17 نوفمبر، 2024 3:25 م
Search
Close this search box.

ثقب مظلم على سطح الواقع السياسي بالعراق !

ثقب مظلم على سطح الواقع السياسي بالعراق !

اذا كانت غالبية الاحزاب السياسية في العراق إن لم تكن جميعها لدى البعض , هي التي سيطرت على غالبية مفاصل الدولة منذ سقوط النظام البائد في 2003 , وهذا ماروّج اليه الإعلام الخارجي والداخلي في كل مناسبة , واكتسبت عن جدارة رفض كافة قطاعات الشعب , فلأنها أرست لنفسها ثقبآ مظلمآ على سطح الواقع السياسي بالعراق , حفزت به البعض من الخارجين عن القانون على الصراعات والجريمة والقتل ,
وبدا عملها , من دون ان ندخل هنا في التفاصيل , يكشف عن اشتغالها في خمسة محاور رئيسية ظلت محفورة في ذاكرة المجتمع ; الأول , ظهور اشخاص رئيسيين ومنشقين تناسلوا ليملأوا كل مفصل من مفاصل الدولة وهم بلا فلسفة أو منطق او علم بالسياسة .
وفي المحور الثاني , كشفت عن صراعاتها وخوفها من المجهول الذي صنعته لمستقبل البلاد , لأنها جميعآ بنسق سياسي واحد لم يأت بحوار علمي يبدل الحزن بالفرح ويكون مبنيآ على احترام البلاد والصبغة الوطنية ويتغيّر بهذا النسق مزاجها النفسي المتقلب دائمآ , فترى من احدها انه الى الآن مازال يعشق ان تقطر يده بدماء الأبرياء ليوصل رسالته السياسية الغاضبة الى اطراف اخرى , ولايشتهي بغير الدم ان يعبّر عما يريد ولو بحوار قصير للحد من تعطيل الحياة والإضرار بمصالح الشعب .
أما الثالث وهو الأهم , فقد كشفت عن ظهور قوائم طويلة بأسماء السياسيين الفاسدين الذين انجبتهم غالبية تلك الأحزاب وفي عقولهم الظلم والمعاناة التي عاشوها وورثوها من النظام السابق ليس إلا , والحقت بعض افراد من هذه القوائم ليتبوأوا مقاعد الصراع المدمر للوطنية والوطن وزرعت في عقول البعض الآخر فكرة القتل وألإغتيال تحت ظل تلك السياسة التي صنعتها , عدا عن كون البعض من هذه الأحزاب اظهرت علامات التشفي بالصراعات التي تدمر اقرانها بالخفاء , وما ” الإنسداد السياسي ” الأخير إلا أدل مثال على مايجري في هامش صناعة الصراعات والتصعيد والتهديد الذي يقود الى التقهقر في كل نواحي الحياة .
اما المحور الرابع فهو في تكرار هذه الأحزاب للألفاظ الرنانة الخالية من التصوير الدقيق للرؤية السياسية المطلوبة في هذا الصراع او ذاك ليبقى العراق أسير الضعف والتخلف فيسهل السيطرة عليه من قبلهم أولآ , ومن قبل الدول الكارهة للعراق ثانيآ , وادق تأييد لذلك هو تصريح سماحة السيد مقتدى عن الإنسداد السياسي بقوله أنه مفتعل , وهو يعني أنه لايرتكز على اسس علمية ودستورية دقيقة , وصادر عن فئة من رجال جوف بالسياسة .
اما المحور الخامس فهو في عدم التزام الأحزاب نفسها بالقوانين الداخلية النابعة عن فكر فلسفي يقود اجنحتها السياسية وينظم هياكلها الداخلية , فضلآ عن القوانين الدستورية الملزمة .
والأحزاب بهذا النسق السياسي النزّاع الى الصراع بالأفكار موجود في كل دول العالم ويقلده الكثير من أحزابها , إلا ان الفرق بينها وبين الأحزاب في العراق , هو أنها تشعر بالخطر من العرب والإسلام ,على سبيل المثال , ومن الإرهاب فتراهم جميعآ يصطفون مع دولهم بصبغة الوطنية الغالبة التي تجهض التداعيات التي يفكرون بها وإن كانت في حقيقتها وهمآ , ومن امثلة تلك الدول هي امريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا والهند , إذ جميع احزابها لاتتوافق بالقرارات مع بعضها إلا عندما تكون في مصلحة البلاد .
