتي، وعضوا قياديا في اللجنة المركزية لأكثر من ثلاثة عقود.
وفي خطوة، أطلقت اشارة البدء لنسف الدولة الاتحادية، أعلن يلتسين إستقلال روسيا، بعد آن جرى انتخابه في اقتراع شعبي عام رئيسا لجمهورية روسيا الاشتراكية السوفيتية.
وولدت، سلطتان، الاولى يتراسها غورباتشوف غير المنتخب شعبيا بل المعين من قبل مجالس السوفيت( البرلمانات المحلية) ورئيس شعبوي، يعد بالانفتاح الاقتصادي،والشراكة مع الغرب، وفتح الأسواق أمام الاستثمارات، وخصخصة ممتلكات الدولة، وانهاء دور الحزب الشيوعي في قيادة المجتمع والدولة.
وبينما كانت موسكو ولينينغراد( استعادت اسمها التاريخي بطرسبورغ) تموران بالأحداث ، ويتصارع السياسيون فيها على الحكم، وتنحاز غالبيتهم الى الشعبوي يلتسين؛ كانت أقاليم روسيا الشاسعة تعاني من نقص حاد في السلع والمواد الغذائية، ومن تعثر الخدمات، الأمر الذي أيقظ الحركات القومية الانفصالية من سباتها.

واخذت الجمهوريات السوفيتية، تنفصل كالنيازك عن المدار السوفيتي ومجرته موسكو.

أدرك ميخائيل غورباتشوف أن الأمور تفلت بسرعة من قبضته، فأقترح معاهدة جديدة للاتحاد بين الجمهوريات السوفيتية.
وتم مطلع أذار/ مارس 1991 تنظيم أستفتاء شارك فيه مواطنو تسع جمهوريات في مقدمتها روسيا، حول الحفاظ على الدولة الاتحادية بعد الإتفاق على معاهدة جديدة تتضمن اصلاحات دستورية وإدارية.
لقد صوت اكثر من سبعين بالمئة على بقاء الاتحاد بصيغته المحسنة. لكن قادة الجمهوريات سواء المشاركة في الاستفتاء او تلك التي قاطعت، لم يكترثوا لنتيجته، وكانوا سبّاقين الى الانفصال .

واصل غورباتشوف الإتصال مع رؤساء كازاخستان واوكرانيا وبيلاروسيا وغيرها لاعداد معاهدة الإتحاد الجديد باسم ” أتحاد الجمهوريات المستقلة” على غرار الكومنولث على ان تبرم في موسكو يوم 20 اغسطس 1991.
وفي الخامس من الشهر، طار غورباتشوف،وعقيلته رايسا مع ابنته وحفيدته للاستجمام في إجازة سنوية على شاطئ البحر الأسود بجزيرة القرم.
وظهر معظم قادة الإتحاد السوفيتي في مطار فنوكوفو الحكومي يلوحون له مودعين،دون ان تظهر أية علائم على انشقاقات في المؤسسة الحزبية،التي حافظ كل قادتها على تأييد خطوات غورباتشوف، وان فلتت من بعضهم مثل ايغور ليغاتشوف عضو المكتب السياسي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، تلميحات، تنتقد الاندفاع، بدون كوابح، نحو الإجراءات الخطيرة في بعض مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية، لتظهر لاحقا الى العلن بقوة، على شكل مناوشات مع الشعبوي بوريس يلتسين، ولتصبح صرخة ليغاتشوف في آخر مؤتمر للحزب” باريس انت غير محق” لازمة شعبية، ومادة لقصائد ” الدارمي” و
” المربع” على الطريقة الروسية وفيها قدر كبير من قاموس الشتائم التي تخدش الحياء، وقد تشنف الأذان!
فقد أعترض ليغاتشوف على تشكي يلتسين، وتلويحه ” بالمظلومية” التي يعاني منها، بإعتباره اصلاحيا، منفتحا، وسط متعصبين عميان.
واتهمه بمحاولة تسخير منظمة موسكو الحزبية، لأهداف تكتلية، وتعريض الحزب الى التفكك. ولم يوفر من المصطلحات اللينينية عن التحريفية والانتهازية، وخيانة الحزب وغيرها من الطعون .
المفارقة، أن حملة من اعتبروه يمينيا، يعاني من الجمود العقائدي، خدمت في المحصلة، يلتسين، وجعلت منه ضحية، تتعاطف معه قطاعات واسعة من الرأي العام المحبطة.
وعلى طبول”المظلومية”،تقدمت جحافل حاملي نعش الشيوعية!
سلام مسافر
يتبع…
الصور:
*ايغور ليغاتشوف يخاطب المؤتمرين: بوريس انت غير محق!
*القيادات السوفيتية على منصة الموتمرات وفاق في الظاهر وخلافات مدمرة تحت الطاولة.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب