ان تكرار عمليات الاستهداف المتعمدة للعاملين في حقلي الصحافة والاعلام,وكثرة شكاوى المسؤولين ضد من يعتقد انه استهدفهم شخصيا,عبر مقال ورقي او الكتروني,او من خلال مايطرح في وسائل الاعلام من البرامج السياسية والاخبارية,تعبر عن تخبط واضح بين الفريقين
(الناقد والمنقود او المنتقد),مع ان الطرف الاكثر تخلفا وعصبية في هذه المواجهة هو الطرف السياسي المسؤول,
ففي الديمقراطيات المتقدمة نجد ان السياسيين الغربيين يتقبلون النقد العام والجارح احيانا,دون ان تكون لهم ردات فعل غاضبة ضد منتقديهم,فلازالت صورة البيض الفاسد والخضروات العالقة في جلباب المرأة الحديدية الراحلة تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا عالقة في الاذهان,
(وتقبل الرئيس الامريكي الاسبق بوش الابن حذاء مراسل البغدادية منتظر الزيدي برحابة صدر امريكية,بينما انهالت حماية المالكي عليه بالضرب لانها اعتبرتها ضمنا اهانة لرئيس الوزراء)
تختلف هذه الصورة في بلدان العالم الشرقي,فصورة القائد المغوار او كما يسميه حسن العلوي قائد الضرورة, او كما تسميه بعض القوى السياسية الحالية برجل المرحلة,لاتسمح بتغيير نمط واسلوب النقد السياسي الحديث.
ترى هل اخطأ السيد مقتدى الصدر عندما انتقد زيارة رئيس الوزراء المالكي الاخيرة الى الولايات المتحدة الامريكية,والتي يبدوا انها لم تثمر الكثير في مجال اطلاق عملية تسليح الجيش العراقي,ليس لان واشنطن لاتريد رئيس الوزراء الحالي,وانما هناك اجندات دولية واقليمية تدار بعيدا عنه وعن حلفائه,
وهل كان رد مكتب رئيس الوزراء
حول انتقادات الصدر الاخيرة,ردا استفزازيا ومتسرعا ,يكشف عن عمق الخلافات والصراعات والمنافسات الانتخابية القريبة, التي لاتعير لهموم ومشاكل المواطنين واحتياجاتهم اي اهتمام,
من وجهة نظري ان الفريقين اخطأ,لكن تتحمل الحكومة ومكتب رئيس الوزراء تبعات هذا الخطأ بشكل اكبر,لانها ليست كتلة انتخابية او حكومة حزب او طائفة او فئة معينة,بل هي حكومة كل مكونات وطوائف واعراق وتوجهات الشعب العراقي,وعليها اعباء ومسؤوليات كبيرة يجب ان تراعيها بدقة,وان لاتنزلق الى ساحة المنافسة الشخصية اوالفئوية او السياسية الطبيعية احيانا,
ولكن نحن شعوب متعبة متراجعة نسير في طريق وعر, نعمل بكسل لبناء منظومة سياسية حديثة تعتمد الاليات الحضارية الغربية,بينما يواجه الانسان العربي صعوبة بالغة عندما يفتح عقله ليقول مايريد بحرية,تصطدم بالموروثات وحزمة من التراثيات المتكلسة والعادات والتقاليد القبلية
(والبدوية احيانا),
فكيف بنا ان نسمح للناقد ان ينطلق في مجال نقده دون قيود ,لتشخيص مكامن الخلل والاعتراض في مسيرة الاخرين,ممن تقترب او تشترك او تتقاطع مصالحهم معنا او مع الاخرين.
