ثقوب مخجلة في عباءة الهزائم العربية تسلل منها دبابير الشر بنجومها الهمجية السداسية لتلوي ذراع الخرطوم في ليلة سودانية الرقاد من ليالي الربيع البترولي العربي المحترق بنفط وغاز أمراء الخليج الأبطال . .
مرة أخرى تتصرف إسرائيل بمنطق الدولة العابثة المستهترة بكل الأعراف والمواثيق الدولية .
مرة ثانية تتصرف إسرائيل بمنطق من لارادع لعنجهيتها ولا قيود جغرافية لقوتها العسكرية المتنامية في مسارات الطغيان والإجرام, فحدودها الهلامية أبعد من مضيق باب المندب وأبعد من بحر قزوين وابعد من (سنجار) و (قندهار) و (بنيدالقار) .
ثلاث غارات إسرائيلية شنتها طائراتها في عمق الأراضي السودانية وعادت إلى قواعدها دون خسائر لتزف البشائر إلى حكومة تل أبيب وسط صمت عربي مشين ومن دون أن تحتج الجامعة العربية في الوقت الذي انشغلت فيه الفضائيات العربية بالبكاء على أنقاض القرى الأمريكية التي اكتسحها الإعصار (ساندي) ولم تسأل الصبية السودانية (سالي) عن الغارات المباغتة ولتي نفذتها عشر طائرات حربية إسرائيلية وطائرتان سمتيتان حلقتا فوق مياه البحر الأحمر لتأمين الإسناد والمراقبة الالكترونية .
لقد تجاهل المتأمركون العرب تلك الغارات وكأنها حادثة عابرة ولم يصدر أحدهم بياناً إستنكارياً واحداً حتى لو من باب البروتوكولات والمجاملات بين الدول , واكتفت إذاعاتهم وصحفهم ومحطاتهم المتلفزة على اختلاف توجهاتها بنشر الخبر ليوم واحد فقط من دون أن تعلق عليه ومن دون أن تعقد حلقة نقاشية على غرار الحلقات التحليلية الطويلة التي اعتادت عليها لتحليل اللقاءات الكروية بين برشلونة وريال مدريد .
لم يرسل الملوك والرؤساء العرب برقية مواساة واحدة للبشير ولم تدع الجامعة لعقد اجتماع طارئ حتى على مستوى اللجان الأولمبية لمناقشة الأضرار الكروية التي تعرض لها نادي المريخ في الخرطوم , وفشلت الأحزاب العربية (الربيعية) في أول اختبار لها داخل حلبات السيرك السياسي المخجل وظهر جليا إن معظم دعاة الانتفاضات البترولية هم من الأصدقاء المقربين للمحافل الماسونية .
نرى ان الغارة إستهدفت توصيل أكثر من رسالة للأقطار العربية والإسلامية , ولم يأتي توقيتها في نهاية عيد الأضحى من باب الصدفة بل كانت رسالة تحذيرية صريحة عن التفوق العسكري الإسرائيلي إلى الحكومات العربية عامة والحكومة الإيرانية خاصة ، فالمسافة بين تل أبيب وطهران أقل بكثير من المسافة بينها وبين الخرطوم .
لقد كشف لنا التهويل الإعلامي بخطر المد الإيراني واحدة من أهم أغراضه الخفية عبر هذه الغارة الجوية على السودان الغائب الحاضر وحكومته الغارقة في الأزمات الراديكالية المعقدة .
قديما كانت الحناجر العربية تهدر بالغضب من المضيق إلى المضيق وكنا نقف كلنا في خندق واحد من الشام لبغدان ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مِصرَ فتطوانِ ، نصدح بلسان حماسي واحد على إيقاعات قصيدة الشاعر كمال عبد الحليم المصري :
دع سمائي فسمائي محرقة
دع قنالي فمياهي مغرقة
وأحذر الأرضَ فأرضي صاعقة
هذه أرضي أنا وأبي ضحى هنا
وأبي قال لنا مزقوا أعدائنا .
هذا ما كنا نردده في صغرنا وعلى تلك المعاني تربينا وبمثل هذه القيم والمبادئ نضجت مشاعرنا الوطنية , لكننا نشهد اليوم أبشع فصول مهازل الاستسلام والذل في زمن الخنوع والخضوع والشتات تحت دعاوى الواقعية والعقلانية , فتركت معظم الأقطار العربية كتاب الله وراء ظهورها وسارت خلف سراب القوى الدولية الغاشمة ولاذت تحت خيمة البنتاغون الحمراء وأمنت بتفوق الناتو فغضت أبصارها عن جرائم الصهاينة وتغافلت عن ثرواتنا المسروقة وحدودنا المنتهكة وصفقت للغزاة عبر فضائيات العرب المتهتكة .
نعيش اليوم في عصر الفساد والخيانة والتآمر وعصر المهاترات الطائفية البليدة ، وصار الاستسلام سياسة والتعامل مع العدو تحضر وصارت الأرض العربية مقرا ومستقرا للقواعد الأمريكية المتجبرة بتأييد ودعم بعض الفقهاء المتأمركين والمتصهينين وبذريعة الحفاظ على المكتسبات من دون أن نعرف حتى الآن ماهية تلك المكتسبات التي لم نلمسها ولم نحس بها حتى يومنا هذا .