الحب والكره والحقد والامتنان ، هل تعتمد هذه المشاعر على تفاعل الشخص الصادق مع الآخرين، مضافاً إليها مدى فائدته لهم كمعزز لزرع المحبة في القلوب، فيكون الصدق في الاحتواء والعطاء والمشاعر الحقيقية التي لا نستطيع أن ننافق أو نجامل أو نمثل فيها كثيراً هي المسبب الحقيقي لعمق الحب الامتنان أو نقيضه؟ أم أنه كما يقال أن الحب والكره من الله، لذلك قد لا نملك الأجوبة لماذا أحببنا هذا وكرهنا ذاك؟ أتمنى أن أعثر على حلقة الإجابة المفقودة وأنا أقرأ وأشاهد كمية الكره العفن التي يلقى بها كـ«نهيق» تويتري نَكِر، أو رسائل واشعارات واتسابية وفيسبوك متقرحة حقداً، أو مقاطع يوتيوبية ملغمة كرهاً ، فقـدنا ثقافة الحـوار تلك الثقافة التي تحمل مشروعاً هائلاً لتفكيك العصي من المماحكات والتصفيات والصراعات ودوائر الخلاف الموسمية المتكررة. هذه الثقافة تقود إلى مجتمعات قادرة على السير بتوازن تحت أي ظرف والتعاطي مع أي تهديد بذكاء بالغ وهدوء مثير.
نحن مضغنا على عجل بضعاً من الجمل الطازجة كـ الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، لكن في ساعة الجد يصبح مثل هذه الجمل رماداً نذره أمام الأعين، ونستعيذ بالله من العنف والسخرية والكراهية والطائفية والتعصب ، علينا ان ندرك ان ثقافـــة الحـوار طريقنا إلى السلام والتعايش، عشنا سنوات طويلة في صراع الحـــوار والثقافة المصاحبة له، وعانينا كثيرا من ثقافة الخطوط الحمراء،
لسنا على الإطلاق على مقـــربة مــن الحوار، إلا إن كـان الحديـــث عــن حـــوار شكلي لا يعكــــس المضمون ويأخذنا في الوقت ذاته إلى الخيـــال ومـــدن التنظير والإشباع الوقتي، لنقرأ الجدال المستمر في كل قضايانا وما إذا كان يــــدل على توافر الثقافة «الحلم» أم إنه يزيـــد الأمـــور تعقيداً وينثر الملح على الجراح الناشئة باستمرار،ونتحدث هنا عن الحوار كثقافة أصيلة لا كفعل تنظيري تفضحه مسرحيات الشد الاجتماعي الجاهزة على طول الخط!!!
لست بالطبع متشائماً من انعدام هذه الثقافة، لكنها ليست بالمقدار ذاته من التفاؤل الذي نعيشه حين نجلس على منصة التخطيط والتنظير. لن أحدد وسطاً مجتمعياً كي أقول لكم اذهبوا واحسبوا المسافة الدقيقة بينه وبين أن يكون على مقربة من ثقافة الحوار. صحيح أن كلمة الثقافة لوحدها جالبة حزمةً من الخلافات والوجع والتوتر، خصوصاً في ميداننا المحلي، لكن الحوار أيضاً يعيش على الأمل والتوقع والرغبة وكثير من الأحلام من دون أن نلمس بوادر للجهد الذي يبذل في ساحته بواسطة أكثر من منبر ومركز. الحوار لدينا يعاني ربما لأننا قفزنا إلى ميدانه من دون أن نعرف أن قبله مربعات لم نبعثرها جيداً ونهيئها لتقبل ما هو أثقل وأكثر امتحاناً للمجتمع المتعطش للاختلاف والثراء لا الاختلاف والصراع. لن تخلق بيننا ثقافة حوار رفيعة المستوى وبيننا من إن لم يعجبه حضورك استعداك ومن إذا قلت رأياً لا يتوافق ورأيه صنَّفك ومن إن ناقشته في خطاه ناصبك العداء، فالثقافة تئن والحوار يمشي على عكاز!