سبق وان نشرت مقالا في موقع كتابات بتاريخ 11 اذار 2017 بعنوان “ثقافة النوع … الإرث المخيف”, التي تطرقت الى محور اساس في بناء الدولة وهو الثقافة, هذه المفردة التي بدأ انطلاقها في اول مسرحية شعرية في الحضارة السومرية في مدينة أور قبل خمسة آلاف عام. ودقت فيها ناقوس الخطر بظهور ثقافة النوع كأرث للنظام السابق ، وعجل في إستشرائها إلغاء وزارة الثقافة والأعلام وتسريح منتسبيها بعد الاحتلال, من عدم احتضانهم وتفعيلهم لينخرطوا في بناء مجتمع يعني بثقافات متنوعة نظيفة, بل جعلهم خصوما للنظام الجديد، مما حفزها لتتطور الى نوع ثقافي اكثر شراسة, عند استحداثه هيئة الاجتثاث ثم المسائلة والعدالة وكلاهما لم يفلحا بأداء دورهما بأجتثاث ثقافة النوع الواحد.
ان تبني سياسة ثقافات النوع المتعددة ليست ترفيها لشعب ابتلى بارث ثقافة النوع الواحد، ليتطلب تحريره من هذا الارث الشروع ببرنامج اصلاحي واسع بمساهمة جهود وطنية ودولية, وليس كما فعلت الكنيسة في اوربا بمحاكمة المهرطقين في العصورالوسطى وكما فعل الحلفاء بمطاردة النازيين بعد الحرب العالمية الثانية.
بل يتطلب انفتاح النظام الجديد لبوابة ثقافات العالم المتجددة لتحرير ثقافتنا من نوعها الواحد, وليتحرر السياسي من عقده السابقة بمراقبته وتربصه لخصومه ومعارضيه.
ولم يستعرض النظام السياسي الجديد في برنامجه سياسة تحرير ثقافة النوع, مما أحرجه المواطن بمظاهراته الربيعية التي عكست مخاضات ساحات التحرير والفردوس والبصرة والناصرية .وكان عليه حمايتها قبل ان تستغل من قبل القمامين من المتربصين خلف الاسوار ومن المتسترين خلف الاقنعة. ودقت المرجعية الرشيدة ناقوس الخطر ايضا من الصحن الحسيني الشريف في خطبة الجمعة يوم 31/8/ 2018 من حالة التدني في مستوى الثقافة والتعلم بتبني المجتمع ثقافات هجينة جعلت شباب اليوم في خطر ثقافي مرعب يتطلب انتشالهم بايادي نظيفة ليعوا دورهم من خلال مشاركتهم باعادة بناء وطنهم. حيث آن الأوان للشروع لاطلاق برنامجا للاصلاح الثقافي ليشكل الركيزة الاساسية للاصلاح السياسي والاجتماعي, بدأً ً من رياض الاطفال في تفعيل درس التربية الوطنية التي فقدت هذه المفردة تأثيرها ومعانيها بتصحيح المسيرة الديمقراطية التي اقتربت حدودها من الفوضوية, وتحصينها قبل ان تستفحل ثقافات نوع اجتماعية جديدة اكثر تطرفاً من ثقافة داعش, من ثقافة فساد وثقافة دجل وتفشي ظاهرة الدجالين وثقافة اشباه المتعلمين التي اكثرها خطورة وانتشارا.
السؤال هو: هل سيترك النظام السياسي الجديد مساحة فاعلة لثقافة النوع الواحد السابق ومساحات لثقافات نوع جديدة مرعبة؟ وكلاهما يمثلان ثقافة نوع هجين يأخذ دوره لؤد الثقافة النظيفة, التي يتطلب من البرنامج الاصلاحي ان يهيأ مستلزماتها وتوفير البيئة الملائمة لبناءها قبل ان تستفحل ثقافة النوع الهجينة لتكون ارثا مخيفا.