كنت استغرب حديث الروزخونيين سابقا حول صراع رجال او مراجع الدين فيما بينهم(او مايسمى التحاسد بين العلماء),لان قدوة المجتمع تقدم في بعض الاحيان مثالا سيئا عن تنافس المهنة,ويبدوا ان هذه الظاهرة ليست حكرا على فئة او جماعة او طبقة اجتماعية,انما هي ثقافة واسلوب شائع في المجتمعات المحصورة او المغلقة, والمعلبة ثقافيا بعلب التبعية التراثية,فلا البيوت ولا المدارس او الجامعات والمعاهد وبقية حقول الاحتكاك الاجتماعي,معتادة على سماع لغة او اساليب ناقدة حادة او حتى رقيقة وخفيفة,وهذه سمة غالبة تبدأ مع الاجيال منذ نعومة اظفارهم,
وهي جزء من تركة البيئات العشائرية والقبيلة والدينية المتجددة,بل ان لغة التخاطب والحوار العائلي او الاسري في مجتمعاتنا, ليس فيها اساليب حضارية تعطي للطفل او حتى من هم في سن المراهقة مجالا للحوار الرسمي البسيط,
(اي انك لاتسمح لنفسك احيانا ان تعطي وقتا كاملا لسماع وجهات نظر الاطفال او المراهقين,ولاتستخدم عبارات الاعتذار والتسامح معهم عندما يصدر خطأ منك غير مقصود او مقصود, وكذلك تنطبق على المرأة المصادرة حقوقها في حرية ابداء الرأي,وهنا يقال ان اغلب النساء العرب يطلبن الطلاق في بلاد الغرب لشعورهن بقيود الحريات الشرقية وسهولة الانعتاق منها),
ولهذا تخرج الكوامن الاخلاقية السيئة احيانا المتعلقة بمسيرة التربية الاسرية والاجتماعية عند النضوج في شخصية الرجل ,فتنثر غبارها الاسود فوق رؤوس العباد,فجل مشاكلنا هي في الاشخاص القليلي التربية,او ممن تعقدت نفسياتهم منذ الطفولة لعدة اسباب منها القمع الشخصي,
فهل يعلم العراقيون كم كان حجم معناة اجيال العوائل العائدة من المهجر لاسيما بلاد الغرب,الاطفال هربوا من المدارس الحكومية لبشاعة وبذاءة لغة بعض المعلمين او التدريسيين عموما,وقساوة تعاملهم مع الاطفال,
(التدريسيين رجالا ونساءا على حد سواء),وهي معاناة يومية يعاني منها اطفال المدارس الابرياء جميعا تقريبا,وقد ذكرت سابقا كان لدينا مدرس رحمه الله يطلب من مراقب الصف ان يخرج الى البستان القريب من المدرسة نسبيا,ليجلب له جريد سعف اخضر, ليضرب به الطلبة,ثم شيئا فشيئا تطورت لتصبح كيبل اسود مع بشاعة حكم البعث الفاشي),وهكذا هي عجلة صناعة الاجيال الفاشلة,تدور دون توقف.
الايمان بحرية التعبير, والالتزام الاخلاقي بأساليب النقد الموضوعي,تصبح مدرسة نموذجية قابلة للتطور دائما,تأخذ بايادي الاجيال القادمة الى بر الامان بلا قيود,
لان التجربة والممارسة المتكررة في مجال النقد المتبادل البناء,تعطي مجالا لتقبل الرأي والرأي الاخر,فتخفت عندها حدة الاثارة,وتبرد ثورة الغضب عندما تسمع للنقد بثقة تامة دون توتر وبهدوء كامل,وان يتعود الانسان بأن لايبقي في وجدانه او ذاكرته اية معلومات نقدية مؤذية قيلت بحقه يوما ما ,ويعتقد انها كانت قاسية وخاطئة وفارغة,حتى لاتتحول بمرور الزمن الى سموم وبارود عنف تفرغ اذاها في من يقف امامها بسهولة,
فثقافة التسامح هي السبيل الوحيد لحماية العرب والمسلمين في المستقبل من ولادات جديدة لجماعات العنف والجريمة والارهاب….