بينما غالبية الأحزاب في العراق لا تصطف مع الدولة في احلك الظروف , بل هي على الدوام تمثل دور البطل المضاد للدولة إلا في القرارات التي تجد فيها مصالحها المادية ومثال ذلك قانون الدعم الطارئ الذي صوتوا عليه بكفوف لاتتردد رغم ان سلطة القضاء العليا بالبلاد اعتبرته غير دستوري وألغت تشريعه , لأنها ذات هشاشة سياسية ناجمة عن انشغال اعضاءها بمصالحهم الذاتية بشكل تام مهما كانت الأخطار المحدقة بالبلد ,
وما الإنتهاكات التي تقوم بها تركيا في الجانب العسكري والمائي إلا دليل على تلك الظروف الحالكة , فضلآ عن التقصير في حصة العراق المائية سواء من تركيا او الجارة ايران الإسلامية , ودخول قوى الإرهاب من الجارة سوريا . وكان الأولى بهذه الأحزاب ان تدعوا الى مؤتمر شامل برعاية وزارتي الزراعة والري ليضم كافة القادة السياسيين في البلاد ومنظمات البيئة واليونسكو التابعة للأمم المتحدة للإطلاع على الواقع الزراعي والمائي الحالي ومخاطره على مستقبل العراق والمنطقة ,
وللتعبير عن استنكارهم السلمي لمايجري في البلاد من ضرر على مستقبل الأجيال , لاسيما ان الحرب الروسية – الأوكرانية قد القت بظلالها على الإقتصاد والنظام العالمي , وان النشاط الزراعي العراقي قد تأثر بشحة المياه وهو بلد منتج للقمح والشعير لتأمين امنه الغذائي .
بهذا الإنفعال النفسي في الكتابة عن غالبية الأحزاب والتصورات التي ينتهجونها في هذا الثقب من سطح العمل السياسي , لاشك يقود القارئ الى صياغة مباشرة تفصح عن ان الظلال التي تلقيها هذه الأحزاب على الواقع العراقي ينجم عنه الرحم الذي تنمو في داخله قوى اخرى للظلام إن لم تكن قد حفزت هذه الغالبية من قبل الى نشأة تلك القوى المتمثلة بداعش المندحرة او عناصر حزب العمال الكوردستاني التي هي الى الآن تتموضع في اجزاء من شمال العراق بشكل غير قانوني وتعمل كبطلة للمشهد السياسي فيه ,
بينما تقف الأحزاب الشمالية المنتمية لتلك الغالبية حائرة , تدوّن اعداد ضحاياها وخرائبها ولا تدع مايكروفونآ أو قناة فضائية من دون ان تصرخ به عاليآ لتجسد استنكارها وبراءتها من اعمال حزب العمال التخريبية ثم تعود الى عرينها بلا تفكير مشترك مع الحكومة ينظم اصلاح هذا الخلل الذي يهدد البلاد بأكمله ويكون أمام النائمين من الشعب لكي يتخذوا مايناسب ويلائم اهمية الموضوع .
على هذا الإيقاع , نقول إن لم تُلزم الأحزاب نفسها بالقوانين التي وضعتها لنفسها مضافآ اليها القوانين التي نظمها الدستور العراقي وبإصطفافها مع الدولة , فإنها لن تجد لها حوارآ يقود الى إصلاح أو تضامن مع سياسة الدولة ويسهم في بناءها , وليس معيارآ ان ينتمي هذا الحزب او ذاك الى هذه الطائفة او تلك , بل عليه تجاوز ذلك بشكل تلقائي ليتخطى الإتهامات والمزايدات المعرقلة لتقدم الدولة .
من غير ذلك سيبقى الثقب المظلم كالرحم الذي تنشأ فيه قوى ظلام اضافية الى تلك القوى المادية من داعش وعناصر حزب العمال والفصائل المسلحة المنفلتة , تهاجم اينما ترى خطوة الى الأمام من قبل الشعب أوالدولة .

أحدث المقالات