أكد غينادي يناييف( ت 2010) نائب الرئيس السوفيتي، رئيس لجنة الدولة للطواري، الذي شغل منصب الرئاسة لثلاثة أيام قبل ان يودع السجن؛ انه لم يكن على دراية بما أعده رئيس جهاز آمن الدولة السوفيتية( كي جي بي) فلاديمير كروجكوف. وانه فوجيء بطلب، تولى الرئاسة،إثر تنحية غورباتشوف بذريعة المرض.
وروى لي قصة توريطه في الانقلاب، قائلا :
مساء يوم 18 آب / أغسطس 1991 غادرت مكتبي في الكرملين متوجها الى البيت الريفي، وفي الطريق عرجت على صديق، يسكن في الجوار، كان طلب تدبير دواء مفقود من الصيدليات العمومية، لكنه متوفر في مشفى الكرملين.
دعاني الصديق لكأس، وتمنى ان نجلس قليلا لتجاذب أطراف الحديث خارج السياسة. وبعد الكأس الاول، توالت الكؤوس، وامتدت بِنَا الجلسة الى أن دخل سائقي، يطلب التوجه الى السيارة، لان الرفيق كروجكوف على خط الهاتف الحكومي.
ويؤكد يناييف، أنه شعر بالتشاؤم من الاتصال الغريب،في وقت متاخر نسبيا، ومن خلال الأقمار الصناعية عبر هاتف السيارة المصفحة.
وباختصار طلب مني كروجكوف الحضور فورا للقائه في أحدٍ مواقع لجنة امن الدولة السرية. ولم يشفع اني كنت في تلك اللحظات كرعت مع صديقي عدة كؤوس، وصار رأسي ثقيلا مع رغبة ملحة في النوم.
فأوكلت امري الى الأقدار، وتوجهت الى حيث، كان ضابط الإتصال يوجه سائق عربتي المسرعة.
وجد يناييف، نفسه أمام أعضاء في القيادة، يطلبون منه تولي الرئاسة، وأبلغوه أن وفدا التقى قبل ساعات بالرئيس غورباتشوف بمنتجعه في القرم، وإنه رفض مقترحاتهم باعلان الطواري في البلاد، ووضع حد للفوضى، وان يتحمل مسؤولية التدهور الحاصل، بفعل سياساته الاصلاحية المتهورة، التي أفضت الى تشرذم المجتمع وتفتيت الدولة.
ووفقا لرواية يناييف، الذي لاحظت بعد أحاديثه، انه إنسان بسيط، صادق، غير متكلف، وليس لديه معرفة عميقة بالسياسة، أو في الأقل ما يتناسب ومنصب نائب رئيس الدولة العظمى.
وأثار فضولي ان يكون وصل الى منصب نائب الرئيس، بتلك الامكانيات والقدرات الذهنية المتواضعة.
– [ ] الرجل، مدمن على التدخين، بشراهة، وحتى في المؤتمر الصحفي الوحيد للجنة الدولة للطواري في اليوم الأول لإعلانها، ظهر مرتبكا، ترتجف يداه، من اثار كؤوس الليلة الماضية.
– [ ] ومع إنه حاول الإجابة على أسئلة الصحفيين المحرجة، خاصة فيما يتعلق بمرض غورباتشوف، الا ان الإجابات لم تكن مقنعة أمام حشد كبير من الصحفيين الروس والأجانب ، اعتبروا على الفور، قيام لجنة الطواريء، انقلابا مخالفا للدستور، ضد غورباتشوف الذي فاقت سمعته كمصلح في الغرب، شعبيته المتعثرة، في الداخل السوفيتي.
– [ ] وفيما كان الاعلام الغربي؛ يشيد بدور” غوربي ” التاريخي، كانت القوى المحافظة في المجتمع السوفيتي، تصمه بالخيانة والعمالة.
وحسب شهادة يناييف في حديثه المطول معنا، فان غورباتشوف لم يكن عميلا، لكنه أحاط نفسه بمجموعة يطلق عليها تعبير” عملاء النفوذ” والتي كان رئيس جهاز أمن الدولة فلاديمير كروجكوف، كشف عنها في جلسة علنية لمجلس السوفيت الاعلى، ملوحا من على منصة المؤتمر بورقة؛ قال إنها تتضمن أسماء أولئك العملاء، فتلقفها غورباتشوف بسرعة خاطفة من المتحدث، وسط تعالي الضجيج في القاعة؛ بين مطالب بتلاوة الاسماء، ومعترض على كروجكوف؛ وأعلن عن رفع الجلسة وجعلها سرية، وطلبوا من الصحافة مغادرة القاعة.
خرجنا وفي رؤوسنا أسئلة حائرة عن مضمون الورقة، وعن حرص غورباتشوف على سرية الجلسة، ولماذا قرر رئيس جهاز أمن الدولة الكشف علنا عن سر الاسرار، وهل كان إتفق مع غورباتشوف على فتح الملف، قبل انعقاد جلسة المؤتمر، وماهي التداعيات التي ستنجم عن حدث غير مألوف في الحياة السياسية المعروفة بانغلاقها، رغم كل الرياح التي تعصف بمؤسسة الحكم، والقواعد الجديدة في الحياة الحزبية على يد غورباتشوف .
أسئلة سعت آلاف الكتب والمذكرات والمقالات للإجابة عليها، خلال السنوات الثلاثين،الماضية، ولا تزال مثار جدل.
فهمت من يناييف، ان غورباتشوف،في الجلسة مغلقة، رفض بشكل قاطع ، رغم الحاح المندوبين، الكشف علنا عن الاسماء.
وقال لي، مع وعد بعدم النشر في حينها:
” على راس القائمة كان الكسندر ياكوفلييف وأسماء أخرى ستدهش حين تعلم باسمائهم “.
فمن هو ياكوفلييف واي دور لعبه في التحولات العاصفة التي أفضت الى انفراط عقد الاتحاد السوفيتي؟
هل كان الرجل السبعيني آنذاك والذي ارتقى سلم الحزب الشيوعي على مدى نصف قرن وصولا الى عضوية المكتب السياسي؛ عميلا بالفعل؟
متى جندته المخابرات الأميركية ، وفقا لرواية خصومه، وإفادة كروجكوف ؟
وماذا يعني عميل النفوذ
« agent of influence» ؟
يتبع…